هل تحصد الولايات المتحدة ما زرعته في أوكرانيا؟

حسناء بو حرفوش

تتعدّد القراءات وتتشعب حول الدور الأميركي في سياق الأزمة الأوكرانية. وبينما يجد البعض أن تدخل واشنطن ضروري للجم طموحات روسيا، يميل البعض الآخر للقول أن مواصلة إرسال الحكومة الأميركية الأسلحة إلى أوكرانيا، تزيد من احتمالية اندلاع حرب مع روسيا، حسب تحليل على موقع مجلة “ذا بروغريسيف” (progressive) الإلكتروني. ووفقا للتحليل، “تزعم الولايات المتحدة وروسيا أن تصعيدهما في أوكرانيا دفاعي ويتبادلان الردّ على التهديدات. ومع ذلك، تجعل دوامة التصعيد الناتجة عن هذه المزاعم الحرب أكثر احتمالا. وقد حذر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بالفعل من أن “الذعر” من جانب القادة الأميركيين والغربيين يتسبب بالفعل بزعزعة الاستقرار الاقتصادي في الدولة الواقعة في شرق أوروبا.

ولا تتعلق مصلحة الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في أوكرانيا حقا بحل الخلافات الإقليمية، بل بشيء آخر تماما. أما ألمانيا فترفض ضخ المزيد من الأسلحة إلى أوكرانيا، تماشيا مع سياستها طويلة الأمد المتمثلة بعدم إرسال أسلحة إلى مناطق الصراع. وفي هذا السياق، اعتبر أحد أعضاء البرلمان في ألمانيا في حديث تلفزيوني، إن بروتوكول مينسك الذي وافقت عليه فرنسا وألمانيا وروسيا وأوكرانيا عام 2015 لا يزال الإطار الصحيح لإنهاء الحرب الأهلية. وعلى النقيض من ذلك، يتماشى البعض مع الرواية التي تصوّر روسيا على أنها المعتدي في أوكرانيا، وتدعم إرسال المزيد من الأسلحة إلى القوات الحكومية الأوكرانية. ويجد المنتقدون أن السرد السياسي للغرب يستبعد بعض التفاصيل المهمة مثل انتهاك الاتفاقيات التي أبرمها القادة الغربيون في نهاية الحرب الباردة بعدم توسيع الناتو وصولا إلى أوروبا الشرقية، والانقلاب المدعوم من الولايات المتحدة في أوكرانيا في شباط 2014. وبدلا من ذلك، تؤرخ حسابات وسائل الإعلام الغربية السائدة الأزمة في أوكرانيا في سياق إعادة دمج روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014، وقرار الروس في شرق أوكرانيا بالانفصال عن أوكرانيا”.

ويسطّر المقال ما يعتبره المحلل “دورا للولايات المتحدة في إدارة الانقلاب بالإضافة إلى خطط تضمنت تهميش الاتحاد الأوروبي وترسيخ دور الولايات المتحدة. ولكن كل ذلك اصطدم مع الأسف بفضائح الفساد. كما لم يتحمّس الجيش الأوكراني لشن حرب أهلية ضد شعبه في شرق أوكرانيا، لذلك شكّلت حكومة ما بعد الانقلاب وحدات الحرس الجديدة. وفي عام 2015، أدت مفاوضات مينسك ونورماندي لوقف إطلاق النار وسحب الأسلحة الثقيلة من المنطقة العازلة حول المناطق التي يسيطر عليها الانفصاليون. ووافقت أوكرانيا على منح قدر أكبر من الحكم الذاتي إلى دونيتسك ولوهانسك ومناطق عرقية روسية أخرى في أوكرانيا، لكنها فشلت في متابعة هذا الاتفاق. 

النظام الفيدرالي هو الحل؟

ويطرح النظام الفيدرالي الذي يتضمن نقل بعض السلطات إلى مقاطعات أو مناطق منفردة، كحل لصراع القوة الذي عرقل السياسات منذ استقلال أوكرانيا. لكن مصلحة الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في أوكرانيا ترتبط بحسابات تضع روسيا في موقف مستحيل. ومن ناحية، إن لم تفعل روسيا شيئا، قد تنضم أوكرانيا عاجلا أم آجلا إلى الناتو، أما إن ردت روسيا بالغزو، فلن يكون هناك تراجع عن حرب كارثية جديدة مع الغرب.

وقدمت الولايات المتحدة لأوكرانيا مساعدات عسكرية بقمية 2.7 ملياري دولار منذ 2014، بما في ذلك 650 مليون دولار منذ تولي بايدن منصبه، هذا بالإضافة إلى جانب نشر مدربين عسكريين للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي. ولم تنفذ أوكرانيا حتى الآن التغييرات الدستورية التي دعت إليها اتفاقيات مينسك 2014 و2015، كما شجع الدعم العسكري غير المشروط الذي قدمته الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي قادة أوكرانيا على إعادة التأكيد على سيادة جميع أراضي أوكرانيا، بما في ذلك شبه جزيرة القرم.

ومن الناحية العملية، لا يمكن لأوكرانيا استعادة تلك الأراضي إلا من خلال تصعيد كبير للحرب الأهلية وهذا السيناريو لا يبدو مستبعدا في آذار 2021. ويحذر المسؤولون الروس من أنه لن يكون لديهم خيار سوى الرد بـ “تدابير عسكرية تقنية متبادلة مناسبة” في حال لم تبد الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي استعدادا للتفاوض بشأن معاهدات جديدة لنزع السلاح، وإزالة الصواريخ الأميركية من البلدان المتاخمة لروسيا والتراجع عن توسع الناتو. وقد لا يشير التعبير الروسي إلى غزو أوكرانيا، لكن إلى استراتيجية أوسع قد تشمل استهداف القادة الغربيين، على سبيل المثال، من خلال إنشاء قواعد عسكرية في إيران وكوبا وفنزويلا ودول أخرى، ونشر غواصات مسلحة بصواريخ نووية تفوق سرعتها سرعة الصوت في غرب المحيط الأطلسي.

كما يمكن للصين أن تتبنى استراتيجية مماثلة في المحيط الهادي للرد على القواعد العسكرية الأميركية وعمليات الانتشار حول سواحلها. وبالتالي، قد تتحول الحرب الباردة بسرعة كبيرة إلى حرب تجد الولايات المتحدة نفسها فيها محاصرة ومعرضة للخطر على غرار أعدائها”.

شارك المقال