الأزمة الأوكرانية وتجارة الحرب

حسناء بو حرفوش

مع تطور الأزمة على الحدود الأوكرانية، تستعد الآلية العسكرية من الجانبين الأوكراني والروسي للقتال. وتقوم روسيا بتحريك القوات والمعدات نحو أوكرانيا بالتزامن مع إرسال الناتو تعزيزات إلى أوروبا الشرقية. وليس من السهل الحصول على صورة كاملة لما يجري بالفعل حيث يستمر كل جانب بدعايته، في ظل الافتقار إلى التفاصيل وافتراض المبالغة من الجانبين، حسب قراءة على موقع (Open democracy) الإلكتروني. فمن المستفيد الفعلي؟

القراءة تساءلت حول هوية المستفيد من دخول روسيا في حرب مع أوكرانيا، ورأت أن “التمركز الروسي على الحدود مهم روتينيا من الناحية الاستراتيجية، حيث يتمركز بطبيعة الحال 30.000 ألف جندي في المناطق الحدودية. ومع ذلك يقرب الكلام عن حشد نحو 100 ألف مقاتل على بعد 200 كيلومتر على الأقل من أوكرانيا، من الاستعداد الأفضل لتوجيه ضربة ما. وتزيد الأمور تعقيدا مع إعلان وزيرة الخارجية البريطانية ليز تروس، في الإذاعة في 26 كانون الثاني عن استعداد “مئات الآلاف” من القوات الروسية للانطلاق.

كما أن الولايات المتحدة تمتلك بالفعل جنود تدريب القوات الخاصة في أوكرانيا مع 8.500 آلاف جندي في حالة تأهب، وأبدت الدنمارك استعدادها لإرسال طائرات مقاتلة إلى ليتوانيا وفرقاطة إلى بحر البلطيق، وعرضت فرنسا قوات على رومانيا بينما تعتزم إسبانيا إرسال سفينة حربية إلى البحر الأسود. وتتمثل مساهمة بريطانيا حتى الآن بإرسال أسلحة مضادة للدبابات إلى أوكرانيا، بالإضافة إلى الجنود لتدريب أفراد الجيش الأوكراني على استخدامها، ونشر المزيد من القوات في إستونيا، حيث تقود بالفعل مجموعة قتالية.

وشحنت حوالي ألفي قطعة من الأسلحة البريطانية المعروفة باسم (MBT-NLAWs)، أو الجيل التالي من الأسلحة الخفيفة المضادة للدبابات من دبابات القتال الرئيسية، بكلفة لم يكشف عنها حتى الآن. وكانت هذه الأسلحة قد طورت كمشروع سويدي بريطاني مشترك وهي تطلق من الكتف وتستخدم ضد الدبابات على مدى قصير يصل إلى 200 متر. ويدور الكلام حول دور الحرب في زيادة مبيعات الأسلحة خصوصا وإن تبين أن هذه الأسلحة فعالة ضد أحدث الدبابات الروسية.

وهذا يسلط الضوء على دور الحرب كمحرك مهم لسباقات التسلح والصراعات الفعلية. ولا شك أن أصحاب الأسلحة الروس سيبدون أيضا استعدادهم لإثبات قوة أسلحتهم الخاصة، مع كل الدعاية التي يتم تقديمها لكلا الجانبين في وسائل الإعلام الدولية والتي تكون مفيدة حقا للباحثين عن النجاح في مجال بيع الأسلحة، فضلا عن الشركات عينها ولكل مساهميها المهمين. لقد أمضت روسيا، على وجه الخصوص، مدة طويلة من العقدين الماضيين في الاستثمار بكثافة في تحديث معداتها القديمة إلى حد كبير وتحتاج بشدة إلى تعويض التكاليف التي تكبدتها مع زيادة مبيعات الأسلحة. وقد تساعد الحرب بالتأكيد خصوصا أن مشهد قلق الناتو بشأن القوة الجديدة للجيش الروسي قد يستثمر أيضا.

(…) وتتمثل إحدى ممارسات البيع الشائعة بعد الحروب في زيادة التسويق لأي سلاح مستخدم في النزاع. وتقدم حرب الفوكلاند أحد الأمثلة، حيث لعب صاروخ الدفاع الجوي بعيد المدى الرئيسي للبحرية الملكية من طراز Sea Dart دورا كبيرا في تدمير ثماني طائرات في جزر فوكلاند، وبعد فترة وجيزة من الحرب، قام صانعوه من شركة British Aerospace، بتعديل إعلان Sea Dart القياسي في المجلات العسكرية عن طريق ختمه ببساطة “COMBAT PROVEN”. وغاب الإعلان عن ذكر جانب واحد من جوانب أداء الصاروخ، حيث أسقط قرب نهاية الحرب، طائرة هليكوبتر تابعة للجيش من طرا Gazelle ، مما أسفر عن مقتل الطاقم. ولم تعترف وزارة الدفاع علنا بهذه الخسارة إلا بعد مرور عدة أشهر.

وبالعودة إلى الأزمة الأوكرانية، تبدو الحرب بعيدة حتى الآن، كل البعد عن كونها حتمية، وهناك بعض التحليلات الممتازة المتاحة التي تشير إلى اتجاهات أخرى. وبصرف النظر عن أي شيء آخر، فإن مثل هذه الجيوش بيروقراطيات ضخمة، تحتاج لتمويل ضخم من أجل تلبية مطلبها الأساسي المتمثل بالبقاء والازدهار. كما تلعب الأطراف التي تروج للحرب في سياق أزمة أوكرانيا دورا أكبر بكثير مما يُعترف به على نطاق واسع. ويجب أن يأخذ أي فهم للأزمة ببساطة من ضمن اعتبارات أخرى احتمال أنها تندرج ضمن تجارة الحرب”.

شارك المقال