حصّة بايدن

علي نون
علي نون

لكل رئيس اميركي، في الحرب العالمية على الارهاب، حصّة تلائمه مكانا وزمانا: جورج دبليو بوش دشّن الامر وباشره على مستوى الانظمة وليس الافراد القادة. ذهب الى افغانستان وقلب عاليها سافلها ثم راح الى العراق وانهى صفحة من تاريخه وفتح اخرى، لا تزال مفتوحة الى اليوم.

خلفه اللعين باراك أوباما “أخذ” أسامة بن لادن وشعر بالاكتفاء! كأنه قدم مساهمته كلها في تلك الحرب وقرر التفرغ للهوامش: ذهب الى إيران حيث هواه الاثير واعطاها ما لا يملك من استقرار ثلاث او اربع دول عربية هي العراق وسوريا واليمن ولبنان، وأخذ منها ما لا تملكه فعليا أي المشروع النووي!

وجاء دونالد ترامب وتابع السير على الطريق عينه لكن مع عدّة النفخ والتزمير وقرع الطبول: حصد الحصّة الاكبر وربما الاهم بعد بن لادن. قضى على ابو بكر البغدادي اولا ثم ألحقه بقاسم سليماني وابو مهدي المهندس… وكأنه في ذلك اراد إتمام تفلّته من سردية الارهاب الرسمية التي كادت تحصر ذلك العدم بالقاعدة تارة وبداعش طورا وبالجماعات المنسلّة منهما دائما.

راح على طريقته الى التصويت ضد التركة الاوبامية ونَفَسَها المستمر في مراكز القرار داخل المؤسسة العميقة في واشنطن. وتحرك على جبهتين لتأكيد وجهة نظره: ألغى الإتفاق النووي السيء مع ايران… وقتل أيقونتها الجهادية في مطار بغداد وخرج الى العالم لـ”يزفّ” البشرى ويرمي قفّاز التحدي في وجه نظام الجمهورية الاسلامية باعتبارها، في عرفه وحسب رأيه، الراعية الحصرية للارهاب العالمي. وهذا تدخل في سياقه التوصيفي كل او معظم التنظيمات والكيانات التي اشرف سليماني نفسه عليها وعلى كل شؤونها! من جماعة بني حوث في اليمن الى حزب الله في لبنان مرورا بالحشد الشعبي في العراق وصولا الى الميليشيات المذهبية الاخرى في سوريا!

وجاء دور جو بايدن لأخذ ما تيسر من حصَة في هذه الحرب المفتوحة: ذهب الى سوريا واخذ الزعيم الجديد لداعش… وهذا لم يكن احد من خارج المعنيين في دوائر الامن والاستخبارات وعالم تنظيمات الارهاب والإسلام السياسي، يعرفه او يسمع عنه الاّ لماما وعرَضا!

لكنه مع ذلك، يُعتبر في حسابات حامل الصنّارة بايدن صيدا ثمينا يمكن استثماره لتحسين أرقامه في استطلاعات الرأي بين الاميركيين قبل الانتخابات النصفية في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.

… أو كأنه يقول مواربة للايرانيين، في خضم المفاوضات النووية معهم، انه يُعيد تقديم فروض الاحترام لـ”مبدأ” نظيره الديموقراطي اوباما الذي حصر تهمة الارهاب بالجماعات غير التابعة لإيران، او غير المنضوية في عقيدتها الدينية!

و”مبدأ” أوباما هذا كان مركّبا وغريبا: الارهاب في رأيه هو نتاج النص الديني الاسلامي الاكثري وليس نتيجة شطط خطير ومدمر في التفسير والتدبير! والخلل تبعا لذلك مقيم وأصلي وليس عابرًا ومنسوخا! في حين ان “الاسلام الآخر” الذي تعبّر عنه ايران ليس كذلك! وتنطبق على الجماعات المنسلّة منه مواصفات الشطط والعبور والنسخ وليس التعبير عن ارهاب دولة!

بهذا المعنى (ربما) تأتي تصفية الزعيم الداعشي الغامض والمبهم ابو ابراهيم القرشي في توقيت لافت يمكن ان يكون عشية الوصول الى اتفاق في فيينا (؟) وفي لحظة حاسمة في ذلك السياق خصوصا ان “ملائكة” أوباما حاضرة ناضرة في العاصمة النمسوية وبدأت بزعامة كبيرها روبرت مالي نفسه الحديث عن هوامش متصلة بالإتفاق… وكأن الخلافات الاساسية في شأنه قد جرى حلّها ولم يبق أمام المفاوضين من عقبات سوى المعتقلين الاميركيين في سجون إيران والضرورة الشرطية لإطلاقهم!

والاستطراد في التحليل والتفسير ليس عصفا فكريا ولا خروجا عن النص. اذ ان تنفيذ هذا النوع من العمليات الصاعقة لا يرتبط فقط بظروف الميدان وجغرافيته وحضور الهدف المقصود بل بأكثر من ذلك حكما وحتمًا، وخصوصا لجهة المناخ السياسي القائم والمحيط، والاهداف المطلوبة والمتفرعة عن الهدف الاول المتمثل بقتل زعيم جماعة ارهابية.

وفي عالم التفاوض على قضايا كبيرة وخطيرة هناك في بعض الحالات خطّان متوازيان لكنهما يلتقيان: خط علني مكشوف ومعلن (في فيينا الآن وفي واشنطن وغيرها بالامس فلسطينيا واسرائيليا) وآخر خفي ومجهول الاقامة لكنه الاهم والاكثر جدّية (اوسلو مثلا) وقد لا يكون ذلك المسار حاصلًا وأكيدًا في الحالة التفاوضية الراهنة بين الأميركيين والايرانيين لكن لا احد ايضا يستطيع إدعاء العكس خصوصا ان المرشد في طهران أعطى بركته للحكي المباشر مع الطرف الآخر… وهذا الطرف الآخر نظّم صفوفه وأخرج المزعجين منها! وباشر بتقديم إشارات إيجابية وهامشية من نوع إعادة تصويب الاتجاه نحو “الارهاب الأكثري” عبر قتل القرشي، وبلع التهديد بإعادة توصيف الحوثيين كجماعة ارهابية على الرغم من استمرار الاعتداءات المخزية على اهداف وبنى تحتية مدنية وتنموية في السعودية والامارات العربية المتحدة! وواشنطن في كل حال، لن تعود الى ذلك التوصيف اذا سلكت امورها مع طهران! بل هي من الآن تكاد تدعو الى وقف تمدد العمالقة في ساحات القتال كي لا تنزعج طهران اكثر! ( السيرة الاوبامية المنحوسة عينها!).

وقد يعتبر البعض ان هجوم روسيا على اوكرانيا اذا تم، سيعيد تفعيل الحضور الاميركي في منطقتنا تبعا للضرورة وأحكام التوازن الجيو – سياسي والعسكري مع الروس… لكن اذا حصل الاتفاق في فيينا من دون توابعه المتصلة بأدوار إيران وادواتها وصواريخها، فإن الانكفاء الاميركي سيستمر باتجاه الهمّ الصيني، ومقتضيات مواجهة المستجد الاوكراني عقابيا وسياسيا وديبلوماسيا… وستتابع طهران (وبزخم مؤجل) مسارها الخارجي التمددي والتخريبي! وستبقى المنطقة العربية والاسلامية أسيرة أزمات ومعارك وحروب لا سقف لها متأتية من ذلك المسار! ثم ستبقى الادارة الديموقراطية في واشنطن على ادائها المتردد والضعيف في نواحينا مع تذكير العالم بين الحين والآخر بأنها لا تزال قوية وتستطيع ساعة تشاء، ان تقتل زعيما مفترضا لتنظيم ارهابي لم يعد أحد يعرف أولّه من آخره ولا رأسه من قدميه، في سوريا أو في غيرها!

شارك المقال