fbpx

عام على اغتيال لقمان سليم: ليس لدى الجلاد من يبرئه!

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو
لقمان سليم
تابعنا على الواتساب

ترفض رشا الأمير الروائية والناشرة إطلاق لقب “شهيد” على شقيقها لقمان سليم، الذي اغتيل في 3 شباط من السنة الماضية في الجنوب اللبناني الواقع تحت السيطرة الأمنية لحزب الله. فالمغدور أديب وكاتب متميز، وليس ناشطا سياسيا أو مجرد شخصية إعلامية. ولأن تصويب الكلام والمعاني ضروري، تشدد رشا على أن لقمان “قائد رأي شجاع وبطل”، لا يهم تطويبه باسم “الشهيد”، لكونه لا يعزينا فيه نصف تعزية، ولا يعوض خسارة فقدانه، والعمل لتبيان الصح من الخطأ، كما كان لقمان يفعل، هو ما يجب أن يكون. الفعل بالعمل إذا وليس بإطلاق صفة الشهيد، وليكن لقب “سيد الشهداء” لهم، لقوافل اللبنانيين الذين تم قتلهم بفعل التدخلات الخاطئة بالقتال في حروب سوريا والعراق واليمن.

“حوالي السنة مرت على غياب لقمان الحاضر الدائم في كل كتاب صادر عن “دار الجديد”، وفي كل كتيب يرصد انتهاكات المعتقلين السياسيين، ويفضح ممارسات الأنظمة الديكتاتورية ولغة الدم التي يتقنون فن استخدامها لقمع حرية الرأي، وفي كل نشاط فكري وثقافي أو فني يكشف عن سياسات الإلغاء بوحشية غادرة لكل أمل أو نبتة حب، أو فكرة تلمع في حلكة ظلامية قوى الشر والتخلف المتسترة بدثار مقاومة أو تحت تلابيب عباءة دينية.

سنة مضت سريعا، وما زالت رشا تصرخ بيداء تضاريسها معدومة الصدى، ولا تكف عن التساؤل والأسئلة الحارقة:

– “ماذا ربح القاتل؟ هل دنا قيد أنملة من شعاراته؟ ماذا ربح العالم من الجريمة التي ارتكبت ضدّ الإنسان والإنسانيّة؟ هل شكّل لقمان خطرًا داهمًا على من يمتلك سلاحًا نوويًا وصواريخ عالية الدقّة ومسيّرات؟”. ولا تنتظر رشا الأمير إجابة من أحد، لتؤكد بثقة رسخة وإيمان عالٍ:

-“لقمان أقلقهم، لقمان أوجعهم، بقيمه ونبالته. فأسفروا عن وضاعتهم”. تلك هي الخلاصة.

لكن الحكاية مستمرة، لم يسفر التحقيق في الجريمة عن نتائج بعد، تقول رشا لـــ “لبنان الكبير”: “التحقيق عند القاضي وفرع المعلومات، وقد طلبنا من الجهتين التوسّع فيه وإصدار قرار ظنّي”.

ليخسأ المستقوون!

كان لقمان قد تعرض الى استفزازات متكررة، منذ سنوات وجاءت “ثورة 17 تشرين” لتزيد من حقدهم على كل من له قدرة على مواجهتهم بالكلمة لا بالسلاح، بالحقيقة لا بالكذب، وكان آخر التهديدات وضع منشورات ألصقت على جدران منزل العائلة في منطقة الغبيري – حارة حريك في الضاحية، يومها لجأ لقمان كمواطن لبناني إلى الدولة، متوجها في رسالة معممة ومنشورة، بطلب الحماية من القوى الأمنية والجيش، وربما لو حصل ذلك وتم الرد الإيجابي والتصرف بمسؤولية، لكان اليوم بيننا على قيد الحياة.

في الثالث من كل شهر، لم يتوقف أصدقاء لقمان ومحبو الكتاب والثقافة، والمؤمنون بلبنان وديموقراطيته، عن التجمع في دارة النائب السابق محسن سليم، حيث عاد ابنه لقمان إلى أرض الأجداد ليقول لـ “الأقوياء” (خسئتم)، حسب تعبير رشا، التي تؤكد عدم مغادرة هذا المكان الذي سماه الأجداد بـ”العودة”، وهي دارة عاش فيها جد الجد منذ 180 عاما.

ولأن الجوائز حصون ومنابر لرفع الصوت باسم لقمان ولواء لبنان، كما تقول رشا وتؤكد: “سنتابع، ولقمان معنا بلا ريب، لقمان حي، أنا أصررت على هذا القول منذ اللحظة الأولى، هم لم يقتلوا لقمان، قتلوا أنفسهم، هم ضعفاء، الضعيف هو الذي يقتل، القوي لا يقتل، بل يحاور، هم لديهم صواريخ وسلاح ومئة ألف مقاتل، هم عندهم جيش إلكتروني للشتم والتهديد، هم أرقام وإيديولوجيا. ولقمان لم يذهب، هو أقوى منهم، موجود وواقف بوجههم وغير خائف منهم، لقمان شجاع، وهم لم يستطيعوا إصابة شجاعته. ولذلك أنا مصرة على انه حيّ وسوف يبقى حيّا، هو معنا، يعمل معنا، ولبنان معنا أيضا”.

القضاء المعطل والهزيمة الأخلاقية

وعن إطلاق “مؤسسة لقمان سليم”، تعتبر رشا أن “المؤسسة موجودة منذ 30 سنة، وفي إحياء المناسبة سوف نوزع جوائز بحضور سفير ألمانيا الذي سيلقي كلمة، ونطلق مؤسسة لقمان سليم علنيا. أنا مقتنعة بلبنان الأكبر، ولست مقتنعة بانهم أقوى منا. القوي لا يقتل، القوي يحاور”.

الدعوة التي وجهت للتجمع بذكرى غياب لقمان الأولى جاءت تحت عنوان “زوروني في السنة مرة”، حيث سيتجمع من جديد محبوه لالتماس طريق للخلاص ممن يريدون قتل لبنان عبر اغتيال مفكريه.

برأي رشا الأمير “القضاء بالعالم أعرج، وليس فقط في لبنان”، مشيرة إلى محاكمة الجزار السوري الذي صدر عليه مؤخرا حكم بالمؤبد في نهاية محاكمته بألمانيا، وهي المحاكمة التي دامت سنوات. وماذا صدر عن محكمة الحريري؟ بعد 17 سنة اتهم العياش ولم يتم القبض عليه. “ليس هناك قضاء مرتّب حتى في البلدان التي فيها كهرباء وماء وانترنت ومطار، فكيف في بلد فقير، أنا الآن لا ألوم القضاء اللبناني. أنظري ماذا فعلوا بالقاضي طارق البيطار الذي يقتل في كل لحظة، وبالآخر قاضي لقمان؟ ألن يقتل؟ كل من يرفع صوته ويواجه بشجاعة يتم تهديده وقتله، لنكن واقعيين”.

لكن ما يصيب ناشرة شعر الفلسطيني محمود درويش بالخيبة أن “قتلة لقمان الذين يدّعون أن همهم مقاومة إسرائيل، هو أن اغتيال لقمان لم يقرب هؤلاء من من فلسطين مسافة شبر، ولم يحرروا القدس. وأنهم كانوا مجرد تجار شعارات، بينما لقمان كان يفكر ويعمل ويضيء. هو كاتب حقيقي، وقلمه أجمل قلم في الأمة العربية، صحيح إنه يكتب بالانكليزية والفرنسية أيضا، لكن اللغة العربية هي اجتهاده وعشقه”.

تتذكر رشا ما قاله لها الشاعر محمود درويش ذات يوم، أثناء لقاء جمعهما في باريس، أننا “لن ننتصر على إسرائيل إلا بأخلاقنا، ولن تكون هزيمة العدو إلا هزيمة أخلاقية”. من هنا تشدد رشا على أنه “لا يمكن أن نستمر في الكذب على بعضنا، منظومة لقمان الفكرية هي منظومة أخلاقية لا يمكن هزيمتها، فهل اقتربوا من تحرير فلسطين عندما قتلوا لقمان”.

“العقل هو المرشد إلى مراتب أعلى، ومن هنا كان لقمان سيد الكلام، ونحن سوف نحاكمهم لأنهم ارتكبوا جريمة ضد الإنسانية، جريمة استهدفت رجلا عنده قواعد أخلاقية لا يحيد عنها، بينما قتلته وقفوا مع الجزارين في الشام وطهران. يمكن للناس أن تختلف بالرأي وتناقش بلطف، وتوجع من يقف مع أنظمة وحشية، ولكن هل لأن الكلام كان موجعا يكون الرد بالقتل؟” تسأل رشا.

التهديدات لم تنقطع ولم يتم اتخاذ أي تدبير لوقفها، فالجيش الإلكتروني للحزب القاتل، ما زال يجند “المكبتغين” لممارسة هواية الشتم والاتهامات بالانتماء للسفارات، لانهم مخالفين لعقيدة الحزب الفارسي، فلقمان لم يسلم من اختراعاتهم لمواقف لم يأخذها أو كلام قاله، وأفضل ما يمكن التعبير عنه في ذلك ورد في دراسة الدكتور نصري مسرّة، الذي يتحضر لنيل جائزة مؤسسة لقمان سليم هذا العام، وقد قام بتفنيد منطقهم المريض وتحريفهم الكلام عن مواضعه لتبرير جريمتهم.

صديقة لقمان الشريرة!

صديقة لقمان الشريرة “هي كلنا” التي كان يطيب له الاستشهاد بما تقوله للتعليق على حدث أو موقف ما. صديقة لا يمر كلامها من دون أن يترك أثرا موجعا لصدق التعبير. “هم أوجعونا، فكيف لا يحق لنا أن نوجعهم بسلاح الكلمة”.

تفضل رشا عدم الدخول في الحديث عن التحقيق، أو تناول موضوع “اختفاء هاتفه”، الذي استخدمه الممانعون في حرب تبرير جريمة اغتيال لقمان. وتقول إن هذا “تحريف للنقاش”. وتتساءل هل كان عليّ أنا ان أذهب لأفتش عن أخي لقمان ليلا يوم اختفائه، والطقس ممطر، وهناك حظر تجول، أم كان على القوى الأمنية القيام بذلك؟

لم يفكر لقمان بالهجرة، على الرغم من كل التهديدات والتحذيرات، فهو أعلنها بوضوح لما أشهر لافتة: “صفر خوف”. لقمان ما زال في منزله ولم يستطيعوا تهجيره، ما زال يحاورهم بهدوء ومن دون استخدام أي كلمة نابية، هو أدرك ضعفهم، ولم يخف من بالونهم المنفوخ بالكراهية وفقاعات البؤس، ولا من قدراتهم العسكرية بصواريخ ومسيرات ومجندين، وكلها غير طبيعية، ودليل ضعف لا قوة.

وفي اعتبارها إن “من يدورون في بيئتهم لم يعودوا كما كانوا عليه، فصدقيتهم على المحك في كل الأمور، هناك من له مصالح معهم ومستعبد بالدولار، ولكن حتى مؤيديهم يبحثون عن مسلك للهرب إلى كندا أو غيرها، وبينهم من قتل أولادهم في سوريا، لكن الناس تحب أولادها أكثر من الديكتاتور”.

آخر الكلام أعذبه

وعن آخر الكلمات، أو الصور العالقة في ذاكرة رشا عن شقيقها لقمان قبل اغتياله، تقول صاحبة رواية “يوم الدين”: “أتذكر أنه كان فرحا كثيرا لأنه يحب الكتب، إذ استطاع قبل أسبوع أن يشتري موجودات دكان كامل كان مليئا بالكتب القديمة. كان سعيدا به، وقد اشترى مريولا أبيض ارتداه أثناء فرز الكتب وتنظيفها من الغبار. لقد كان لقمان حكيم الكتب. وأتذكر أننا كنا نتحدث عن كتاب إسكندر الرياشي الذي أصدرناه عن “دار الجديد”، حين التفت إليّ وقال: “أنظري يا رشا إذا “أسنَّيْنا”…، أي إذا كبرنا في السن. وكم أحسست كثيرا بعذوبة العبارة وطرافتها. حقا، أوه كم كان هذا التعبير حلوا وجميلا ورائعا”.

إشترك بالقائمة البريدية

شارك المقال