في عبث المسعى!

علي نون
علي نون

جيد ومنعش أن يسمع اللبنانيون أن هناك في هذا العالم المضطرب أيّما اضطراب، من لا يزال يهتم بأمورهم الكثيرة والمعقدة والصعبة دائماً، وأن يحاول البحث عن سبل لمساعدتهم على تلك الأمور وعلى مداراة بلاويهم ومصائبهم وعثراتهم ومشاكلهم.

وفي ذلك يمكن وضع المبادرات الخارجية المتعددة في سياقات انسانية بقدر ما هي سياسية كبيرة علماً أن الأولى هي ابنة الثانية: لولا انحدار أداء الطقم المتهم بالممانعة والموصول بنظامها الراعي والموجه والممول في طهران، ولولا ارتهان الكيان الوطني بكل مؤسساته وسياساته الرسمية لبرنامج ذلك النظام، لما انتكس لبنان هذه الانتكاسة الفظيعة، ولما اندحر دوره ومركزه في المحيط العربي وغير العربي، ولما خسر حيثيته المشتملة على كونه ولأزمان طويلة عاصمة المصارف والسياحة والاعلام والطباعة والنشر والاستشفاء والفن والعيش ورغد ذلك العيش… ولما وصل أهله في أكثريتهم الى بؤس لا يعلم تفاصيله الاّ أصحابه وربّ العالمين، ولما وصل راهناً الى ذروة انحدارية معاكسة جعلته متسيّداً لمنظومة الدول الفاشلة!، أو بالأحرى مرجعاً مكيناً وأكيداً للباحثين عن كيفية تحويل النجاح الى فشل وكيفية تحطيم الدول والكيانات السيادية على أيدي حكامها والكامشين بلجامها قبل غيرهم وأكثر من غيرهم!، ثم كيفية جعل لبنان كرنتينا موبوءة فيها كل مقومات النبذ للبنانيين ولغيرهم!.

وصحيح في المبدأ، أن أزمات لبنان ليست وليدة الأمس القريب ولا نتاج عامل داخلي أو خارجي واحد وأن الاسم الحركي (أو الفني!) للبنان هو الأزمة المستدامة منذ بدء تشلّعه في سبعينيات القرن الماضي، لكن الأصح من هذا هو أن بلد الارز ما كان ليصل الى ما وصل اليه راهناً لولا تزاوج حالتين عدميتين، الواحدة منهما أصلاً كافية في ذاتها لاتمام الخراب والاندثار فكيف بذلك التزاوج: الحالة العونية من جهة والحالة الايرانية من جهة ثانية! والاثنتان تحملان في ظاهرهما وباطنهما، بذور عدم وعبث وفشل لا تثمر زرعاً طيباً لا في السياسة ولا في التنمية ولا في الاقتصاد ولا في المال ولا في الفنون والابداع ولا في شؤون الدول وكيفيتها وسريان أمورها وعلاقاتها وأدوارها واقتدارها …

الحالة العونية مدرسة فعلية وليست افتراضية، لأصول التحطيم من دون برنامج بناء بديل!، ولأصول التورية والخداع: يُطرح الشعار الإصلاحي العام لتغطية سعي سلطوي ذاتي وخاص ومشبّع بالفساد!. ويُطرح مبدأ المساءلة فيما أصحابه هم أول وأبرز المتهمين المطلوب مساءلتهم!. ويُستخدم القانون لمعسه وليس تطبيقه!. ويكثر اللغو بالدستور للتعمية على كسره في كل حين!. ويستعر خطاب الوحدة الوطنية لتغليف حقيقة استعار الخطاب الطائفي والأنَوي والذاتي القريب من العنصرية الصافية!. ويؤخذ القول بالسيادة عنواناً وشعاراً فيما المتاجرة بها لأهداف سلطوية خاصة هي المنهج الثابت والمعتمد… وغير ذلك الكثير مما صار علماً مرفوعاً على سارية البلد المدمر نتيجة ما قدمته تلك الحالة من إضافات يُعتّد بها!.

الحالة الثانية المتمثلة بحزب إيران تتمتع بمواصفات عامة أوسع من الجغرافيا اللبنانية، بل هي تسري أينما أمكنها ذلك وتنتج المحصول عينه وإن بعناوين مختلفة… من اليمن الى العراق الى سوريا وصولاً الى لبنان!. ما دخلت عمراناً الاّ وأحالته خراباً يباباً. وما انتعشت وارتوت الاّ على حساب ضمور الآخرين وعطشهم!. وما تمكنت الاّ عن طريق كسر وتكسير قدرات البناء الدستوري القائم ومؤسساته الوطنية السيادية الشرعية… وهي أيضا مدرسة مكتملة المواصفات والأركان في أصول وفصول الاستثمار الذاتي الناجح في الفشل العام!، تنمو في التخريب وليس التعمير، وفي الفقر وليس في الرفاه، وفي التأزيم وليس في الانفراج، وفي أزمان القحط وليس في الامتلاء والرخاء والارتواء. وخبرتها لا تضاهى في تصنيع الأعداء وتكبير العداوات تبعاً لمنهج سياسي وإعلامي عدائي واستنفاري تام تفترض فيه عدّة وصول وتمكّن وسيطرة.

كثرة المبادرات الآتية من خارج لبنان لا تعني تكبير إحتمالات انفراجه طالما أن الاستعصاء على هذا القدر من الصلابة: لا الحالة العونية قابلة للمعالجة أو مهيئة لذلك العلاج في ظل إمعان أصحابها في نهجهم ونكران نتائجه وتبعاته الكارثية. ولا الحالة الايرانية الموازية مستعدة للتراجع عما تعدّه إنجازات كبرى راكمتها على مدى العقود الأربعة الماضية!، وتنظر الى “إنجازها” اللبناني باعتباره دُرّة التاج!، والمثال الأنجح لتمددها من حدود ايران الافغانية شرقاً الى عمق العالم العربي غرباً.

شارك المقال