فشل الحوار بسبب مرجعيته… وباسيل: أنا الرئيس الفعلي

محمد شمس الدين

حضرت الكتل النيابية الى بعبدا لإبداء موقفها من الحوار الذي دعا إليه رئيس الجمهورية ميشال عون، واختلفت المواقف بين من سيلبي الدعوة ومن يرفض. الكلمات كانت مقتضبة وحديث بالجو العام للحوار، إلا رئيس الجمهورية الحقيقي، الصهر القوي، الذي أصرّ على خطاب يؤكد فيه أنه هو من اقترح الحوار، وهو من يضع جدول أعماله، وليس الرئيس عون. وطبعا استغلّ الفرصة ليمرر الخطاب الانتخابي بمضمون كلمته، على نغمة الإسطوانة المعتادة عينها “ما خلونا”.

بدأ رئيس الجمهورية، عذرا رئيس تكتل لبنان القوي جبران باسيل، خطابه بـ”زكزكة” الثنائي الشيعي أولا والأطراف الوطنية ثانيا، عبر إعادة التأكيد على مشروع اللامركزية المالية، بإعلان واضح وصريح بقصد الفيدرالية. بينما اعتبرت مصادر مطّلعة في تعليق لموقع “لبنان الكبير” أن باسيل يناور فقط، وهو أكثر من يخشى الفيدرالية، لأن شعبية غريمه التقليدي القوات اللبنانية اليوم هي الأكبر مسيحيا، تحديدا بعد أن انزلق البلد إلى “جهنم” في العهد القوي، لذلك إن التلميح إلى الفيدرالية، ومن ثم الغمز من قناة الاستراتيجية الدفاعية هو أشبه برسالة لحليفه حزب الله، ومحاولة جديدة لابتزاز مكتسبات من الحليف كما اعتاد منذ اتفاق مار مخايل.

أما ما يستحق الوقوف عنده في خطاب باسيل، فهو اعتباره أن عدم تجاوب الأطراف اللبنانية مع دعوة العونيين للحوار عام 2004 هو سبب مصائب لبنان. فوفقا لباسيل تسبّب هذا الرفض باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وحرب تموز، و7 أيار، والتحالف الرباعي الذي ليس مفهوما كيف يتساوى مع الأحداث الأمنية والحروب، لكن ربما بعقل باسيل هو يتساوى معها. ولربما عدم التجاوب مع العونيين في 2004 أدى أيضا إلى ثقب الأوزون وحروب المنطقة، وظهور داعش، بل حتى له يد في تفشي وباء كورونا، وقد يكون مستقبلا السبب بحرب النجوم مع فضائيين من مجرات أخرى.

بينما الواقع يقول أن فشل الحوار اليوم يعود إلى مرجعية الحوار، فمنذ بداية حالة ميشال عون، لم يترك له صاحبا، لا بالحرب ولا بالسياسة. الجنرال الذي رفض الإجماع اللبناني على اتفاق الطائف لإنهاء الحرب، بعد عودته في 2005، عطلّ ليس فقط الحكومات، بل أيضا طاولات الحوار المتعددة، إذ علّق مشاركة تياره فيها عدة مرات، بطريقة ابتزازية للحصول على ما يريد. وبمراجعة تاريخية صغيرة، فإن عون وتياره تحالفوا مع الجميع ثم انقلبوا عليهم، من ميشال المر إلى آل سكاف وافرام والخازن وأغلب العائلات في شارعه، ثم تحالف سياسيا مع حزب الله والمردة، ثم اتفاق معراب، ومن بعدها المستقبل في التسوية الرئاسية، كل هذه التحالفات انقلب عليها عون. حتى حزب الله الذي كان يسايره إلى أقصى حد وأوصله إلى رئاسة الجمهورية بدأ عون وفريقه يهاجمانه، تحالف مع الجميع ثم تقاتل معهم.

فكيف يمكن أن يكون مرجعية للحوار مَن وجوده قائم على رفع السقوف السياسية عالية عند أي اختلاف مع أي طرف بالبلد؟، حتى لو كان على ملف صغير يجوز فيه اختلاف الرأي. أصلا كيف يمكن أن يتوقع تلبية الأطراف اللبنانية للحوار، وهو وفريقه يجاهرون بأن هدفهما إلغاءهم؟ أليس بالأمس القريب جلست وزيرته السوبر طاقة تبتسم في لقاء مع كوادر التيار عندما عددوا إنجازات حققوها برأيهم عبر إنهاء الحريرية وتحجيم الجنبلاطية؟ كيف سيقبلون بالحوار معه في هذه الحالة؟

وإذا أردنا المقارنة، علما أنها لا تجوز، فالرئيس نبيه بري عندما يدعو إلى حوار يشهد تجاوبا معه من جميع الأطراف في البلد، والموضوع ليس بسبب الكاريزما التي يتمتع بها، وهو لا يلقي عليهم تعويذة، بل بكل بساطة لأنه حتى في عز الخلافات والانقسامات السياسية وعلى الرغم من كونه طرفا في الخلاف، إلا أنه يبقي خطوط التواصل مفتوحة مع الجميع، حتى مع أعتى الخصوم ورؤوس حربة المشروع الخصم. أما عون فهو اعتبر نفسه، حتى عندما وصل إلى رئاسة الجمهورية، ممثلا لمصالح جبران باسيل ونكاياته، وليس “بي الكل” كما وصف نفسه، هو ربما لا يصدق أنه رئيس جمهورية وما زال يظن أنه رئيس التيار الوطني الحر فقط.

أما عن الدعوة إلى الحوار بمن حضر، فربما نسي باسيل أنه بنفسه أعلن تعليق جلسات الحوار عام 2006، حين قدم مطالعة طويلة عن خرق الميثاقية، بتغييب دور الأكثرية المسيحية حسب قوله حينها. ربما تلك الميثاقية مختلفة عن ميثاقية اليوم، التي تُغيّب دور بل تعطّل وصول المكون السني الأول إلى رئاسة الحكومة، أي الرئيس سعد الحريري بمن يمثل هو وتيار المستقبل، وهذه ازدواجية اعتاد عليها لبنان من فريق سياسي أوصل البلد إلى جهنم.

شارك المقال