“الثنائي العائد” يُعيد “القنبلة” إلى عون!

أنطوني جعجع

لم يقرر الثنائي الشيعي العودة الجزئية الى الحكومة من باب المسؤولية الوطنية المجردة او الخدمات الرعوية والانسانية، بل من باب تطورات فجّة وضعت الرئيس نبيه بري والسيد حسن نصر الله في الزاوية الصعبة وجعلت كل منهما مرغماً لا بطل .

فلا الاول انتزع من الحكومة كل ما اعتكف من اجله، ولا الثاني فعل الامر عينه، ولا الرئيس ميقاتي يملك من الحرية ليعطيهما ما يريدان، ولا الرئيس ميشال عون يملك من السلطة ليفرض الحلول فرضا او ليجعلها ممكنة من دون تداعيات او تنازلات …

والواضح ان هناك امرا او امورا عدة دفعت البيئة السياسية الشيعية الى فكّ الطلاق مع السلطة التنفيذية فجأة والعودة الى مجلس الوزراء من دون تعويضات علنية على الأقل، اذ لا تبدو اقالة القاضي طارق البيطار ممكنة حكوميا، ولا تبدو اقالة الحاكم رياض سلامة محل اجماع داخل الحكومة وخارجها، اصافة الى ان اقتراحات الحوار التي طرحها الرئيس عون، لا تبدو مقبولة او قابلة لأي نقاش جدي او فاعل.

وهنا يطرح السؤال: لماذا عادا من دون انذار مسبق اولا ومن دون انتصار كامل ثانيا؟

في قراءة سريعة لما سبق عودة “الابن الشاطر”، يتبين ما يلي

– ان الثنائي الشيعي ليس في وضع يسمح بالمزيد من السلبيات عشية انتخابات نيابية مفصلية تهدد بنقل الغالبية من مكان الى آخر، وبالتالي نقل لبنان من خيار الى آخر.

– ان الثنائي الشيعي لم يعد قادرا على تحمل النقمة الشعبية التي نتجت عن مواقف سواء محلية او اقليمية ادت الى عزل لبنان وتحويله الى دولة مفلسة لا بل فاشلة، ولم يعد ايضا مستعدا لتحمل الاتهامات التي يطلقها رئيس الجمهورية والنائب جبران باسيل والظهور بمظهر من يتحمل وحده مسؤولية ما اصاب البلاد من انتكاسات وانهيارات، او التحول الى ورقة محروقة في صناديق الاقتراع.

– ورود معلومات الى الضاحية الجنوبية وعين التينة عن اتجاه لوضع لبنان تحت “وصاية” دولية ما تلبية لنداءات محلية تقودها بكركي والتيار السيادي وتلقى آذانا صاغية في غير مكان، وهو امر لن تقبل به ايران من خلال حزب الله ولا سوريا من خلال حركة “امل”.

– تراكم انطباعات وتقارير تفيد بأن مواقف بري ونصرالله اثرت سلبا في شعبية التيار الوطني الحر  وفي اي فرصة متاحة له للاحتفاظ بكتلته النيابية التي يتوقف على حجمها مصير الغالبية المقبلة.

– الخوف من ان تؤدي القطيعة الى ضرب الموازنة العامة ومعه ضرب المفاوضات مع البنك الدولي، وبالتالي قطع الطريق على آخر مورد مالي يمكن ان يحصل عليه لبنان، وهو امر لا يستطيعان تحمله لا على المستوى المحلي ولا على المستوى الدولي ولا حتى على المستوى الشيعي عينه.

– تكاثر معلومات عن احتمال تحرك الشارع قبل الانتخابات في شكل يضع الثنائي الشيعي، في وضع الفريق الذي يجب ان يسقط لا في وضع الثورة التي يجب ان تخمد، ولا سيما ان المزاج اللبناني بات يميل الى تأييد الثورة بدلا من التصدي لها.

-تراجع شعبية حسن نصرالله بشكل دراماتيكي وتحميله مسؤولية الانهيار الخطير محليا وخارجيا، وهو انهيار بدأ يتسع في صفوف حلفائه المسيحيين سواء في بنشعي او ميرنا الشالوحي او حتى داخل حزب الطاشناق الذي كاد يتحول الى مجرد حزب من دون محازبين نظرا الى الهجرة الواسعة في البيئة الأرمنية.

– الدخول الاميركي والاوروبي المتواصل الى الملف اللبناني، وتشكيل جبهة غربية – عربية في مواجهة الجبهة الايرانية – السورية ونجاحها في لجم سطوة حزب الله على الكثير من الملفات الحيوية، ولا سيما الملفات الخدماتية والقضائية والخارجية.

– نجاح الاميركيين في تسهيل استجرار الكهرباء والغاز من كل من الاردن ومصر، في شكل سحب من حسن نصرالله ورقة “المازوت والمكرمات” الايرانية ومن اصحاب المولدات وتجار المحروقات ورقة التحكم بنعمة النور، ومن “التيار” ورقة التذرع بمبررات واهية للتهرب مما أصاب قطاع الطاقة في لبنان.

– نجاح هذه الجبهة في تليين مواقف السعودية والامارات في مجال مساعدة لبنان اقتصاديا واجتماعيا، وهو امر زاد النقمة على حسن نصرالله المتهم باقفال كل ابواب الفرج امام اللبنانيين  الغارقين في الخيبة واليأس الى حدود الهجرة او الانتحار.

– توافر معلومات مؤكدة ان العالم الغربي جدي في موضوع فرض عقوبات قاسية على الكثير من المسؤولين اللبنانيين، في حال واصلوا عرقلة الاصلاحات المنشودة وعمليات التفاوض مع البنك الدولي، اضافة الى احتمال العمل لتأجيل او تزوير او تطيير الانتخابات.

– التخوف من ان يؤدي الخلاف بين الرئيسين عون وبري، الى وضع حزب الله في الوسط بين حليف شيعي لا يريد الصدام معه وحليف مسيحي لا يريد خسارته في لحظة سياسية – استراتيجية دقيقة وحساسة.

– ليونة سورية اعقبت انفتاحا خليجيا على نظام الرئيس بشار الأسد وتحديدا انفتاح اماراتي – بحريني، وليونة ايرانية اعقبت افراج كوريا الجنوبية عن ملايين ايرانية محجوزة في مصارفها وذلك بطلب من اميركا على هامش مفاوضات فيينا، وهما ليونتان قوبلتا بليونة مماثلة في بيروت.

– فشل الحوثيين في احتلال منطقة مأرب اليمنية وتكبدهم خسائر فادحة منعت ايران من وضع “انتصار ما” على طاولة المفاوضات في فيينا.

– سقوط التيار الشيعي الايراني في الانتخابات التشريعية العراقية، والخوف من سقوط مماثل في الانتخابات التشريعية اللبنانية في ايار المقبل.

– التهديدات الاسرائيلية المتواصلة باحتمال قصف المفاعلات النووية الايرانية، بضوء اخضر اميركي واوروبي، في حال اصرت ايران على مواصلة العمل لانتاج قنبلة نووية، اضافة الى الضغط الاسرائيلي على القواعد الايرانية في سوريا وذلك بضوء أخضر روسي غير معلن.

هذا غيض من فيض في ظاهر الامور، لكن ماذا في باطنها؟

وهنا نطرح الاسئلة الآتية:

– هل حصل بري على وعد بنقل المحاكمات في قضية المرفأ الى مجلس النواب بدلا من المجلس العدلي ام اكتفى بتجميدها، مقابل التخلي عن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة؟

– وهل حصل حزب الله على وعد من عون بالتخلي عن ملفي الاستراتيجية الدفاعية واللامركزية الادارية والمالية والسير في “قبع” البيطار مقابل تخفيف الحملة على الخليج، ودعم مرشحي “التيار” في عدد من الدوائر، فضلا عن تبني جبران باسيل رئيسا مقبلا بدلا من سليمان فرنجية.

حتى الآن ، وحده الوقت يعطي الجواب الانجع لهذه العودة المشروطة التي افرجت الرئيس ميقاتي  وجردت عون من كل تبريرات الفشل التي يسوقها هنا وهناك ووضعته امام الحقيقة المطلقة فاما ينقذ عهده بانجاز ما واما يتحمل وحده مسؤولية الانهيار الشامل.

في اختصار، لقد عاد بري ونصرالله الى البيت الحكومي كما عاد “الابن الشاطر” الى بيت ابيه،  فهل يُذبح لهما “العجل المسمن” في لبنان ام ان ما جرى ليس الا وليمة أولية دسمة على مائدة اخرى في مكان آخر؟!

شارك المقال