يريد أزمة وليس حلاً

علي نون
علي نون

يفتتح الرئيس نجيب ميقاتي في بيروت مركزًا استشفائيا مقدما من ولي عهد ابوظبي الشيخ محمد بن زايد لمعالجة مرضى كورونا… وفي الوقت عينه، يرعى حزب ايران وينظم مؤتمرا لجماعات خليجية معارضة في خطوة يريد ذلك الحزب منها توجيه ضربة اخرى الى مصالح لبنان واللبنانيين وتأكيد كونه راعياً لمصالح إيران اولاً واساساً ومنخرطاً حتى النخاع في لعب ادوارها الخارجية التي لا تريد هي أن تلعبها!

والامران يختصران الكثير: دولة الامارات العربية المتحدة مثلها مثل الشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية وسائر دول الخليج العربي، ترعى نواحي الخير والمساعدة للبلد وأهله في ذروة أزماته القارصة، وتعمل ما امكن وما تسمح به الاحوال من أجل منع انزلاق بلد الارز الى هاوية اعمق من التي أوصله اليها محور الممانعة الايراني التمويل والتوجيه والاداء والذي احكم مع عهد الفشل والكوارث برئاسة ميشال عون وصهره جبران باسيل، قبضته على الشرعية الدستورية بعدما أحكمها على الشارع بواسطة سلاحه “وترجمات” ذلك السلاح! فيما “يفتتح” حزب ايران في معقله في الضاحية الجنوبية لبيروت مشكلة اضافية جديدة مع الرياض بعد ان كان تابع افتعال الازمات مع مملكة البحرين وقبلها مع الكويت والامارات.

يمكن ان يقال الكثير عن الفارق بين من اراد وعمل ويعمل على إعانة لبنان على معالجة أزماته، ومن عمل ويعمل على تعميق تلك الازمات والاستثمار فيها…

وذلك صار معروفا ولا يحتاج الى تكرار، لكن البحث في المستجد من تلك السالفة يُحيل الى خلاصات عدّة تعيد النقاش الى اصله وفصله: الادعاء الراهن بأن تنظيم حدث اعلامي – سياسي في الضاحية الجنوبية لبيروت لمجموعات معادية لدولها في الخليج العربي، هو “ردٌ” على وصم حزب ايران بالارهاب، ليس سوى إفتراء على الحقيقة الاولى وتجاوزا لها وتضييعا للمسؤوليات… لم تأتِ المملكة الى لبنان لمحاربة حزب ايران فيه! ولم تنظّم أدوات وأسلحة وإمكانات لاستهدافه، ولم تفترِ عليه بطبيعة الحال ولا مرّة واحدة بل العكس تماما: غضّت النظر عن ما انكشف من ادوار له في تفجير الخبر عام ١٩٩٦… وغير ذلك من “حوادث” متفرقة بعضها جرى في بيروت وضد “أهداف” سعودية ولم يُعلن عنه! ولم تتوقف كثيرا او قليلا عند دوره في احداث البحرين عام ٢٠١١ قبل ان تتدخل الرياض وتقود قوات “درع الجزيرة” وتجنب المنامة وكل الخليج العربي كارثة تشبه تلك القائمة حاليا في اليمن! ولم تعمل على الاستثمار السياسي ولا الاعلامي في ما تكشّف من ادوار له ذات طابع امني خطير في الكويت وغير الكويت! بل الحقيقة التي يعرفها” المعنيون” هي ان السعودية حاولت دائما معالجة الامور غير السوية ولا الطبيعية، بطريقة هادئة وموضوعية وتتلاءم مع قيمها وعاداتها السياسية والديبلوماسية التي تبحث عن الخير من حيث المبدأ وتتجنب الشر من حيث المبدأ… وتحاول ان تترك مساحة كافية للتفاهم حتى لو كان صعبا بدلا من سلوك الطريق السهل باشهار الحرب ردا على الاذى اللاحق بها… وتفعل ذلك لإنها دولة سلام واعتدال ووسطية ورحابة وقوة وليس لانها ضعيفة او مترددة! وقوتها هي تماما قوة صاحب الحق المفترى عليه: عندما تجد ابوابا موصدة في وجه جهودها التسووية والسلمية، تتحرك بشكل حاسم وكاف لافهام الخصم والعدو بان رحابتها ليست جبنا. واعتدالها ليس ضعفا. وحرصها على الاستقرار العام لا يعني تراخيا مع الذين يستهدفون استقرارها الخاص ولا استقرار محيطها العربي في الخليج!

ولذا، يكرر حزب ايران في لبنان الخطأ، او بالاحرى الخطيئة في حق السعودية. ويعود ليبني استنتاجات سطحية إزاء حقائق متجذرة وعميقة: يحاول الادعاء بانه “مُفترى” عليه “ويرد” على الافتراء من خلال اللعب الاعلامي والسياسي بالشؤون الداخلية الخليجية عموما والسعودية خصوصا فيما كل الوقائع والادلة المكينة تدلّ الى العكس… وهذه تقول راهنا ان ذلك الحزب يتصدر المشهد نيابة عن ايران ويعرض “خدماته” لها بصفته جزءا عضويا منها وليس تابعا سياسيا عاديا… وذلك يعني “إيمانه” العقيدي بمشروعها المزدوج: إعادة احياء امبراطورية قومية خاصة ذات رابط مذهبي عام! والعمل بكل الطرق لاحياء ما يفرق بين المسلمين وليس العكس من اجل ردف ذلك الهدف وتظهيره ولو كلّف اثمانا بشرية ومادية مهولة ومأخوذة من خيرات العرب والمسلمين واوطانهم وأرواحهم ومصائرهم في الاجمال.

يصعّد ذلك الحزب استهدافه للمملكة بطريقة استفزازية محسوبة وليست عشوائية: من جهة يريد ان “يساهم” في تقديم أوراق استدعاء الى “حوار” تريده ايران مع المملكة ودول الخليج راهنًا لان في ذلك مصلحة آنية لها لتقول في فيينا انها ليست محاصرة ولا تستجدي رفع العقوبات! ومن جهة ثانية، يريد ان “ينتقم” (ولمصلحة ايران) من الهزيمة المتراكمة في اليمن بعد التطورات الميدانية الاخيرة هناك… ثم يريد ان يقول ما هو اخطر من ذلك على المستوى المحلي اللبناني: ليس المطلوب معالجة ايجابية لأزمة العلاقة مع المملكة ودول الخليج العربي بل تعميق تلك الازمة وايصالها الى ذرى القطيعة التامة! بما يعنيه ذلك من تسهيل وتيسير لخطة الاستمرار في إحكام السيطرة على المصير اللبناني لحساب المشروع الايراني.

المصيبة كامنة في ان خطايا حزب ايران وارتكاباته يدفع اثمانها كل اللبنانيين، ويعاني من تبعاتها كل الكيان الوطني بمختلف عناوينه ومظاهره وتشكيلاته النظامية الشرعية والاهلية العامة سواء بسواء… وهو يفعل ذلك بمنهجية محسوبة وطويلة النفس وبما يوصل الى الاستنتاج الذهبي القائل أن ايران لا تجد طريق إحياء لمشروعها سوى عبر تحطيم دول الجوار العربي والاسلامي… والباقي استطرادات خارج ذلك النصّ الاصلي ولا يُعتدّ بها!

شارك المقال