الأزمة الأوكرانية: ماذا حقق بوتين حتى الساعة؟

حسناء بو حرفوش

لقد تغير الوضع الراهن على الحدود الأوكرانية – الروسية ولن يعود كما في السابق، حتى ولو تم تجنب الصراع. وتتعدد الأسباب التي تدفع للاعتقاد أن الصراع وشيك، في ظل ازدياد الحشود العسكرية الروسية وإضافة عناصر الدعم التكتيكي، بما في ذلك الوحدات الطبية، إلى المجموعة الروسية الكبيرة والشاملة بالفعل من القوات والمعدات المنتشرة في شرق وشمال وجنوب أوكرانيا.

وتنذر التعليقات الروسية بالسوء، خصوصا أن إعادة دمج أوكرانيا في “روسيا الكبرى” ستعزز فرص بوتين المنصوص عليها دستوريا للحكم حتى العام 2036. عدا عن ذلك، إذا شنّت روسيا الهجوم، قد يتغلب اقتصادها المحصن على جولة جديدة من العقوبات لعدة سنوات. لكن ماذا يريد بوتين حقا؟

“لقد حقق بوتين حتى الآن مطلبين، حسب قراءة لـ”تشاتام هاوس”، فمن شأن التوسع في أوكرانيا أن يزيل حاجزا حاسما بين روسيا وحلف الـ”ناتو”. ولا شك أن بوتين أحرز تقدمًا ببساطة لناحية وضع علامة لا لبس فيها على عضوية أوكرانيا في الـ”ناتو”. وذكّر العالم وقيادة أوكرانيا بالضعف الاستراتيجي لذلك البلد. كما صرح الرئيس الأميركي جو بايدن ونظراؤه الأوروبيون بأن الـ”ناتو” لن يرسل قوات للدفاع عن أوكرانيا إذا تعرضت للهجوم.

أما إذا كان هدف بوتين الآخر هو إعادة تركيز اهتمام الولايات المتحدة، وبدرجة أقل، الاهتمام الأوروبي بعيدًا عن الصين والعودة إلى روسيا ومصالحها الأمنية، فقد نجح أيضا. وعرض الـ”ناتو” بعض إجراءات بناء الثقة الجديدة حول إجراء التدريبات العسكرية ونشر القوات، بينما قد تبدي الولايات المتحدة استعدادا للدخول في مفاوضات بشأن معاهدة جديدة مع روسيا للحد من الصواريخ النووية المنتشرة في أوروبا. وهذا يعني تنحية التهديد المتزايد الذي تشكله الصواريخ الصينية التي دفعت جزئيًا إدارة دونالد ترامب للانسحاب من جانب واحد من معاهدة القوى النووية المتوسطة المدى. ومع ذلك، يجب مراعاة سيناريو آخر. فهدف بوتين يتمثل بتصحيح “الخطأ” التاريخي المتمثل بانفصال أوكرانيا عن روسيا عام 1991، ويلقي الرئيس الروسي باللوم على الولايات المتحدة في تعميق الخلاف والعداء بين أوكرانيا “الشقيقة” وروسيا. وتكمن المشكلة في استحالة إعادة أوكرانيا بشكل دائم إلى دائرة نفوذ روسيا من دون شكل من أشكال التدخل العسكري الجديد.

خيارات بوتين

واقتصرت استراتيجية بوتين حتى الآن على ضمان حصول الأجزاء الأوكرانية المنفصلة من دونيتسك ولوغانسك على حق قانوني لعرقلة أي جهود مستقبلية من قبل الحكومة الأوكرانية المركزية للانضمام إما إلى الاتحاد الأوروبي أو الـ”ناتو” (…) وإذا قرر بوتين الآن تقويض السيادة الأوكرانية بشكل أكثر وضوحا، يمكنه أن يأمر بتدخل عسكري محدود في هذه الأراضي المحتلة وربما المناطق المتاخمة لها وشبه جزيرة القرم، بحجة “حماية” المجتمعات الناطقة بالروسية هناك.

وبالإمكان تحقيق ذلك بشكل سهل نسبيا، وقد يؤدي، جنبا إلى جنب مع فرض حصار على موانئ أوكرانيا على البحر الأسود، إلى زعزعة استقرار الحكومة في كييف بنجاح. لكن من شأن مثل هذه الخطوات أن تؤدي إلى عقوبات اقتصادية دولية وتدفع أوكرانيا أكثر نحو الغرب. وقد تشبه أي “حرب خاطفة” في القرن الحادي والعشرين للاستيلاء على الأراضي الأوكرانية حتى نهر دنيبرو بما في ذلك كييف وجميع النقاط شرقاً، تحقيق إرث بوتين الإقليمي والتاريخي. وهذا خيار ممكن الآن بالنظر إلى التفوق العسكري لروسيا. لكن ليس من الأكيد مدى سهولة احتفاظ روسيا بالإقليم وتعزيز سيطرتها السياسية عليه عدا عن التكاليف الاقتصادية والديبلوماسية عالية المخاطر وطويلة الأجل لروسيا ولبوتين شخصيا.

وبشكل عام، يبقى التدخل العسكري الروسي في الأيام أو الأسابيع المقبلة أقل احتمالًا وليس مرجحا. قد يقبل بوتين حتى الآن تسوية ثنائية جديدة ومرئية مع الولايات المتحدة بشأن مستقبل الأمن الأوروبي. ومع ذلك، ستظل المواجهة العسكرية بشأن أوكرانيا شديدة إذ يسعى بوتين لاستخدام الضغط الخارجي المستمر لتقويض أوكرانيا من الداخل، ولأن بوتين لا يمكنه إيقاف قواته بالكامل من دون احتمال إخضاع أوكرانيا على الأقل.

ومع ذلك، لمجرد أن التدخل العسكري ينطوي على مخاطر عالية فهذا لا يعني أنه لن يحدث أبدا. ويجب أن يؤخذ ما يكتبه بوتين وما يقوله على محمل الجد، مما يعني أن قرار حكومتي الولايات المتحدة وبريطانيا حول المخاطر التي تشكلها الإجراءات الروسية الحالية هو قرار صحيح. وبالتالي، لا يجب التمسك بالعجز عن وقف الهجوم كسبب لعدم الاستعداد له”.

شارك المقال