المؤسسات الأمنية تحت ضربات القاضية… وعون عَ الله

هيام طوق
هيام طوق

لا يمكن وصف ما قامت به القاضية غادة عون في الايام القليلة الماضية من تسليط مطرقتها “القاضية” على آخر معاقل مؤسسات الدولة الشرعية سوى بالمشهد السوريالي لا بل الخيالي أو ماورائي في فيلم بوليسي يفتقر الى حبكة واقعية مقنعة لأنه بكل بساطة يحاول كاتب السيناريو ان يضرب ضربة من ضرباته الجنونية، ويهدم الهيكل فوق رؤوس الجميع انطلاقا من ايمانه بالمثل القائل: “عليي وع أعدائي مهما كلف الامر”.

تعدّدت الشعارات والقرارات والملاحقات والاتهامات والشخصيات إلا ان الهدف واحد: ضرب المؤسسات الشرعية وزعزعة أعمدتها وتفكيك بنيانها في وقت يواصل “حزب الله” تدعيم أعمدته العسكرية اذ تحدث أمينه العام السيد حسن نصر الله عن التطور النوعي لسلاحه وتعزيز ترسانته الصاروخية ذات “الرؤوس الذكية”، والاكتفاء الذاتي في تصنيع المسيّرات الحربية لدرجة إبداء الاستعداد للاتجار بها وعرضها للبيع على الراغبين بتقديم طلبات الشراء.

وفي نظرة سريعة لمجريات الاحداث، وبعيدا عن تحليل الاسباب والخلفيات، لا بد من التوقف عند معطى يعتبره الكثيرون بالغ الاهمية والخطورة، وهو على الشكل التالي: أولا، رئيس الجمهورية يتراجع عن الخط 29 في ترسيم الحدود وينقل طاولة التفاوض الى قصر بعبدا، ويسحب الملف من يد الوفد العسكري التقني مما تسبب بنكسة لوفد الجيش اللبناني. ثانيا، القضاء العوني كاد يتسبّب بصدام لا تحمد عقباه بين جهاز أمن الدولة وقوى الامن الداخلي على خلفية مطاردة حاكم المصرف المركزي رياض سلامة. ثالثا، تحرك عوني ضد المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان بتهمة منع تنفيذ مذكرة جلب بحق سلامة.

بالخلاصة، يبقى السؤال المشروع وسط هذا التدمير الممنهج: هل نحن أمام الفصل الاخير من اسقاط الدولة وتقويض مؤسساتها الشرعية؟ مع العلم ان هناك استنسابية في التعاطي مع هذه المؤسسات إذ سلمت المديرية العامة لأمن الدولة من مطرقة الملاحقات لأنها ببساطة الذراع الرئيسي للمجلس الأعلى للدفاع الذي يرأسه رئيس الجمهورية ميشال عون، والذي عيّن مديرا عاما لها اللواء طوني صليبا، والذي بدوره يؤمن الحماية للقاضية عون. وتؤكد أطراف مطّلعة على ان هذا الجهاز لم يعد جهازا بالمعنى الدقيق للكلمة لأنه بات أقرب الى ميليشيا، ويقوم بأعمال ميليشياوية ليست من عادات وقيم المؤسسات الامنية اللبنانية.

فتفت: تدمير الدولة للمزيد من السيطرة على الأجهزة

لفت الوزير والنائب السابق أحمد فتفت الى ان “ما رأيناه مؤخرا ممارسة سبق أن عشناها ايام الاحتلال السوري في استخدام طريقة مخابراتية قضائية. وتم تجاوز خطين حمراوين: موضوع استقلالية القضاء، والهجوم على مؤسسة أمنية. وهذا سبقه خطاب السيد نصرالله الذي هاجم فيه الجيش”.

وأضاف: “هذا المنهج الذي يستخدمه أصحاب الفكر الشمولي، يأتي ضمن مخطط واحد، ومشروع مشترك بين رئيس الجمهورية وحزب الله في محاولة القضاء على المؤسسات التي لديها حد أدنى من الاستقلالية. هذا رأيناه في الـ2000 في وجه الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وفي 2004 – 2005 قبل الاستشهاد”، متسائلا: “هل هذا مؤشر الى محاولة تدمير الدولة؟ محاولة تدمير الدولة واضحة، وكلام السيد نصرالله خير دليل، وهو يسير بما خطط له لوضع يده على البلد كليا، وبدأ بهذا المسار منذ سنة 2005 ومقاطعة الانتخابات في الـ2006 والاستقالة من الحكومة في الـ2007 ومحاولة منع الجيش من دخول نهر البارد في الـ2007 الى اجتياح بيروت في الـ2008 الى انقلاب القمصان السود في الـ2011، وهنا بدأ الانهيار الاقتصادي مع استيلاء الحزب على الدولة”.

وشدّد فتفت على ان “مسار تدمير الدولة مسار استراتيجي لدى الحزب، ونسمع في خطاباتهم بانهم غير مؤمنين بالبلد مع تبعية للحرس الثوري الايراني ولولاية الفقيه. لذلك، نتحدث عن وجود احتلال ايراني فعلي، مشيرا الى ان ما يقوم به رئيس الجمهورية هو محاولة الاستفادة من هذا الاحتلال، وتدمير الدولة للمزيد من السيطرة على الاجهزة القضائية والامنية”.

واعتبر فتفت ان “حزب الله يخاف من أمرين: ان تتخلى عنه ايران، ومن جبهة وطنية شاملة تتجاوز الطوائف والمناطق في وجهه، ويبقى هذا المشروع الوطني مسؤولية كل اللبنانيين، وهذا ما يجب ان نسعى اليه”. 

حمادة: محاولة للقضاء نهائياً على الجمهورية

اعتبر النائب المستقيل مروان حمادة ان “التدمير الممنهج الذي يشارك فيه الثنائي حزب الله – عون ضد الدولة اللبنانية بكل مقوماتها السياسية والدستورية والادارية والقضائية والاقتصادية والامنية بلغ أوجّه هذه الايام. بعد ان اقتربنا من نهاية العهد وبعد ان برز حزب الله كتابع كامل للارهاب الايراني على لبنان والدول العربية، نشهد الآن محاولة للقضاء نهائيا على جمهورية لبنان الكبير النهائية في حدودها، العربية في انتمائها وهويتها، الديموقراطية في نظامها، الحرة في عاداتها وتقاليدها”.

ورأى ان “التزامن في التصعيد على القوى الامنية وما يجري مع الوفد العسكري المفاوض في الترسيم يعني اعادة الورقة الى بعبدا للاتجار بها ومحاولة انقاذ الصهر من العقوبات الدولية، وهذه الورقة بالنتيجة في يد حزب الله يمدها احيانا ويشد عليها احيانا أخرى في ضوء المصالح الايرانية وتطور المفاوضات في فيينا. لبنان ليس له دور في ذلك انما سيبقى الجيش ساهرا وكلما حاولوا تشويه سمعته أو انتقصوا من قدرته على السيطرة على الارض سيتبيّن لهم ان الوقت يدور بسرعة وان الزمن سينقلب عليهم”.

وتابع: “السيد نصرالله يمعن في تدمير المؤسسات الشرعية منذ سنوات أي منذ أكثر من عقدين بعد ان انتهت المقاومة بتحقيق انتصار عام 2000، فحوّل الشهداء والشباب الذين استغلهم الى منصة ليس فقط لصواريخ ايران انما منصة للانقضاض على النظام اللبناني، وعلى حدود لبنان وعلى كيانه. وهذا ليس بالجديد، فالمسيّرات والصواريخ والادعاءات ورفع الصوت ورفع الاصبع، كل ذلك لن ينفع لأنه مصنف عالميا كإرهابي، والشعب اللبناني اكتشفه وسينتفض ضد ما هو الآن قابع تحته”.

وأكد ان “العهد يستخدم لغايته قضاءً عميلا وجهازا أصبح ميليشياويا بحجة ملاحقة حاكم مصرف لبنان، واستطرادا خرق كل الاصول القضائية والقانونية ووضع مفاوضات لبنان مع صندوق النقد الدولي في خطر داهم”.

وشدد حمادة على ” اننا سنتصدى لهذا الفصل الاخير بكل قوة لا دفاعا عن رياض سلامة ولكن دفاعا عما تبقى في لبنان من نظام ديموقراطي ومن مناقبية قضائية يحميها بعض القضاة في مجلس القضاء الاعلى والنيابة العامة التمييزية، وهم يضعون حدا للقاضية التابعة للغرف السوداء في بعبدا. أما الاعتداء عبر الحجج القانونية على المدير العام لقوى الامن الداخلي لارتكاب لم يرتكبه فسيواجه بكل الاساليب السياسية والقانونية والشعبية، ولن نسمح لأحد من بعبدا أو غيرها ومن الضاحية أو غيرها ان تمتد الى قوى الامن الداخلي او الى الجيش اللبناني بأي حجة من الحجج”.

شارك المقال