الحزب والجماعة وجهان لعملة واحدة

أحمد عدنان
أحمد عدنان

مؤخرا قام أمين عام ميليشيا “حزب الله” بالهجوم على الجيش اللبناني، وقد ذكرني ذلك بهجوم الإخوان المسلمين المزمن على الجيش المصري.

هناك علاقة معقدة تجمع بين إيران وجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، على الرغم من التباين الطائفي والمذهبي، فمن حيث الشكل للثورة الإيرانية مرشدها وقبل ذلك كان للجماعة مرشد، ومن حيث المضمون – على سبيل المثال أيضاً – تعد أدبيات سيد قطب مرجعاً رئيساً للثورة الإسلاموية الإيرانية وملحقاتها، وفي المقابل وجدت الجماعة نفسها منساقة إلى المرجعية الإيرانية الخمينية سياسياً، إذ أصبحت إيران الإسلاموية موضوعياً مرجعاً للحركات الإسلاموية الثورية أياً تكن طائفتها، لذلك لم أتعجب حين بثت قناة “العربية” – قبل نحو عامين – خبراً عن زيارة قاسم سليماني لإخوان مصر زمن حكمهم واقتراحه عليهم أن يؤسس لهم ميليشيا شبيهة بالحرس الثوري.

حين حكمت جماعة الإخوان مصر، التقت مع المشروع الإيراني التوسعي من الضفة الأخرى، فحيث أن إيران ترغب في الاستيلاء على الدول الخليجية والعربية من الخارج، سعت الجماعة إلى الهدف نفسه من داخل هذه الدول، ومن دلائل ذلك الخلايا التي تم كشفها في السعودية وفي الإمارات، والمحاولات المشبوهة المرصودة في الكويت، وكأن الهلال الفارسي يتعانق مع الهلال الإخواني في مسرح العمليات نفسه، وحين سقط حكم الرئيس محمد مرسي لم يكن بيان وزارة الخارجية الإيرانية الرافض للثورة اعتباطياً.

هذه المقدمة ضرورية للتأكيد على المقارنة المنطقية والمشروعة بين ميليشيا “حزب الله” والجماعة البائدة، ولعل نقطة البداية أن الحزب الإلهي مثل الجماعة الإخوانية، لم يفوضهم الله أو رسوله لتمثيل الله أو الإسلام والمسلمين.

إن رؤية أحوال “حزب الله” في لبنان اليوم تذكرنا حتماً بأحوال الجماعة في أوجيها الشعبي والرسمي ثم في مرحلة التداعي، إذ تمتعت الجماعة بشعبية عابرة للشرائح في مصر بفضل شعارها الجذاب “الإسلام هو الحل”، وبفضل شبكة الخدمات التي وفرتها مجاناً أو بأسعار رمزية للمواطنين، وتزامن ذلك مع سند دولي ناعم ثم خشن وفرته دول إقليمية معروفة، وفيما بعد انجذبت بعض الأوساط الغربية للتحالف مع الإسلام السياسي.

والحقيقة أن الجماعة، خصوصاً في النصف الثاني من مرحلة الرئيس حسني مبارك، أصبحت شريكاً في السلطة، سواء عبر كتلتها البرلمانية، أو عبر غض الطرف الرسمي عن نشاطاتها الاجتماعية، إذ اعتبرت السلطة المصرية حينها أن خدمات الإخوان لبعض المواطنين قد تحرر الدولة من بعض الواجبات والنفقات.

لا يختلف الحزب الإلهي اليوم عن حال الجماعة بالأمس إلا في التركيبة الطائفية اللبنانية التي تقدم غطاء حاضناً للحزب، ولنعط مثالاً واضحاً: لم تنكشف الجماعة تماماً أمام الشعب المصري إلا بعد تولي الحكم – عقب ثورة ٢٥ يناير – ثم سقوطها، وتفاجأ بعض المتعاطفين مع الجماعة من وجهها الإرهابي الخفي الذي ظهر إلى العلن بفجاجة عبر الإرهاب التي تصارعه مصر منذ ثورة ٣٠ يونيو. وفي المقابل فإن وجه “حزب الله” الإرهابي مكشوف تماماً، من اغتيال الرئيس رفيق الحريري وأحداث ٧ أيار مروراً بجرائم القتل والتهجير في سوريا وليس انتهاء بتعطيل التحقيق في قضية إنفجار المرفأ، لكن ما يهضم هذا الإرهاب في الداخل اللبناني، أن الحزب أصبح مركزاً لتوزيع السلطة، وبالتالي رغب أغلب زعماء الطوائف بداية من 2013 تقريباً في اتجاه التهدئة مع الحزب تعويضاً للترهل المحلي، أو انعكاساً للإهمال الدولي، أو طمعاً في مكاسب الحكم، أو حذراً من اقتتال أهلي محتمل في حال قامت مواجهة جدية، فالحزب يقدم نفسه كممثل لكل الشيعة وليس لبعضهم. ولفهم شعبية “حزب الله” داخل الطائفة الشيعية يمكن تقسيمها إلى ٣ دوائر: الأولى هي للشريحة العقائدية وهي الأصغر، وتستمد قوتها من السلاح ومن المال ومن العباءة الأيديولوجية (الغطاء الإيراني الكامل). والثانية هي الشريحة التي ربطتها المصالح المادية بالحزب الإلهي. والثالثة هي شريحة مع الغالب أياً يكن.

حال “حزب الله” في لبنان يتطابق إلى حد التماثل مع حال جماعة الإخوان في مصر قبل ثورة ٣٠ يونيو، في يد الميليشيا الإيرانية مفاتيح السلطة تهب الملك للحلفاء وللأتباع وتنزعه من المعارضين، وتحظى الميليشيا بعصبية واضحة داخل طائفتها، وتتغلغل داخل الطوائف الأخرى عبر عملائها وميليشياتها، وأصبحت لها كلمة في بعض الخارج تماماً مثل الجماعة.

لكن أوجه الشبه السلبية تتطابق هي الأخرى وهنا مكمن الضعف، لم يشبه الإخوان بعقائدهم ومشاريعهم مصر في شيء، تماماً مثل “حزب الله” الذي لا يشبه اللبنانيين أبداً، ربما كان الحزب أقرب الى حركة طالبان الأفغانية من حركة “أمل” الشيعية اللبنانية، أنظر إلى حربهم على الفن والثقافة الشعبية، وتمييزهم ضد المرأة، والغائهم للكفاءات وللأسر المرموقة، ثم فلنتحدث عن الرابط بين الحزب ولبنان.

ومكمن الضعف الأخطر، أن صعود الحزب أصبح يعني سقوط لبنان وخطراً مباشراً على مصالح اللبنانيين كما أثبتت الأزمات الاقتصادية والمالية الراهنة، وكما أثبتت ردود الفعل المحلية كلما لوح الحزب بالتصادم مع إسرائيل لمصلحة إيران. زعم الحزب يوماً أنه يحمي لبنان، واليوم هو يستجدي حماية اللبنانيين.

كما شكل وصول الإخوان إلى الرئاسة في مصر نقطة التراجع ثم النهاية بالنسبة إلى الجماعة، يمكن القول إن وصول حليف الحزب إلى الرئاسة وفوز قوى الثامن من آذار في الانتخابات البرلمانية الأخيرة بأنه نقطة التراجع بالنسبة إلى الحزب، والتاريخ اللبناني يعلمنا الكثير، لم يتصور أحد إمكانية خروج منظمة التحرير الفلسطينية ثم الوصاية السورية، ولم يتصور أحد أن حزب “القوات اللبنانية” يمكن أن يسلم سلاحه وينخرط بكل إخلاص داخل منطق الدولة وجسمها، لكن كل ذلك حصل، سواء بسبب العوامل الداخلية والخارجية أو بسبب العقيدة الوطنية المفقودة لدى الحزب الإلهي الذي يتباهى علناً بأنه حزب إيران وولاية الفقيه، وهنا وجه شبه جديد مع الأخوان: يقدم الحزب أوامر إيران ومصالحها على مصالح لبنان، وجعل الإخوان مصلحة الجماعة فوق مصلحة مصر، والسبب هو ارتباط مفهوم الوطن عند الإسلام السياسي بالجغرافيا بدلاً من الارتباط بقيم الهوية والانتماء. واذا كان الوطن مجرد بقعة جغرافية عند معتنقي الاسلام السياسي، فالدولة عندهم مجرد غنيمة للحكم والسلطة، وهذا ما يفسر الفشل المريع والقاطع للحزب والجماعة في إدارة الدولة. وفوق ذلك عند زمرة الاسلام السياسي تأتي قيمة الفتوى مقدمة على قيم القانون، ولا تبنى الدول الا بالقوانين والمؤسسات، بينما الحزب والجماعة في صراع دائم مع المؤسسات والقانون.

إن تشابه “حزب الله” وجماعة الإخوان المسلمين ليس مستغرباً، فالإسلام السياسي نوع واحد وإن اختلفت درجاته، والنهاية هي الإرهاب والهلاك حكماً وحتماً، تعد جماعة الإخوان أماً للحركات الإرهابية، أما واجبات الأبوة فتقوم بها الجمهورية الإسلاموية الإيرانية، من اعترض على الجماعة بالأمس تم اتهامه بالكفر، ومن يهاجم الحزب اليوم يرمونه بالعمالة، ولو انتقل الحديث إلى الجرائم المباشرة أو المقنعة فحدث ولا حرج، أما المشهد الأطرف فهو حديث الإخواني عن القانون والديموقراطية وحقوق الإنسان تماماً كحديث ميليشيا “حزب الله” عن السلم الأهلي والعيش المشترك ومكافحة الفساد، وهذا المشهد يعكس باطنية وضلال الإسلام السياسي كله.

لقد وصلت جماعة الإخوان إلى أوج السلطة، واليوم توزعت عناصرها بين المنافي والسجون والمشانق، ويحسب للمصريين أنهم استطاعوا التحرر من سلطان الجماعة ثم القضاء عليها مع الحفاظ على وحدتهم ودولتهم بمساندة دول الاعتدال العربي، فماذا سيفعل لبنان وهل سينجده العرب؟ “من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد”.

شارك المقال