“حزب الله” وإحراق تاريخ 70 ملياراً من السعودية للبنان

المحرر السياسي

شهدت روما أسوأ أشكال الحكم في زمن نيرون مع تحوّل الامبراطورية إلى رقعة جغرافية غارقة بالانهيارات والافلاسات المترافقة مع فوضى عارمة. لم تنجح كلّ المحاولات الطامحة إلى قلب المعادلة وتحرير روما من براثن المستحكم المتحكم بمفاصلها، فاحترقت على وقع تفرّج من أشعلها على مظاهر اشتعالها. ولا يبدو أن هناك اختلافاً في المضامين بين روما نيرون القديمة ولبنان “حزب الله” اليوم، على تعدّد فصول الجحيم وأشكالها وتواريخها. وتستمرّ حلقات هدم دعائم لبنان التي بنيت أعمدة إعادة إعماره بعد حرب أهلية ضروس مع صعود نجم الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي بنى بيروت يداً بيد مع مساهمات دول الخليج العربي وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، التي لعبت الدور الجوهريّ في قلب صفحة الخراب وإعادة ضخّ أوكسيجين الحياة في أروقة المدن اللبنانية وشوارعها.

وفي عزّ تجليات خراب لبنان ها هو “المضحك المبكي” المتمثّل في التحذيرات التي يكرّرها أمين عام “حزب الله” زاعماً بأن السعودية تسعى إلى “خراب لبنان” بالمعاني الاقتصادية والسياسية والأمنية. يتحدّث الحزب من فوق ركام الخراب الاقتصادي والسياسي والاجتماعي الذي يحيط لبنان، وكأن “الجوّ بديع” من دون أن يتنبّه أو يأبه إلى حجم الانهيارات المتلاحقة التي أغرقت البلد… فما خوفه من البلل!. وإذ يتناسى “حزب الله” أن مصطلح “إعمار” قد ارتبط جلياً بمساهمات الرياض في الدعم المالي والاقتصادي المقدّم إلى بيروت على مدى عقود، يتغافل عن الأهمية الكبرى لحجم الدعم الذي سجّل رقماً غير مسبوق بلغ ما يزيد عن 70 مليار دولار ما بين العامين 1990 و2015. ويأتي ذلك بعد تقديم المملكة هذه المبالغ على شكل مساعدات وهبات كما على شكل استثمارات مباشرة أو غير مباشرة بما يشمل الودائع المصرفيّة والقروض الميسّرة، في حين قدّرت الاستثمارات الشعودية في لبنان بنحو 6 مليارات دولار بين سنتي 2004 و2015. وقد نقّحت مراجع علمية اقتصادية هذه الأرقام بحسب ما أكدت “روسيا اليوم”.

ولم يقتصر ترميم الخراب على مرحلة ما بعد الحرب الأهلية، في حين لعبت المملكة دور “البنّاء” بعد اندلاع حرب تموز 2006 حيث قدّمت مبالغ كبيرة إلى الحكومة اللبنانية. وقد بادرت السعودية سريعاً بعد مرور أيام قليلة على اندلاع الحرب إلى تحصين دعائم الاقتصاد اللبناني من التزعزع والانهيار بعدما وضعت وديعة قدّرت قيمتها بمليار دولار في مصرف لبنان من أجل حفظ الاستقرار المالي والنقدي. وفي ما يخصّ تدعيم عملية إعادة الاعمار بعد الدمار الذي خلّفته حرب تموز، ساهمت المملكة العربية السعودية في تقديم مساعدة على شكل هبة بلغت قيمتها 500 مليون دولار للعمل على المباشرة في عملية إعادة الاعمار. وباشرت سريعاً في إرسال مساعدات انسانية تجاوزت قيمتها 50 مليون دولار. وواكبت التعليم في المدارس الرسمية مع تقديم مبلغ 20 مليون دولار لدعم مسيرة التلاميذ الدراسية بعد الحرب. وقد شملت المساعدات المقدّمة إلى لبنان دول الخليج العربي على تعدّدها. ولم تلبث المملكة أن اعتزمت تقديم هبة لمساعدة الجيش اللبناني عام 2014 وقدّرت قيمتها بمبلغ 3 مليارات دولار، قبل أن تتوقّف الهبة لأسباب أكدت السعودية ربطها بمسؤولية “حزب الله”. والحال هذه، تكرّرت عام 2019 مع زيارة موفد مجلس الشورى السعودي إلى لبنان وتوقيعه 22 اتفاقاً، قبل احتدام تدخلات الحزب الخارجية وانخراطه في الحرب اليمنية وزعزعته أمن دول الخليج واستقرارها بما أوقف إمكان ترجمة الاتفاقات.

في المقابل، ماذا قدّمت ايران للاقتصاد اللبناني وسط هذه السنوات التي ارتبطت بدور “حاتم الطائي” الذي لعبته السعودية في تأمين غذاء الاقتصاد اللبناني وقوته الماليّة؟. لا تصحّ المقارنة بين دور سعودي ودور ايراني باعتبار أنّ السنوات الماضية لم يسبق أن سجّلت أي مساهمة ايرانية وازنة في مساعدة الدولة اللبنانية خلال سنوات الصعاب أو البحبوحة على السواء. وإذا ما تمّ استطلاع واقع المساعدات التي قدّمتها طهران للدولة اللبنانية في السنوات الماضية خارج نطاق تسليح “حزب الله” ومدّه بالمال، فإنّ ما يُذكَر هو مجموعة مساعدات ومشاريع عينية ضئيلة بالكاد يمكن رؤيتها بواسطة المجهر، لناحية ترميم طرق وبنى تحتية بمبلغ لم تتجاوز قيمته 25 مليون دولار عام 2007 كما مشروع سدّ مياه بلغت قيمته 40 مليون دولار، بالاضافة إلى تقديم بعض حملات المساعدات الغذائية والعينية. وأضيف إلى الحصيلة في الأشهر الماضية حملة دعائية متعلقة باستقدام باخرتي مازوت من ايران، مع الإشارة إلى أنّ الحزب اشترى المازوت ولم يوزّعه مجّاناً ولم يأتِ به على شكل نفقة من طهران بما لم يكن يستدعي “الهمروجة”.

هل من شأن هذه الهوّة ما بين أرقام المساعدات والهبات السعودية الضخمة من جهة والتقديمات الايرانية التي بالكاد تظهر أو تذكر من جهة ثانية، أن تفسّر أسباب الفوارق بين واقع “روما لبنان المزدهرة” في زمن الانفتاح والعلاقات الأخوية الطبيعية بين لبنان والسعودية، وبين “روما لبنان المحروقة” اقتصادياً ومعيشياً في “الزمن النيروني”؟

شارك المقال