ليتني أكون مخطئًا!

علي نون
علي نون

زيارة وزير الخارجية الكويتى الشيخ احمد ناصر المحمد الصباح الى بيروت تفتح كوّة ضوء في الجدار الاسود السميك للوضع اللبناني الراهن… وتعيد بعض الامل الى إحتمال تلقّف أصحاب الشأن عندنا لذلك المسعى، خدمة للبنان اولا ثم للجهود المبذولة من خارجه لانقاذه واهله.

الوزير الكويتي اعاد التأكيد على المبادئ العامة التي يمكن ان توصل البلد الى بداية ايجابية جديدة بعد ان كانت تركيبته الكامشة على عنقه قد اوصلته الى الاختناق والى الطريق المفضي الى الاندثار… ما قاله الوزير الزائر هو عينه وحرفيا ما سبق ان قالته المملكة العربية السعودية ثم مجمل دول الخليج العربي لجهة النأي بلبنان عن صراعات المنطقة بالمعنى الذي يمارسه حزب ايران نيابة عن ايران، والعودة الى تأكيد وتثبيت الالتزام بالشرعيتين العربية والدولية وكون لبنان جزء لا يتجزء من محيطه العربي وليس جزءا ملحقا بمحور الولي الفقيه الايراني ولا جرما يدور في فلك مشروعه المعادي للمجموع العربي والمضاد لكل مصلحة وطنية عربية والمهدد للامن القومي عموما والباحث عن نفوذ لا يستحقه بين أقوام لا تقول قوله ولا تعنيها طموحاته وتطلعاته القومية والمذهبية وليست في وارد التخلي عن قيمها وامنها ورخائها واستقرارها ووسطيتها والتزاماتها المصيرية والحياتية والحداثية مهما كلف الامر.

ما قاله الوزير المحب للبنان هو ان مصير البلد واهله هو في الاساس بيد اهله اللبنانيين وهم الذين دفعوا اغلى الاثمان على مدى عقود من اجل بقائه وبقائهم فيه ومن اجل إعادته نوّارا ألقا مشعّا في محيطه والعالم وعامل جذب لكل ضوء وللعلم والطبابة والسياحة وليس البقاء اسيرا لمشروع ايراني ذاتي مغلّف بشعارات جامعة، ولا ورقة في يد أدوات طهران تستخدمها للتعدي على المحيط العربي والامن العربي والاستقرار العربي… وتبطش بواسطتها اينما أمكنها ذلك من سوريا وضد غالبية اهلها الى العراق وضد غالبية العراقيين على تعدد أقوامهم ومللهم الى اليمن وضد غالبية اليمنيين ودولتهم وشرعيتهم ووحدتهم الى لبنان حيث صودرت شرعيته بالقوة وأشكالها المتعددة الناعمة والخشنة وأُخذ الجميع بجريرة الجزء وتحول وطن الارز الى شيءٍ آخر غير الذي كان عليه: صار مصدرا ومصّدرا لكل ما هو كريه ومؤذ ومضّر لمحيطه العربي بالامن والممنوعات والمؤمرات والإعلام والسياسة والافتراء والتجني.

ما تعنيه الزيارة الكويتية هو ما تعنيه السياسة الخليجية العامة تجاه لبنان واللبنانيين والتي اعلنت في قمة مجلس التعاون في الرياض ثم في زيارة الرئيس الفرنسي الى جدة وما ادت اليه الاجتماعات القيادية مع ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان بن عبد العزيز… اي فتح صفحة جديدة أو نافذة في الجدار لمحاولة دفع أصحاب الشرعية الدستورية اللبنانية على الأقل، الى التزام مصلحة بلدهم العليا والابتعاد عن الاصطفافات المحورية المدمرة والعودة الى المسار الوطني والكفّ عن تغطية سياسات معادية وتبرير عدم الانصياع لمقررات الشرعيتين العربية والدولية التي تعني في زبدتها تحصينا لوطن الأرز وإنقاذًا له أولا وأساسًا.

ولا يمكن بطبيعة الحال فصل التحرك الكويتي هذا عن الحراك العام في المنطقة وازاء ما يعنيها… وربما يحلو للبعض وضع ذلك التحرك في سياقات بدء تبلور منحى ايجابي الطابع والمضمون لمفاوضات فيينا بين ايران ونخبة المجتمع الدولي او بينها وبين جيرانها وخصوصا المملكة العربية السعودية مما ينعكس حكما وحتما على لبنان… وذلك في جملته قد يكون صحيحا وواقعيا (؟) لكنه لا يعفي اصحاب الشأن الدستوري والشرعي فيه من مسؤولياتهم الكبيرة ولا من وجوب تحركهم خارج السياق المعتاد من قبلهم! اي خارج سياق ومنطق مصالحهم الخاصة الذاتية والشخصية والجهوية على حساب البلد بأمه وأبيه! بل وخارج سياق ومنطق تنظيراتهم المراهقة والتافهة عن المشرقية التي يُراد لها ان تكون عنوانا تمويهيا لحلف الأقليات وأمراضه وأعراضه القاتلة!.

… وبالمناسبة، فإن للكويتين تجربة تنموية مريرة مع مدّعي الاصلاح والتغيير في لبنان خصوصا الذين تحكموا ولا يزالون بقطاع الطاقة، وكثيرون في بيروت يعرفون كيف ضيّع فريق جبران باسيل قبل نحو عقد من الزمان فرصة ماسّية قدمتها دولة الكويت لانقاذ هذا القطاع من أزماته التي اوصلت الخزينة العامة الى ما وصلت اليه اليوم وكيف اذهل المسؤولين الكويتيين بشروطه لقبول مساعدتهم القيمة والكريمة والنبيلة! وكيف خرّب قصدا وعمدا جهدا لا مثيل له لوضع حد نهائي لكارثة الكهرباء… ومع ذلك، كانت الكويت ولا تزال، ارحم وأرأف بلبنان وأهله من بعض أهله! واكثر حرصا عليه من مدّعي إصلاحه! وهذا بالتأكيد لم يغب عن ذهن وزير الخارجية الزائر ولا عن مقصده من دعوة المسؤولين اللبنانيين الى التزام الاصلاحات الضرورية الحاسمة لانقاذ البلد من أزمته المالية والاقتصادية القارصة… وكأنه يقول لهم ما يقوله المجتمع الدولي والجهات المعنية المانحة ان ذمّتهم المالية والاصلاحية واسعة غير سوية! والثقة بهم تكاد تكون صفرا مكعّبا! وان الدعم مشروط بالتزام شروط الداعم وليس شروط السمسرة والتجارة وتركيب طرابيش والسطو المقنع على المال الموهوب والحق العام.

ولكثيرين ان يفترضوا أصداء ايجابية لكل هذا السعي المشكور الكويتي والسعودي والخليجي والدولي، لكن التجربة تقول ان هذا العهد تحديدا وخصوصا بالتكافل والتضامن مع حزب ايران، لا يزال في مكان آخر! في مكانه وسياساته التي دمرت لبنان واوصلته الى حافة الاندثار… وليتني اكون مخطئًا!

شارك المقال