إغتيال لمنع خروج الجنّ من الزجاجة

زاهر أبو حمدة

ترسّخت معادلة في الساحة الفلسطينية ثلاثية الابعاد: لا حرب من دون “حماس”. لا تهدئة من دون “الجهاد الإسلامي”. لا انتفاضة من دون “فتح”. وهذا ليس انتقاصاً من فصائل أخرى لديها اجنحة عسكرية وصولات وجولات سابقة مع الاحتلال، لكن الواقع الفلسطيني يشير إلى أن الكتلة البشرية والعسكرية تحتاج إلى قرار والكثير من التخطيط والقدرات، وهذا موجود لدى الفصائل الثلاثة.

وتندرج عملية اغتيال الفدائيين الثلاثة في نابلس، في الجزئية الأخيرة من هذه المعادلة: منع انتفاضة مسلحة ضد الاحتلال. وهنا أطلق مراسل “القناة 11” العبرية جال بيرجر، توصيفاً لعملية الاغتيال بأنها “لمنع خروج الجنّ من الزجاجة”. صحيح أن جريمة الاحتلال لها رسائل متعددة للسلطة ولحركة “فتح” ولأي جهة تفكر في إطلاق النار أو تنفيذ عمليات سيكون مصيرها القتل، إلا أنها تعكس خوفاً عند المؤسسة العسكرية الإسرائيلية. هم يخشون من تدحرج الأمور نحو انتفاضة مسلحة تشبه ما حصل بين عامي 2000 و2004، حين تكثّفت العمليات الفدائية المشتركة بين الفصائل أو المنفردة.

وبالتالي، تحاول سلطات الاحتلال استباق ما هو قادم، بعد مراقبتها العناصر المسلحين التابعين لتنظيم حركة “فتح” الذين يظهرون في الشارع بعد أن ظن الاحتلال بأنهم اختفوا منذ فترة طويلة بعد الانتفاضة الثانية. لكن اغتيال أدهم مبروكة، محمد الدخيل، وأشرف مبسلط، أدى لخروج آلاف الفلسطينيين للشارع في نابلس والمحافظات الاخرى. هذا يعني أن هدف الاغتيال لم يتحقق، فالأقمار الثلاثة هم امتداد لقادة “كتائب شهداء الأقصى” في نابلس باسم أبو سرية (القذافي)، عبد الله هواش، عبد الرحمن الشناوي، وغيرهم من الشهداء أصحاب البصمات الواضحة في الصراع المستمر مع الاحتلال.

أما تداعيات الاغتيال ستكون اخراج “الجنّ الفتحاوي”، فالطبيعة البشرية ترفض الاستكانة للظلم والقتل، والدم يجرّ دم. ويبدو أن الاحتلال لم يتعلم من تجربته مع الشعب الفلسطيني، فكلما قتل قائداً ظهر قائد آخر أكثر جسارة واقدام. ويتخيل رئيس “الشاباك” رونين بار، أن عملية تفتيت الضفة الغربية عبر مخططات قضمها وضمها ستنجح. في الأصل هو يريد تقسيم الضفة إلى مربعات منفصلة ومنعزلة وكل منطقة لها خصوصيتها ومشاكلها. فالخليل تستمر في النزيف العشائري، وجنين تواصل في هدر طاقاتها في وجه السلطة، والقدس في حالة دفاع عن المقدسات وفي معركة بقاء داخل المدينة المقدسة، ورام الله تشهد الصراع السياسي، والمخيمات في مواجهة مع المدن والأجهزة الأمنية… الخ. تريد الأجهزة الإسرائيلية شرذمة الشعب أكثر وأكثر، والاغتيال سيتبعه اغتيالات لكن الأهم أن هذا الشعب يتوحّد بكل أطيافه إذا نزف الدم، وربما يتحول إلى شلال أحمر متبادل. وهنا سيكون الأنس والجنّ يقاتلون في معركة حياة أو موت بعد وفاة مشروع حل الدولتين ونحر اتفاقية أوسلو.

شارك المقال