لا يكفّ رئيس التيّار الوطنيّ الحرّ النائب جبران باسيل عن إزعاج أهل السنّة عمومًا، وأهالي طرابلس خصوصًا بتصريحاته المختلفة التي يرون فيها أنّه غالبًا ما يُصدر من خلالها أحكامًا وأقاويل “غير مسؤولة” ولا تزيد إلّا الفتنة في البلاد.
من يعرف الطرابلسيون جيّدًا، يُدرك تمامًا أنّهم لا يكرهون أحدًا ولا يُقفلون أبواب الغفران والتسامح أمام الآخر الراغب في إقامة علاقة سلام وتواصل مشترك، أمّا باسيل فيبقى عنصرًا سياسيًا “مستفزًا” بالنسبة إليهم، إذْ لا يُدرك منذ لحظة ظهوره أهمّية الالتزام بالحكمة التالية: “لسانك حصانك، فإنْ صنته صانك”، لكن من المؤسف أنّه غالبًا ما يُفسد علاقاته مع الآخرين سياسيًا وشعبيًا، ولا يتمكّن من التعامل مع الآخرين بـ”ديبلوماسية” و”ليونة” مطلوبة في العمل السياسي تُتيح له البقاء والاستمرار في منصبه “كما يجب”.
“دعشنة” طرابلس: أسلوب حياة
لم تتمكّن الظروف الصعبة التي مرّت على المدينة يومًا (سياسيًا، اقتصاديًا، تنمويًا واجتماعيًا) من دفع أهالي المدينة إلى تفضيل سياسية ونهج التيّار الوطني الحرّ، كما لم يُبد هذا التيّار يومًا أيّ مبادرة “حسن نيّة” أمام الطرابلسيين الذين يرفضون هذه المبادرة ونهجها أساسًا، وذلك منذ تولّي الرئيس ميشال عون شؤونًا سياسية وعسكرية في زمن الحرب، وازداد هذا الرفض مع قدوم باسيل.
وفي الوقت عينه، ليس خافيًا انتساب بعض شبان طرابلس إلى هذا الحزب الذي لا يمنعه أحد من فتح مكتبه السياسي في قلب المدينة المجروحة، لكن في وقتٍ تُعاني منه المدينة من “خبطة” و”صدمة” شعبية كبيرة بعد اختفاء عدد من الشبان الذين لم يُعرف مصير الكثير منهم بعد، فضّل البعض ومنهم باسيل سيناريو “دعشنة” طرابلس، مسرعين في إطلاق أحكامهم على عمليات قد يُطلق عليها بأنّها “اختطافية” أكثر من أن تكون “انتسابية” لتنظيم تُبدي منه طرابلس كلّ خوف وقلق. كما كلّ امتعاض وحزم في التعامل مع هذه الظاهرة المؤسفة التي لم تصدر بعدها رواية أمنية مطمئنة وباحثة عن الحقيقة، إذْ يربط باسيل مباشرة هذا الحديث بالوضع المعيشي، وكأنّ المدينة هي الوحيدة في لبنان التي تُواجه الاحتقان الاقتصادي الذي ندرك تمامًا من أوصلنا إليه، لكن تسليط الضوء على طرابلس في كلّ فترة على أنّها مصدّرة لـ “داعش” في لبنان، هو غالبًا هدف سياسيّ من قبل فئات سياسية تدعم هذه الأفكار وتحثّ على نشرها محلّيًا لغايات سياسية.
وكان باسيل قد صرّح: “الاحتقان في لبنان مع العوامل المعيشية والفقر قد يدفع بعض اللبنانيين إلى التطرّف، لافتًا إلى معلومات عن عمليات تطويع لشباب لبنانيين في (داعش) بمناطق شمال البلاد ويقصد فيها طرابلس، وهو ما يراه متابعون بأنّه أفضل طريقة للـ”إطاحة” بالانتخابات النيابية المقبلة، عبر إلباس الفيحاء زيّ الإرهاب، وهي “لبّيسة” تليق بها هذه التهمة التي التصقت بها لأعوام”.
مؤشرات استبعاد باسيل
يرى الكثير من الطرابلسيين أنّ باسيل كان وجهًا معرقلًا لمشاريع مرتبطة بالطائفة السنّية كقانون العفو العام، أو مشروع المنطقة الاقتصادية الخاصّة في طرابلس وسط خلافات طائفية ومناطقية، إذ كان يُطالب بإقامة منطقة اقتصادية في البترون، كما عاد ليطلب لاحقا إنشاء شركة للكهرباء في سلعاتا البترونية كتلك الموجودة في دير عمار، الذوق والزهراني، في مشهدٍ تشتدّ فيه لعبة المحاصصة التي يُشدّد فيها جبران على “عرقلة مشاريع لا تتناسب ومصالحه كمشروع كهربائيّ كان قد قدّمه متخصّصون ومهندسون من المدينة لمعالجة الأزمة الكهربائية طرابلسيًا، ومع وجود دراسات فاعلة وموثقة تُؤكّد صحة أحد المشاريع الجديدة، تلفت بعض الوجوه المرتبطة بالتيار شمالًا إلى أنّ المشروع لن يمرّ”، حسب إحدى المرجعيات الطرابلسية لـ”لبنان الكبير”.
إنّ باسيل الذي رفض الطرابلسيون استقباله عام 2019، لم يُحاول الاكتراث لملفات المدينة وغيرها من المدن أيضًا، ولم يُظهر اهتمامًا ولو “ظاهريًا” بالمدينة التي تحبّ زوارها ويستقبل أهلها سريعًا وبرحابة صدر كلّ من يدخل إليها، كما لم يُعلن مسبقًا التضامن مع معاناتها (أمنيًا وسياسيًا) وقيمتها التاريخية المعروفة، وعن صمودها في وجه كلّ حدث مرّ على هذه البلاد.
وما يزيد الطين بلّة، أنّ الطرابلسيين يُؤكّدون أنّ باسيل “يُقحم موظفيه “المقرّبين منه” في كلّ المؤسسات والقطاعات الفاعلة في طرابلس “وقيام البعض منهم منذ سنوات بأفعال كيدية”، بدءًا من موقع محافظ الشمال القاضي رمزي نهرا الذي لا يحبّه معظم الطرابلسيين لانتمائه إلى سياسة التيّار بشكلٍ رئيسيّ وهو محسوب على رئيس التيّار، مرفأ طرابلس، مصفاة البداوي، وغيرها من المؤسسات الإدارية التي كان يُمكن أنْ تُقدّم للآلاف من الطرابلسيين والشماليين فرص عمل متباينة، لكنّ “الأولوية التقطها باسيل”، وهو “ما زال يُحاول استباحة المدينة بتصريحات يُشير فيها إلى أنّ المدينة داعشية.
لكن في الواقع، لم يسمح هذا الوزير (الذي تولى مناصب رسمية عدّة) لأحد بأن يُحبّه بل كان متسرّعًا، قاسيًا ولاذعًا في معظم الأحيان لاعتبارات عنصرية، طائفية، مناطقية، وانتخابية، عدا عن الهدر الكبير الذي حقّقته مؤسسة كهرباء لبنان التي ضربت الاقتصاد الوطني ولم يتمكّن من تأمين 24/24 ساعة متواصلة، إذْ بدأنا بتقنين واليوم حرمنا منها نهائيًا، فضلًا عن تهجمه السابق على دول الخليج مع وزراء تابعين له، وبالتالي فإنّ زعمه بأنّه “لا يقبل أبدًا أيّ استهداف لأيّ مكوّن وخاصّة السنّي التكويني والتأسيسي للبنان”، لا يُمكن تصديقه لأن لا مؤشرات فعلية تُؤكّد على عاطفته هذه”، وفق ما يقول متابعون لـ”لبنان الكبير”.