الانسحاب السوري (٣/١)… توجس النظام من قوة الحريري سبب إتهامه باغتياله

زياد سامي عيتاني
انسحاب الجيش السوري من لبنان يوم 26 نيسان 2005 (ارشيف)

في شهر آذار من العام 2005 أعلن الرئيس السوري بشار الأسد، ونتيجة للضغوط الدولية، عبر خطاب مطول أمام البرلمان عن “انسحاب قريب لقواته” من لبنان، وقال إنه يجب ألا تبقى قواته هناك يوماً واحداً إذا كان هناك إجماع لبناني على رحيلها، ولكنه اعتبر حينها أن الانسحاب لا يعني نهاية للدور السوري في لبنان. وفي 26 نيسان من العام نفسه، غادر آخر جندي سوري مع الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السوري الأراضي اللبنانية. ذلك التاريخ لم يكن يوماً عادياً أو عابراً في تاريخ لبنان الحديث، بل كان حدثاً إستثنائياً، نقل لبنان من حقبة إلى حقبة، خصوصاً وأن ذلك النظام أخضع لبنان لوصايته على امتداد 29 عاماً، فقد دخل البلد في حزيران 1976، بعد نشوب الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1989).

وهيمن النظام طيلة الفترة المذكورة، من خلال قيادته السياسية ونظامه المخابراتي على كل مفاصل الدولة الأمنية والسياسية والعسكرية والاجتماعية، من أصغر التفاصيل إلى القرارات السيادية، حتى بات يقرر مصير السياسيين، ووصولهم إلى سدة الحكم، وإلى التعيينات الوظيفية والحكومية واختيار لوائح النواب، وما إلى هنالك من تشعبات فرضها هذا النظام.

بالتأكيد لم يكن قرار الأسد الابن بالخروج من لبنان طوعياً، بل جاء بفعل ما تعرض له من ضغوط دولية وعربية، مع اندلاع “ثورة الأرز” المليونية والتي ضمت كامل أطياف الشعب اللبناني، على إثر اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في 14 شباط 2005. يومها، وجهت أصابع الاتهام مباشرة إلى النظام السوري وحلفائه في لبنان، لأن ذلك النظام كان ممسكاً بكل مفاصل الأمن اللبناني من خلال الهيمنة على قادة أجهزته، فضلاً عن توجيهها بما يشبه “أمر عمليات” في كل ما يتعلق بعملها، حتى كان يقال إن غازي كنعان ولاحقاً رستم عزالة كانا القائدين الفعليين للأجهزة الأمنية اللبنانية.

وتوجيه أصابع الاتهام إلى النظام السوري بإغتيال الرئيس الحريري، لم يكن مجرد رد فعل عفوي يعبّر عن حالة إنفعالية جراء “الهيمنة” السورية على لبنان وضرب كل مقومات سيادته وإستقلاله ومرتكزات مؤسساته الدستورية، (التي قد تكون سبباً للإتهام)، إنما السبب الرئيس يعود إلى تدهور العلاقة السياسية بين الرئيسين الأسد والحريري، علماً أن الصعود السياسي للحريري محلياً وخارجياً، أخاف الرئيس السوري السابق حافظ الأسد، إلا أن الحريري عرف كيف يوظف ما تمتع به من شبكة علاقات دولية واسعة لمصلحة سوريا، وفتح قنوات ديبلوماسية لها مع عواصم القرار، لا سيما التي كانت على خلاف معها، حتى لقب برئيس حكومة لبنان و”وزير خارجية سوريا”.

وفي تلك الحقبة لعب الحريري دوراً أساسياً في التمديد للرئيس الياس الهراوي في العام 1995. وفي العام 1996 شارك شخصياً في الانتخابات النيابية، وشكّل لوائح في بيروت وفي أكثر من دائرة. والنجاح الذي أحرزه في الانتخابات جعله موضع مراقبة لصيقة من النظام، بعدما استطاع أن يثبت قدرته على التواصل مع عدد من رؤساء الدول خصوصاً عقب حرب تموز 1996 بين “حزب الله” وإسرائيل، ومساهمته في التوصل إلى اتفاق لوقف النار.

ومع إنتخاب العماد إميل لحود رئيساً للجمهورية، في العام 1998، كان مطلوباً قطع علاقة المودة بين الرئيسين لحود والحريري، بحيث لعبت مراكز قوى سياسية وأمنية لبنانية وسورية على حد سواء، للإيقاع بين الرجلين، سعياً الى تحجيم الحريري ومحاصرته، وسخّرت تلك القوى كل ما تملك من أساليب “مخابراتية” مركبة ومزعومة، لقيادة المواجهة بين لحود وقوة الحريري التي كانت تتزايد سياسياً واقتصادياً. فكانت أولى نتائج “الصراع المطلوب من بعض مراكز القوى السورية واللبنانية” بين لحود والحريري، إبعاد الأخير عن رئاسة الحكومة والاستعانة بالرئيس سليم الحص وتشكيل حكومة من الموالين للنظام السوري. لكن هذه التجربة انتهت إلى فشل بعد انتخابات عام 2000 التي حقّق فيها الحريري انتصاراً كاملاً وكاسحاً في دوائر بيروت الثلاث، بعدما إستبعد عن لوائحه ما سمّاه “الودائع السورية”، على الرغم من تفصيل قانون إنتخابي (قانون غازي كنعان) لإقصائه.

ذاك الانتصار النيابي الذي حققه الحريري، أعاده بقوة غير مسبوقة الى موقع رئاسة الحكومة، في وقت تسلم فيه بشار الأسد رئاسة سوريا، عقب وفاة والده، ما زاد من توتر العلاقة بينه وبين دمشق من جهة، وبينه وبين لحود والمحور المحسوب على سوريا و”حزب الله” من جهة أخرى، اذ ان ذلك الفريق ومن خلفه الأسد كان شديد التوجس من قوة حضور الحريري وعلاقاته الدولية.

إقرأ أيضًا:

شارك المقال