المسيّرات لإبقاء لبنان “مسيّراً” من إيران بعد فيينا

وليد شقير
وليد شقير

ينطوي إدخال “حزب الله” المسيّرات الى ترسانته العسكرية في لبنان ومنه، على تطور أبعاده تتخطى حكماً متطلبات المواجهة المفترضة بين الحزب وإسرائيل. ومن مفاعيل إعلان الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله عن أن حزبه صار يصنع هذا النوع من الأسلحة أنه يحقق خبطة إعلامية قبل أن يكون تطوراً عسكرياً. وهو خبطة إعلامية في اتجاهات عدة.

أول المفاعيل الإعلامية هي الرسالة إلى الجانبين الأميركي والإسرائيلي، أن كافة عمليات القصف التي نفذتها إسرائيل في سوريا، وبعضها استهدف شحنات أسلحة ومعدات عسكرية وتقنية إيرانية تم شحنها في البحر من أحد المرافئ الإيرانية إلى سوريا، لم تحُل دون وصول المسيّرات إلى الحزب في لبنان. وتشمل الرسالة الإيرانية الإعلامية القول أنه على دقة المعلومات الاستخباراتية الإسرائيلية، التي مكّنت إسرائيل من تدمير بعض الشحنات فإن شحنات أخرى تحوي معدات وأسلحة قد نجت من القصف الإسرائيلي. فقد سبق أن تسربت معلومات عن أن القصف الذي استهدف مرفأ اللاذقية في ٢٨ كانون الاول ٢٠٢١ وأدى إلى نشوب حريق كبير في رصيف الحاويات من دون أن يحدث انفجارات قوية سببه أن الحاويات القادمة من طهران تحوي هذا النوع من القطع التي يمكن إعادة تركيبها بعد تفريغها ونقلها إلى مستودعات خاصة ومشاغل عسكرية.

وحسب الخبراء فإن ثاني المفاعيل الإعلامية لإعلان نصر الله أنه سواء كانت هذه المسيّرات وصلت إلى سوريا موضّبة في حاويات، على شكل قطع تحتاج إلى إعادة تركيبها، ثم تمت عملية جمعها بعد نقلها إلى مستودعات الحرس الثوري في سوريا، أم أنه تمت تركيب هياكلها بعد وصولها إلى مستودعات الحزب في لبنان، فهذا لا يلغي أنها إيرانية الصنع وأن الخبرة التقنية لإعادة التركيب هي خبرة إيرانية بامتياز. والهدف من قول السيد نصر الله أن الحزب يصنّع المسيّرات إبعاد التهمة عن إيران بأنها وراء استخدام هذه المسيّرات، إذا ما استخدمت لاحقاً، سواء ضد إسرائيل أو ضد أي جهات أخرى في لبنان أو انطلاقاً منه.

والإعلان عن قيام الحزب بصناعة المسيّرات شبيه بالإعلان السابق من قبل نصر الله، بأن المسيّرات التي أطلقها “أنصار الله” الحوثيون في اليمن ضد المملكة العربية السعودية وأبو ظبي ودبي، هي من تصنيع يمني، وليست إيرانية المصدر والمنشأ. وكان الهدف في حينها إبعاد التهمة التي وجهها الناطق باسم قوات التحالف ضد الحزب بأن خبراءه الذين سبق أن تدربوا في إيران على استخدام هذا السلاح التقني هم وراء إطلاق المسيّرات على السعودية، وضد المعلومات التي أعلنها الأميركيون أن هذه المسيّرات من صنع إيراني. فاتهام طهران كان طبيعياً استناداً إلى أن بقايا تلك الطائرات المسيّرة وُجدت عليها كتابات إيرانية ومكوناتها نسخة عن مسيّرات إيرانية، سبق أن أُسقطت، فضلاً عن أن طهران تفاخر بتصنيعها تلك الطائرات من دون طيار، وسبق أن استعرضتها علناً وسرّبت صوراً لأسراب صناعتها المتقدمة منها، بهدف الإفصاح عن أنها تمتلك التقنية التي تمكّنها من استخدام هذا السلاح خصوصاً عندما تكون الطائرات من دون طيار محمّلة بالمتفجرات.

لكن طهران التي يستخدم وكلاؤها في المنطقة، سواء في اليمن أو في العراق حيث يتم استهداف مواقع أميركية أو عراقية مناهضة لـ”الحشد الشعبي”، أو في سوريا، هذا النوع من السلاح، تحرص على أن يكون موقعاً باسم غيرها، لتجهيل هوية مطلقيها، من أجل التنصل من التهمة في حال وُجهت إليها. والأمر ينطبق على إطلاق هؤلاء الوكلاء للصواريخ المتوسطة المدى أو البعيدة المدى التي سقطت وتسقط على الأراضي السعودية والإماراتية والعراقية.

وفي وقت يعتقد الخبراء أنه، بالإضافة إلى الأهداف الإعلامية لإعلان الحزب تصنيعه المسيّرات، فإن لذلك، مقروناً بإطلاق المسيّرتين نحو أجواء فلسطين المحتلة، الأولى أسقطها الجيش الإسرائيلي والثانية، “حسان” عادت سالمة، هناك وظائف سياسية شتّى للعمليتين. وفي وقت أصبح شائعاً أن طهران تعمل على تقوية أوراقها التفاوضية قبل إنجاز اتفاق فيينا بالعودة إلى الاتفاق النووي، وتمهيداً لمرحلة ما بعده من احتمال التفاوض على الصواريخ الباليستية وتدخلاتها الإقليمية، فإنها تبقي على ورقة استهداف إسرائيل حاضرة في أي مفاوضات أو ضغوط تعقب إنجاز الاتفاق على النووي، بالمزيد من استعراضات القوة.

ومع أن المواجهة العسكرية على الجبهة اللبنانية مع إسرائيل باتت مستبعدة، كما سبق لنصر الله أن أعلن في مقابلته التلفزيونية مع قناة “العالم” الإيرانية في 8 شباط بسبب تنامي قوة الردع التي باتت بحوزته، فإن هذا ينفي الحاجة إلى استعراضات القوة هذه، ولا سيما أن المسيّرات التي أعلن الحزب امتلاكها هي لجمع المعلومات.

من الوظائف السياسية لإطلاق المسيّرتين في الأيام الماضية، والإعلان عن تفعيل وسائل الدفاع الجوي لدى المقاومة، إفهام المطالبين بنزع سلاح المقاومة وتطبيق القرار الدولي الرقم 1559 أن هذا السلاح تجاوز امتلاك الحزب للمدفعية والقوة الصاروخية وصولاً إلى سلاح جوي، بحيث أن تقدم نوعية أسلحته يضع الحزب في مكان يتجاوز إمكان الاستجابة لمطلب كهذا. وإذ فتح نصر الله هلالين في خطابه الأخير ليقول في سياق حديثه ان الحزب مستعد ليناقش الاستراتيجية الدفاعية (التي تعني بحث مسألة سلاحه)، فإنه بالمسيرات التي يمتلكها يبلغ من يهمه الأمر بأن الحزب هو من يضع الاستراتيجية الدفاعية والآخرون يتوقع منهم التسليم بما يقرره في هذا الشأن.

وثمة وظيفة للإعلان عن تصنيع الحزب المسيّرات تأتي في السياق عينه الذي استدعى من نصر الله أن يقدم مطالعة مطولة في مقابلته مع قناة “العالم” في معرض رده على وصفه من قبل بعض خصومه بأنه حزب “إيراني” نظراً إلى خضوعه للمشروع الإيراني في المنطقة، وتأكيده على لبنانية الحزب “من رأسه إلى أخمص قدميه”. كأن هذه “التهمة” أخذت من كثرة تردادها تتسرب إلى عقل ومناخ بعض الجمهور الشيعي، الذي صار يتبرّم من أضرار إلحاق البلد بالأهداف والخصومات الإيرانية مع الدول العربية. وبهذا المعنى فإن وظيفة الحديث عن التصنيع الذاتي ثم إطلاق المسيّرات، إقناع الجمهور بالقوة والاعتزاز والقدرة على مقارعة إسرائيل، مقابل التردي المعيشي وتدهور أوضاع هذا الجمهور أسوة بسائر اللبنانيين.

في اختصار وليس بعيداً عن قناعة الكثير من اللبنانيين، يرمز الحديث عن المسيّرات والضجة حول إطلاقها إلى أن البلد “مسيّر” من قبل القرار الإيراني أكر من أي وقت مضى.

شارك المقال