الخلاف الروسي – الغربي حول أوكرانيا

المحامي محمد مكي

للتذكير بأزمة الصواريخ الكوبية عام 1962.

رؤساء كل من روسيا وكوبا نيكيتا خروتشوف وفيديل كاسترو قررا وضع الصواريخ الروسية في الأراضي الكوبية بموجب اتفاقية بين البلدين ولأن لهما الحق المطلق بوصفهما دولتين مستقلتين ذواتي سيادة وهذا واقعي وصحيح. وتنفيذاً لهذا الاتفاق قامت روسيا بنقل قطع الصواريخ لتجميعها في كوبا وأغضب هذا التصرف الولايات المتحدة الاميركية وعرفت بأزمة الصواريخ الكوبية آنذاك والتي كادت أن تفجر حرباً عالمية ثالثة. وقد أبلغ الرئيس الاميركي جون كينيدي الروس العودة بالسفن العسكرية المحملة بأجزاء الصواريخ الى روسيا والا ستدمر في البحر ولو أدى الأمر الى اندلاع الحرب العالمية الثالثة.

فعلاً انصاع الروس وعادت السفن الروسية الى موانئها ولكن من دون الخروج خاليي الوفاض وقاموا بتسوية تمثلث بسحب الصواريخ الاميركية من تركيا مقابل سحب روسيا الصواريخ من كوبا.

كل من الدولتين تضع صواريخ على حدود الأخرى، وتشكل تهديداً وجودياً للأخرى.

وهذه الاتفاقية كانت سرية فيما مضى بناء لطلب الرئيس كينيدي لكنها عرفت بعد ذلك، وساعدت هذه التسوية على عدم اندلاع حرب كونية.

حالياً حلف الناتو بالنسبه الى روسيا بوتين يعتبر تهديداً وجودياً ومصيرياً، هذه وجهة نظرهم سواء قبل العالم بالأمر أو لم يقبل، وسواء كان حقيقة أم لا.

فعلياً هذا هو الواقع وما تبدو عليه الأمور، وليس مناورة سياسية بل حقيقة مصيرية للروس، كيف تتقبل روسيا أن يصبح حلف الناتو، الذي تعتبره تهديداً وجودياً لها، على حدودها؟

لاتفيا على حدودها واستونيا أيضاً وهما ضمن الناتو، والآن أوكرانيا تريد أن تنضم الى الغرب، وهي قصه معقدة ولكن أميركا تحرك الخيوط وتلعب دوراً محورياً في ذلك.

اذا انضمت الى الغرب فإن المنطق يقول بأنها ستنضم الى الاتحاد الأوروبي وتصبح أحد أعضاء الناتو وهي على الحدود الروسية أيضاً، شبه جزيرة القرم تتبع تاريخياً روسيا، ولطالما كانت مدينة سيفاستبول مقر البحرية الروسية في البحر الأسود، فإذا بقيت جزيرة القرم تابعة لأوكرانيا، واذا انضمت أوكرانيا الى الناتو بعد دخولها الاتحاد الأوروبي فإن الأسطول الروسي لن يستطيع التواجد في سيفاستبول، ولكن الأسطول الاميركي سيكون موجوداً وسيصبح الناتو متمركزاً على الحدود الجنوبية الغربية لروسيا وهذا يعتبره الروس تهديداً وجودياً… وقالوها صراحة بأنهم لن يسمحوا بذلك.

لأن الأمر يتعلق بتهديد وجودي بالنسبه الى الروس فإنهم لن يكترثوا للقانون الدولي مثلما حدث في أزمة الصواريخ الكوبية، وأعتقد أن هنالك ما يشبه الاتفاقية الدولية التي تنص على أن أوكرانيا ممنوع عليها الانضمام الى الناتو خلال السنوات المقبلة، ويحكى عن ٥٠ سنه مقبلة والا فلن يكون هنالك وجود لها.

هي مسأله وجودية للروس ومسأله هيمنة وتطويق عسكري للروس من قبل أميركا، فهل يتكرر سيناريو الحرب التي كانت قاب قوسين أو أدنى من الاندلاع في العام 1962 أو أن طبخة التسوية ستنضج ونتجاوز حرباً عالميه جديدة؟

شارك المقال