في زبدة القول

علي نون
علي نون

لم يكن قادة حزب إيران في لبنان ولا مرة في السنوات الماضية، في حاجة الى الخروج على الناس وقول ما عندهم في شأن اي قضية اساسية او فرعية، محلية او اقليمية، كبيرة او صغيرة… باعتبار ان ذلك التبليغ لا يزيد الاغيار الا قناعة بأحكامهم الأولى.

وهذه تفيد بان جماعة ذلك الحزب لا يهتمون من قريب او من بعيد باي آخر خارج منظومتهم السياسية والعقيدية ولا يأخذون في اعتبارهم الشأن العام طالما ان ذلك يخصهم ويخص غيرهم… بل يقررون ما يناسبهم، ونقطة عند آخر السطر! اما الباقي فليس سوى تفاصيل هامشية لا وزن لها.

بالامس وقبل الامس، اعلن اكثر من مسؤول في ذلك الحزب مرارا وتكرارا ان الرهان على الانتخابات النيابية اللبنانية لمحاولة “تغيير المعادلة” القائمة في لبنان هو رهان خاسر يشبه الرهان على “الحروب العسكرية” او العقوبات المالية والاقتصادية والديبلوماسبة والسياسية… باعتبار ان “المقاومة” غير معنية بذلك كله، ولا يؤثر فيها وفي سلوكها واهدافها.

وليس أصحّ من ذلك قولا! ولا “أبلغ” منه للدلالة على صواب اتهام الجماعة الحزبية اللبنانية الهوية، الايرانية التبعية، بأخذ لبنان وأهله رهينة قرارها وسلاحها وتجيير كل مقومات بلاد الارز لخدمة اجندة صاحب الشأن في طهران… ولا شيء بالفعل يؤثر في ذلك المسار على الرغم من كل المصائب التي حصلت والانهيارات التي تمت او تكاد والهريان الذي ضرب في كل عصب في جسم الجمهورية ودولتها ومؤسساتها وناسها في الاجمال!

وسردية العدم تلك يأخذها حزب ايران على قياسه واستنادا الى مخزونه: كل دعوة له الى إيثار المصلحة الوطنية اللبنانية العليا يعتبرها عمالة صافية لكنه يقول بالمليان انه جزء من الجسم الايراني وكل وجوده يستند الى ذلك المدد! وعندما يقال له إن الانتخابات النيابية مثلا هي إحدى الطرق المفضية الى إنتاج تغيير في السلطة التنفيذية يردّ باتهام المبشرين بذلك بإنهم أتباع سفارات أجنبية واقليمية وممتشقي أجندات تخدم “الأعداء”… واذا قيل له ان “المقاومة” يفترض ان تكون باتجاه إسرائيل وليس بإتجاه اليمن او السعودية او الإمارات العربية المتحدة او العراق او الشعب السوري يرد باتهام صاحب القول بالارتباط بقوى تريد رأس تلك “المقاومة”! واذا قيل له إن سياسته الاستلحاقية بالمشروع الايراني دمّرت علاقات لبنان مع محيطه العربي يردّ بتصعيد وتيرة العنف اللفظي في لبنان والعملي (العسكري) في خارجه ووفق مقتضيات القرار الايراني! واذا قيل له ان لبنان جزء لا يتجزأ من محيطه العربي يذهب الى تسعير القول واتهام ذلك المحيط (من دون تمييز!) بإنه أميركي العروبة! واذا قيل له بان “أهدافه” على مدى السنوات الماضيات، من شعب سوريا الى شعب اليمن الى شعوب الخليج العربي هم مسلمون بداية ونهاية، يرد ّبتكبير أحجاره اللغوية مرارا وتكرارا من خلال اتهام هؤلاء أيضا بأنهم “مسلمي اميركا”! او بالاكثار من اعتماد سرديته المذهبية للدلالة على الاختلاف الذي يبرر الخلاف! واذا قيل له ان لبنان انهار وشعبه جاع وليرته صارت بلا قيمة يردّ بالقول ان ذلك هو نتيجة “التآمر” على “المقاومة”! بل ويذهب ابعد بقليل من ذلك ليقول ان هذه “المقاومة” أهم من لبنان! وأبقى! وان الاساس في رأيه وعرفه هو المحافظة عليها وليس على الدولة اللبنانية! وعلى عناصرها وليس على اللبنانيين! وعلى دورها وليس على دور الكيان الوطني!… ومخزونه من التهم الجاهزة لكل مختلف لا يكاد يعوّف مفردة واحدة من مفردات التخوين والعمالة وما انسلّ منهما وتفرع عنهما!

لا يعترف بخطأ ولا خطيئة! بل يسترسل في الاداء وكأن الدنيا بألف خير! وهذا منهج ذاتي تلقائي وطبيعي عنده، باعتبار ان قياساته ذاتية أنوية خالصة: البلد منهار لكن “المقاومة” في أحسن حالاتها! الدولة صارت حطاما لكن “المشروع الايراني” منتعش ويسعى! المصائب تتهاطل كالسيل على العرب والمسلمين لكن إيران “زادت اقتدارا ومنعة”! سوريا الواحدة صارت من التاريخ والجغرافيا لكن “المؤامرة الكونية” على النظام انهزمت! مات المريض لكن العملية الجراحية نجحت! وعلى ذلك القياس يستمر القول والفعل ويتكرر التأكيد بان ذلك الحزب غير معني باي شأن وطني او عربي او اسلامي خارج منطوقه وارتباطه بالأجندة الايرانية، وخارج مسار ومصير الاستراتيجية التي وضعها مؤسسو “الجمهورية الإسلامية” والهادفة الى لعب ادوار قطبية ومحورية محاكية لأدوار كانت ذات يوم في تاريخ ماضٍ وسحيق…

شارك المقال