الفرصة الأخيرة لبوتين والسباق مع الزمن 

حسناء بو حرفوش

مع استمرار تجمع القوات العسكرية الروسية في شرق أوكرانيا وشمالها وجنوبها، واستعداد القيادة الأوكرانية للحرب، قد يتحيّن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للهجوم بعد التخلص من العوائق اللوجيستية وأهمها الوحل، وإلا قد لا تتوفر لديه فرصة ثانية. ومع ذلك، سيستدرج تصرفه سلسلة من العقوبات أو حتى مقاومة عسكرية من الغرب، حسب قراءة على موقع “ذا ديلي بيست” (The Daily Beast). 

ووفقا للتحليل، “يختبر الاتحاد الأوروبي حاليا أزمة طاقة، مما يجعله أكثر عرضة من أي وقت مضى لصادرات الطاقة الروسية. وعلى الرغم من أن روسيا أكدت باستمرار أنها لن تستخدم نفطها وغازها الطبيعي كسلاح ضد أوروبا، من الطبيعي أن تبقى مثل هذه الرسائل محط شك. كما تزيد كلفة الغزو الأوكراني يوما بعد يوم، بالتزامن مع الانقسامات داخل الناتو حول أفضل السبل للتعامل مع النزاع الروسي – الأوكراني الآن. وبالتالي، كلما تأخّرت روسيا أكثر، زادت مراهنتها على نفوذها ومدى قدرتها على المواجهة. 

النفوذ الروسي في أوجه

(…) وفي ظل ارتفاع أسعار الطاقة في أوروبا، وازدياد أهمية واردات الغاز الطبيعي لضمان قدرة أوروبا على الحفاظ على الدفء داخل المنازل، وجدت روسيا نفسها تملك نفوذا غير مسبوق في أسواق الطاقة في أوروبا، ولكن هذا لن يستمر إلا لفترة قصيرة. ذلك أن الطاقة الخضراء ستنطلق في النهاية. وتعمل الطاقة الشمسية بشكل جيد في القارة، كما لا يمكن أن يستمر جفاف الرياح إلى الأبد. وقام منتجو الطاقة الآخرون بزيادة الإنتاج، بما في ذلك الولايات المتحدة، لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة. وتدرك أوروبا أيضا مدى عجزها من دون صادرات الطاقة الروسية، ولا شك أنها تنتهج المزيد من الاستراتيجيات لضمان عدم تكرار فترة الضعف هذه مرة أخرى. وهذا يعني أن نفوذ روسيا بلغ ذروته الآن. وبالتالي، إذا غزت روسيا أوكرانيا، لن تتمكن أوروبا من ممارسة الكثير من الضغط عليها من دون المخاطرة بأمن الطاقة الخاص بها. ومع ذلك، في حال تريثت روسيا بضع سنوات، ستكون أوروبا في وضع أفضل بكثير لدعم الإجراءات العقابية القاسية ضد موسكو.

أوكرانيا تكبح الروس؟

وتبذل كل الجهود لضمان قدرة أوكرانيا على الدفاع عن نفسها ضد الغزو الروسي. ولتلك الغاية، أنشئت الدفاعات الجوية الأوكرانية كرادع للعدوان الروسي. وتقدم الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي مبيعات أسلحة لأوكرانيا. كما تعد أوكرانيا نفسها ومواطنيها للمقاومة الوطنية المستمرة وحرب العصابات وقد خطت الخطوة الأولى لإنشاء مشروع تجنيد للنساء الأوكرانيات. وتعمل الدولة أيضا على زيادة قدراتها باستخدام المسيّرات، وقد أعربت عن رغبتها بتلقي المزيد من التدريب من الولايات المتحدة. وعلى المدى الطويل، ستطوّر أوكرانيا دفاعاتها بشدة لدرجة أن كلفة الغزو الروسي ستكون باهظة للغاية بالنسبة لموسكو. ولن يخسر الروس فقط المعدات العسكرية والقوى البشرية الكبيرة خلال الغزو الأولي، بل إن المقاومة غير النظامية قد تجعل الروس ينزفون في محاولتهم للسيطرة على البلاد. وفي حين ليست أوكرانيا في وضع يمكنها من كسب نزاع مسلح مع روسيا وحدها، تزداد قدرتها على إلحاق خسائر أكبر بالقوات الروسية في كل يوم يمر.

زيادة عدوان بوتين

ويقال أن عدوان بوتين يجعل الناتو أكثر قوة وأن تصرفات روسيا تقوي أوكرانيا وتوحد الناتو. ولكن على الرغم من أن دول البلطيق وبولندا تؤيد بقوة دعم أوكرانيا، إلا أن ألمانيا كانت أكثر تحفظا بشأن كيفية التعامل مع روسيا. وأشارت فرنسا إلى رغبتها بمواصلة “الاتحاد الأوروبي محادثاته الخاصة مع الكرملين”، الأمر الذي تسبب في بعض الذعر بين دول أوروبا الشرقية التابعة لحلف شمال الأطلسي. ويبدو أن هذا الانقسام يزداد سوءا مع شكوك رئيس الوزراء الإيطالي في قدرة الناتو على ردع روسيا في أوكرانيا. ومن غير الواضح ما إذا كان الناتو متحدًا حقًا بشأن تصرفات روسيا في أوكرانيا. وبالتالي فإن الولايات المتحدة في موقف حرج للتأكيد على الوحدة، بينما لا تكون بالضرورة قادرة على ضمانها في الأمور الجوهرية.

معالم غير واضحة

وبينما كانت أوروبا واضحة في معارضتها الإجراءات الروسية العدوانية في أوكرانيا، يبدو أن هذه المعارضة تختلف من بلد إلى آخر. فقد وعدت الولايات المتحدة، على سبيل المثال، بفرض عقوبات على روسيا. وفي الآونة الأخيرة، فرضت عقوبات على “عملاء موالين لروسيا”. ولا تنقص الخيارات البديلة، بما في ذلك ما يسمى خيار عزل روسيا عن النظام المصرفي وفرض عقوبات مدمرة محتملة، لكن من غير المؤكد ما إذا كان سيتم التصرف بناء عليها وكيف سيتم ذلك. لذلك من غير المؤكد بالضبط ما الذي سيحدث إذا غزا الروس أوكرانيا. وبغض النظر عما يحدث، يجب أن يحظى الإجراء الأميركي ضد روسيا بدعم الاتحاد الأوروبي لكي يكون فعالا. وحين تصبح أوروبا أكثر أمنا من حيث الطاقة، قد تبدي الدول الأعضاء المترددة استعدادا أكبر لاتخاذ إجراءات تصعيدية ضد روسيا والمخاطرة بفقدان الوصول إلى أسواق الطاقة الخاصة بها. وبالمثل، مع زيادة أوكرانيا لقدرتها على الدفاع عن نفسها، ستستعد الدول الأوروبية أكثر لتأييد ودعم قدراتها الدفاعية. لكل الأسباب المذكورة، في حال رغبت روسيا باتخاذ إجراء ضد أوكرانيا، سترزح تحت الضغط للقيام بذلك على الفور أو تخاطر بفقدان فرصتها إلى الأبد”.

شارك المقال