الكنيسة تنفي المعلومات المفبركة… والفاتيكان يعمل بديبلوماسية أخلاقية

هيام طوق
هيام طوق

العلاقة التاريخية والروحية التي تربط الكرسي الرسولي ببلد الأرز ليست جديدة بل تعود الى 75 سنة الى الوراء. وبدأ الاهتمام البابوي بلبنان منذ أن نشأت العلاقة الديبلوماسية بين البلدين حيث أن الكرسي الرسولي كان ولا يزال يعتبر لبنان بحضوره المسيحي – الاسلامي قادراً على بناء حضارة مشتركة تكون نموذجاً ورسالة مناقضة للصراعات العرقية أو الطائفية أو الدينية التي يشهدها الشرق.

وإذا اعتبرت زيارة القديس يوحنا بولس الثاني الرسوليّة إلى البلاد في العاشر من أيار عام 1997 بمناسبة توقيع الإرشاد الرسولي لما بعد السينودس “رجاء جديد للبنان” ثمرة السينودس الذي عقد في روما عام 1995، والزيارة الرسولية للبابا بنديكتوس السادس عشر عام 2012 التي تم خلالها توقيع الإرشاد الرسولي لما بعد السينودس “الكنيسة في الشرق الأوسط” في بيروت، عقب سينودس الأساقفة من أجل الشرق الأوسط الذي عُقد عام 2010، محطتان أساسيتان بالغتا الأهمية تدلان على عمق القلق الفاتيكاني من الواقع الدراماتيكي في لبنان، إلا أن البابا فرنسيس يكاد لا ينسى بلد الأرز يوماً واحداً، وتكاد لا تمر مناسبة أو لقاء مع قادة العالم الا ويذكر بضرورة انقاذ البلد من السياسيين المسؤولين الذين وجه اليهم أكثر من رسالة حين قال لهم بالمباشر: “كَفَى أن يَبحَثَ عَدَدٌ قَليلٌ مِنَ الناسِ عَنْ مَنفَعَةٍ أنانِيَّة علَى حِسابِ الكَثيرين”، وهذا ما أكد عليه أمين سر الفاتيكان للعلاقات مع الدول (يساوي منصب وزير الخارجية) المطران بول ريتشارد غالاغير خلال زيارته الاخيرة الى بيروت، حيث دعا من هم في السلطة إلى وضع “نهاية لتربح القلة من معاناة الأكثرية، ولأن يتخذوا القرار الحاسم بالعمل من أجل السلام وليس من أجل مصالحهم”.

غالاغير كما دوائر الفاتيكان يعلمون الشاردة والواردة في لبنان، ومهتمون ببلد الأرز أكثر ممن هم في السلطة، وأراد من خلال زيارته الى بيروت أن يرى بأم العين حقيقة الأمور، فدعا الى التوقف عن استخدام لبنان “من أجل المصالح الخارجية، ويجب أن يحظى الشعب اللبناني بفرصة لأن يكون بأبنائه مهندساً لمستقبل أفضل على أرضه بعيداً من أي تدخل خارجي”. وكانت الديبلوماسية الفاتيكانية قد أعلنت سابقا أنها تعمل لإخراج لبنان من الصراعات الإقليمية.

وعبّر الرسول الفاتيكاني عن خشيته من “ألا يكون مستقبل هذا الوطن مضموناً”، داعياً الجميع “وكل القادة سواء محلياً أو دولياً، الى الحفاظ على لبنان كرسالة للعيش معاً والأخوة والرجاء بين الأديان”.

وما كان لافتاً في هذا الاطار، حين أعرب غالاغير عن استعداد بلاده لاستضافة حوار بين الفرقاء السياسيين إذا طلبوا جميعهم ذلك، في خطوة تعتبر الأولى من نوعها من قبل دولة لا مصالح لها في لبنان لأن الفاتيكان لا يريد أن يطغى فريق على آخر بقوة السلاح، وفق مصدر كنسي لـ”لبنان الكبير”.

وأكد المصدر أن “ما يتم تداوله في بعض الصحف عن الحوار الذي طرحه غالاغير خلال زيارته الى لبنان خصوصاً في الشق المتعلق بحزب الله واسقاطه عن قوائم الارهاب الدولي والأميركي، كلام مجتزأ وغير دقيق لأنه أظهر وكأن هناك مباركة فاتيكانية لصفقة على حساب لبنان، والواقع عكس ذلك تماماً إذ أن الفاتيكان يعتبر أن البلد في خطر شديد ولا يمكنه القيام وانشاء دولة حقيقية وطبيعية في ظل سلاح حزب الله، لذلك طرح فكرة حوار في الفاتيكان اذا أراد الجميع ذلك لأن الكرسي الرسولي لا يؤمن بالقوة والحرب بل يسير وفق مبادئ الحوار والسلام والعدالة”، مشيراً الى أن “الفاتيكان يعرف أن حزب الله وامتلاكه السلاح ليس أمراً طبيعياً وصحياً في الدولة انما لا يسعى الى محاربته بل امكانية محاورته واقناعه بمسار بناء دولة فعلية موحدة، وأن يكون السلاح في يد الشرعية دون سواها، اذ لا يجوز الاستقواء بالسلاح على أطراف أخرى. وأي كلام خارج هذا الهدف غير دقيق ولا يمت الى الحقيقة بصلة”.

ولفت الى أن “الفاتيكان ينادي بتطبيق القرارات الدولية والحفاظ على الهوية الوطنية بعيداً من المحاور الاقليمية، وينادي بالحياد، إذ أن السياسة الفاتيكانية تؤيد الحياد منذ عهد البابا بينديكتوس الخامس عشر في آب 1920 أي قبل إعلان دولة لبنان الكبير، مع العلم أن أول من طالب بالحياد وتحييد لبنان كان البطريرك (أنطون) عريضة عام 1941”.

وشدد المصدر على أن “دولة الفاتيكان لا تتدخل في تفاصيل الشؤون السياسية الداخلية كما يتم التداول به في بعض وسائل الاعلام، انما بطريقة سلسة وديبلوماسية تحت سقف السلمية لصالح الخير العام وصولاً الى العدالة والسلام ووحدة الشعوب. وما يتم تداوله ليس صادراً عن الدوائر المعنية في الفاتيكان”.

معلومات مفبركة تستند الى مصادر مشبوهة

وقال المدير التنفيذي لـ”ملتقى التأثير المدني” زياد الصائغ في حديث لـ”لبنان الكبير”: “الفاتيكان يعلم بالعمق الانقلاب على الدستور الذي يعاني منه الشعب اللبناني بسبب الاستقواء بسلاح خارج المؤسسات الشرعية الدستورية، واستشراء الفساد في كل المنصات المعنية بالخير العام، وبالتالي، تمييع هذا التشخيص من خلال بث معلومات مفبركة تستند الى مصادر مشبوهة ومفتعلة، يسيء الى المصادر الكنسية نفسها، هذا ان وجدت أصلاً، وإلى مروّجات هذه المعلومات غير الصحيحة ومروّجيها”.

أضاف: “لا يخفى على أحد أن الفاتيكان يعمل في لبنان وفي العالم بديبلوماسية أخلاقية أساسها صون كرامة الانسان، وبناء السلام، وما وثيقة الأخوة الانسانية التي وقعها البابا فرنسيس مع شيخ الأزهر، وحصّنها في لقائه مع السيد (علي) السيستاني سوى تأكيد على هذا النهج. وبالتالي، لبنان الرسالة لا يمكن أن تنظر اليه الفاتيكان كمنصة صواريخ، ومخزن أسلحة، ومورّد مقاتلين، ومصنع ومهرب مخدرات، وديموقراطية تعطيلية، واستفحال تجويع وتيئيس وتفقير تقوم به المنظومة حاكمة ومتحكمة بشعبها، واللبيب من الاشارة يفهم”.

وتابع: “الفاتيكان معني بصيغة العيش الواحد في لبنان حيث لا اقصاء، لكن لا استقواء، ولا فوائض قوة، ولا خروجاً عن الشرعية الدستورية، ولا تدميراً للحريات، ولا انقضاضاً على الفرادة التربوية الثقافية، ولا تطويعاً للتعددية في خدمة مشاريع إيديولوجية لا علاقة لها باختباره التاريخي الحضاري. الفاتيكان يعي بالعمق هوية لبنان العربية، وسمة الحياد المؤسسة في ميثاقه، فهل أوضح من ذلك؟”.

وعما يتم الحديث عنه في بعض الوسائل الاعلامية، عن مباركة الفاتيكان لصفقة على حساب لبنان، قال الصائغ: “فليقرأوا التاريخ. حضارة الكلمة أقوى من استعراضات السلاح”.

شارك المقال