الديبلوماسية الأميركية الروسية أمام الاختبار الأوكراني

حسناء بو حرفوش

بينما تكافح إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لمكافحة ارتفاع التضخم والمتغير الجديد لكورونا وجدول الأعمال المتعثر في الكونغرس، تجد نفسها عاجزة عن تحمل تكاليف صراع دولي كبير، خصوصا بعد الانتهاء من الفشل الذريع الذي دام 20 عاما في أفغانستان. وهذا هو بالضبط الخطر الذي تواجهه في أوروبا الشرقية، حيث تضغط الإدارة لمواجهة روسيا بشأن زيادة قواتها على حدود أوكرانيا. لكن في حال تم التعامل مع النزاع بشكل غير صحيح، من المحتمل أن يتحول إلى حرب بالوكالة بين الولايات المتحدة وروسيا، حسب قراءة على موقع “نيوزويك” الإلكتروني الأميركي.

ووفقا للمقال، “إذا توقفت الإدارة عن التعامل مع أوكرانيا على أنها مصدر إلهاء خطير، قد تتحول هذه الأزمة إلى فرصة عميقة في السياسة الخارجية. والحقيقة هي أن الولايات المتحدة تملك القليل من أدوات النفوذ فيما يتعلق بروسيا، خصوصا أن الحلفاء الأوروبيين منقسمون حول كيفية الرد على موقف الكرملين العدواني المتزايد. ويهدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالكشف عما تبقى من بنية الأمن التعاوني بعد الحرب الباردة.

وتأمل إدارة بايدن أن يؤدي التهديد بفرض عقوبات وإرسال قوات الناتو إلى أوروبا الشرقية إلى ثني روسيا عن غزو أوكرانيا. وهناك أيضا احتمال أن تنجح الجهود الديبلوماسية، وبالتالي، قد تتراجع موسكو بعد بعض الوعود الغامضة لكبح توسع الناتو. لكن روسيا تثير بطريقة مزعزعة للاستقرار، بعض الأسئلة المهمة حول نظام ما بعد الحرب الباردة. وبدلا من مجرد التعامل مع الأزمة العسكرية حول أوكرانيا، يجب على إدارة بايدن أن تنتهز الفرصة لإشراك روسيا – وكذلك أوروبا ودول ما بعد الاتحاد السوفياتي – لتشكيل نظام أمني جديد يناسب العصر الحالي بشكل أفضل.

الخطوة الأولى تقضي بالاعتراف بأن بعض أكبر مخاوف الكرملين مشروعة. وبالعودة إلى تسعينيات القرن الماضي، لم تعتقد روسيا أبدا أن قوات الناتو أو عضوية الاتحاد الأوروبي قد تصل يوما إلى أعتابها، وربما لم تكن تتوقع بقاء الأسلحة النووية الأميركية المنتشرة في أوروبا لعقود. وشكّل الغزو الروسي لجورجيا عام 2008 واستيلاء موسكو على القرم عام 2014، وخلق “نزاعات مجمدة” في شرق أوكرانيا وأماكن أخرى، جزئيا، محاولات لإصلاح هذا الاختلال في توازن القوى. لكن هذه الإجراءات العدوانية لم تنته إلا بتعزيز تصميم جيران روسيا على السعي وراء احتضان الغرب، مما زاد من حدة التوترات.

وتعكس هذه الصراعات عدم ملاءمة نظام ما بعد الحرب الباردة لاستيعاب مخاوف روسيا الأمنية وتطلعات الدول الأصغر على حدودها. مع الإشارة إلى أن منظمة الأمن والتعاون في أوروبا (OSCE) التي تضم الولايات المتحدة وروسيا وأوروبا ودول الاتحاد السوفياتي السابق من ضمن الأعضاء، عاجزة إلى حد كبير عن منع تلك الحروب أو حل النزاعات الإقليمية الجارية.

وتعود جذور منظمة الأمن والتعاون في أوروبا إلى اتفاقية هلسينكي (1975) التي وضعت الشرق والغرب على الموجة عينها حول الأمن وحقوق الإنسان والتعاون بين الحكومات في مجموعة من القضايا. وشكّل الاعتراف بالحدود السوفياتية في فترة ما بعد الحرب مقابل الاستعداد السوفياتي لمعالجة حقوق الإنسان، إنجازا تاريخيا. وبعد نهاية الحرب الباردة، طغى توسع الناتو باتجاه الشرق على منظمة الأمن والتعاون في أوروبا ووعدها المتبادل بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. ومن الضروري الآن إعادة تشغيل عملية هلسينكي، وهو أمر دعمته الحكومة الروسية في الماضي.

ويجب أن تضع عملية هلسينكي الجديدة ثلاثة مخاوف روسية على جدول الأعمال: نزع السلاح النووي من أوروبا وتقليل التدريبات العسكرية على الحدود الروسية والقضاء عليها في نهاية المطاف وإبقاء قوات الناتو خارج أوكرانيا في المستقبل المنظور. وفي المقابل، ستنهي روسيا حشدها العسكري على الحدود الأوكرانية – وستوافق جميع الأطراف على التعاون في مجموعة من القضايا الأخرى. وبهذه الطريقة، يمكن لهلسينكي ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا النشطة إعادة السيطرة على الأسلحة على الطاولة، واتخاذ خطوات ملموسة باتجاه الحد من المواجهة العسكرية في أوروبا الشرقية ووضع المزيد من القوة في أيدي الديبلوماسيين بدلاً من الجنرالات.

وفي مقابل اعتراف الغرب بالمخاوف الأمنية لروسيا حول حدودها، قد توافق موسكو على التواصل مع شركائها في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا بشأن برنامج جديد لتقليل انبعاثات الكربون والانتقال من الوقود الأحفوري. وهذا يعني أن الإصدار الجديد لهلسينكي يجب أن يركز على التعاون وليس فقط على إدارة الخلافات.

اعتبارا مما تقدم، يمكن الجزم بأن الوقت ليس الأنسب اليوم لكي تخاطر إدارة بايدن بحرب بالوكالة مع روسيا في أوكرانيا. لكن عوضا من ذلك، لقد حان الوقت لمواجهة روسيا، ليس بالقوة العسكرية ولكن بصفقة ديبلوماسية جريئة قادرة على حماية السيادة الأوكرانية وتحويل أوروبا الشرقية إلى مكان أكثر أمانا”.

شارك المقال