السنّة بعد الموارنة… ماذا بقي من لبنان؟

أنطوني جعجع

هل جاء دور السنّة للانكفاء بعد المسيحيبن، او على الاقل هل جاء دور “الآخرين” منهم لتولي امور الطائفة في عهد حزب الله كما فعل “آخرون” مسيحيون في عهد الوصاية السورية…

وهل يرتكب عرب الخليج الخطأ الذي ارتكبه الغرب عندما وقف متفرجا على المسيحيين الذين كانوا يقاومون مشروع الدولة الفلسطينية البديلة، إذ يقفون متفرجين على المسلمين السنّة الذين يقفون في مواجهة الدولة “الداعشية”، والسطوة الشيعية الايرانية…

وسواء قاد الرئيس سعد الحريري البيئة السنّية او ترك الامر لسواه، يبقى السؤال، ماذا كان بديل الغرب عن المسيحيبن السياديين بعد الحرب اللبنانية ؟ وماذا يمكن ان يكون بديل الخليج عن السنّة المعتدلين بعد تهاوي الطائف؟ وفي معنى آخر ماذا يبقى من لبنان في البيئة العربية والدولية، في حال تفرد به حزب الله، سواء في شكل مباشر كما يفعل الطالبان في افغانستان، او في شكل غير مباشر على غرار ما فعل آل الاسد عندما أداروا لبنان في الكواليس عبر وكلاء او حلفاء او حتى عملاء؟

وليس صحيحا على الاطلاق ان غياب السنّة الاقوياء عن البرلمان المقبل سيسقط الميثاقية عنه، تماما كما حدث في انتخابات العام ١٩٩٢ عندما ظنّ المسيحيون ان غيابهم سيفعل ذلك، وان البرلمان الجديد لن يحظى باعتراف دولي وعربي، وهو امر دفع سمير جعجع الى الاقرار امام معاونيه المقربين: “لقد فتنا بالحيط”.

والسؤال الآخر، هل يدرك عرب الخليج ان أمنهم وكل ما بنوه حتى الآن بات رهن صاروخ يطلق من اليمن، بأيد لبنانية هي ايدي حزب الله المعشّش في لبنان من اوله الى آخره وصولا الى كل بقعة في العالم الاسلامي السنّي؟ وهل يدرك الغرب ان سقوط لبنان في قبضة ايران سيعني القضاء على آخر بيئة ديموقراطية عربية متنوعة في الشرق الاوسط، وبالتالي على واحد من اهم المواقع الاستراتيجية الواقعة على شواطئ المتوسط، وواحد من اخطر الكيانات الاصولية التي يمكن ان تقوم على حدود اسرائيل…

واكثر من ذلك، كيف يمكن للعرب والغرب معا ان يراهنوا على انتخابات نيابية ينشدون منها الحصول على غالبية سيادية، في ظل سنّة معتكفين او مقاطعين او مستضعفين، ومسيحيين منقسمين بين فريق يذهب الى صناديق الاقتراع مستنجدا بحزب الله، وفريق يذهب اليها من دون حليف سني.

وفي معنى آخر، كيف يمكن لعرب الخليج ان يعوّلوا على انتاج تيار سيادي مستوحى من روحية “١٤ آذار” من دون اي محاولة لترميم ما تشوّه بين افرقائه الأساسيين، وأن يراهنوا في المقابل على مسيحي لقيادة السنّة كما يروج سمير جعجع، او على سنّي آخر لقيادة المسيحيين كما حاول بعض المسلمين ان يفعلوه في غياب القيادات المسيحية سواء في الغربة او في السجون…

وليس سرا ان ما اعلنه جعجع في شأن الاتجاهات السنّية، اثار غضبا عارما في الاوساط القيادية وصولا الى دار الفتوى، خصوصا عندما تمنّعت دول الخليج عن اتخاذ موقف يناقض ما قاله رئيس القوات اللبنانية الذي يتصرف وكأنه الناطق الرسمي والوحيد باسم العرب السنّة في لبنان…

ويسود اعتقاد في الاوساط السنّية ان المطلوب منهم حماية الامن الخليجي انطلاقا من بيروت وهم المحاصرون من كل الاتجاهات بعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري وسقوط صدام حسين في العراق وانحسار البندقية الفلسطينية في لبنان، وسقوط التحالفات مع مسيحيي السلطة والمعارضة معا، معتبرين ان اهل الخليج يطمسون الحقيقة التي تقول إن ما يسقط في دولهم من المنصات اليمنية، لا يشكل رسالة حوثية محضة بل رسالة من حزب الله الذي راعه الدعوة التي اطلقت من دولة الامارات للتخلص من حسن نصرالله، ومن ايران التي راعها الثقل المالي والعسكري الذي وضعه الاماراتيون للحؤول دون سقوط منطقة مأرب، والسماح للحوثيين بحسم حرب اليمن عسكريا والذهاب الى فيينا بورقة ثمينة تكون بديلا عن الورقة العراقية التي احرقتها الانتخابات التشريعية الاخيرة…

وما يزيد في حيرة المراقبين والمحللين، ان عرب الخليج يعرفون ان سنّة لبنان ليسوا ميليشيات مسلحة قادرة على إقامة توازن رعب مع المدّ الايراني في لبنان، وهو ما ظهر في غزوة السابع من ايار، وكذلك الامر بالنسبة الى المسيحيين الذين قضمت اظافرهم بعد اتفاق الطائف، الامر الذي يطرح السؤال التالي: ما هو المطلوب عمليا؟ هل المطلوب الذهاب الى حرب اهلية غير متكافئة ام الى انتحار جماعي ام الى حرب استنزاف تجعل السنّة والمسيحيين اكثر وَهنا وحزب الله اكثر تمددا؟

صحيح أن سعد الحريري والسياديين ارتكبوا الكثير من الاخطاء التكتيكية والاستراتيجية، لكن ذلك لا يعني اتّباع سياسة الطلاق او المعاقبة، ولا سياسة الضغط على فريق اعزل ليفعل ما يفعله فريق مدجّج بالسلاح، بل سياسة الاستيعاب وتجميع القوى والانطلاق في معركة استعادة المبادرة، خصوصا بعدما تبيّن للعالم في شقيه العربي والغربي، ان امن الخليج لا يمكن ان يستعاد ما دام حزب الله قادرا على تحويل لبنان منصة صواريخ وحقول تدريب وملتقى معارضات تعمل لاسقاط او ترهيب او ابتزاز انظمة فاعلة في الخليج…

ويعترف مصدر ديبلوماسي خليجي، ان سعد الحريري يدفع وحده ثمن هذه الأخطاء، مقرّا في الوقت عينه بأن غيابه سيفتح الباب امام زعامات سنّية تدور في فلك ايران وسوريا او قيادات غير شعبية وغير مؤثرة او حركات اصولية تكون نسخة عن داعش وسواها وتنتشر في المناطق السنّية باعتبارها القوة التي تحفظ حقوق السنّة ودورهم ونفوذهم وحتى وجودهم.

من هنا لا بد من السؤال: هل قرأ أهل الخليج حال التيار السيادي في لبنان جيدا؟ وهل يدركون ان احدا في لبنان لا يملك المفاتيح السحرية سواء في القمة او في القاعدة، وأن ما يطلبونه ليس الا رصاصة طائشة تضرب عشوائيا في اي مكان، وأن الترياق الذي يواجهون به سموم حزب الله ليس في لبنان المفلس والمحاصر والمرتهن بل في مكان آخر لم يتأخر كثيرا في الاجابة من خلال صاروخين اطلقهما سريعا في اتجاه ابو ظبي؟

واكثر من ذلك، هل يدرك اهل الخليج انهم يمارسون من خلال الاقتراحات التي حملها وزير الخارجية الكويتية، طلاقا مباشرا مع القاعدة ومساكنة موقتة مع السلطة من خلال ما يمكن ان يكون آخر مبادرة قبل القطيعة الكاملة وليأت بعد ذلك الطوفان؟

أسئلة مشروعة، لكن الجواب ليس في السياسة بل في مواجهة عسكرية مسلحة لا يبدو اي فريق لبناني مستعدا او قادرا او راغبا في الذهاب اليها وهو العارف مسبقا انه سيخوضها وحيدا بلا دعم لا من الجيش اللبناني ولا من اي جيش آخر، قبل وصول واشنطن الى نقطة اللاعودة مع ايران…

شارك المقال