استقلالية القضاء… حكم مؤبد في جوارير المجلس؟

هيام طوق
هيام طوق

“العدل أساس الملك”، شعار ارتبط ارتباطاً وثيقاً بالقضاء، ويُذكر في هذا الاطار أن أحد الولاة كتب إلى الخليفة عمر بن عبد العزيز يطلب منه مالاً كثيراً ليبني سوراً حول عاصمة الولاية. فقال له عمر: “ماذا تنفع الأسوار؟ حصّنها بالعدل، ونَقِّ طرقها من الظلم”.

شعار يعتبره القضاة والمحامون ركناً أساسياً لقيام المجتمعات وازدهارها والحفاظ على سلامتها إن طُبق على أرض الواقع، ويحقق العدالة، ويحفظ كرامة الناس، لكن الشعار في ضفة وتطبيقه وممارسته في المحاكم في ضفة أخرى. وما يحصل يومياً من ارتكابات على هذا الصعيد خير دليل على أن معايير العدل والنزاهة والشفافية لم تعد واردة في قاموس بعض القضاة الذين حوّلوا القضاء الى مكسر عصا، تتجاذبه المصالح والتدخلات السياسية، فضُربت هيبته، واختلّ ميزان عدالته، وبات المتربعون فوق قوس العدالة الذين يفترض أن ينطقوا أحكامهم باسم الشعب، ينطقون باسم هذه الجهة أو تلك.

وبعد أن تحولت الملفات من قضائية الى سياسية، وبعد سنتين من الدراسات والنقاشات لمشاريع قوانين تتعلق باستقلالية السلطة القضائية بحيث تم التوافق بين مختلف الجهات السياسية على اقتراح قانون أخذ ملاحظات كل المعنيين من سياسيين وقضاة وهيئات المجتمع المدني، وأُدرج على جدول أعمال الجلسة التشريعية التي عقدت أمس في قصر الأونيسكو بجدول أعمال من 22 بنداً، إلا أن البند المتعلق باقتراح قانون استقلالية السلطة القضائية تمت إحالته على اللجان بعد طلب وزير العدل هنري خوري مزيداً من الوقت للاطلاع عليه.

وفيما شكك عدد من المحامين والدستوريين بأن يبصر اقتراح القانون، النور لأنه يجعل القضاء في منأى عن تدخل السياسيين وسيطرتهم، أكد عدد من النواب أنهم لن يسمحوا بدفن القانون في مقبرة اللجان لأنه بكل بساطة اذا لم يكن القضاء مستقلاً ومتحرراً من القيود والضغوط والمحسوبيات، فعبثاً محاولة بناء الدولة.

وانطلاقاً من محاولة “تطيير” اقتراح القانون، لا بد من الأسئلة التالية: هل بتحويل القانون الى اللجان التي تعتبر مقبرة المشاريع بات محكوماً عليه بالمؤبد في جوارير المجلس النيابي؟ وما هي البنود الاصلاحية التي يتميز بها عن القانون السابق؟ وما أهمية استقلالية القضاء في بلد يستشري فيه الفساد مثل لبنان؟ وهل هناك نية فعلية لاقرار قانون اصلاحي يتعلق بالسلطة القضائية؟

عدوان: لا اصلاحات ولا دولة بدون استقلالية القضاء

أسف رئيس لجنة الإدارة والعدل النيابية النائب جورج عدوان في حديث لـ” لبنان الكبير”، لاحالة قانون استقلالية القضاء الى اللجان، معتبراً أن ما حصل في الجلسة أمس لن يؤدي الا الى التأجيل “لأننا لن نقبل بتطيير اقتراح القانون، وسنواصل المعركة الصعبة، وتجاوزنا الكثير من المطبات، ولن نتراجع لأنه بدون استقلالية القضاء لا يمكن بناء الدولة والقيام بالاصلاحات”.

وأشار الى أن “اقتراح القانون هذا أخذ الكثير من الدراسات والنقاشات، والكل وافق عليه، إلا أن وزير العدل طلب المزيد من الوقت للاطلاع عليه، مع العلم أن وزيرة العدل السابقة اطلعت على اقتراح القانون وناقشناه معها مادة مادة، ووضعت ملاحظاتها خطياً”، مشدداً على أن “ما حصل لا يبشر بالخير ولا يعطي صورة اصلاحية بحيث أن استقلالية القضاء مهمة جداً في جو الفساد المستشري، إذ أن القضاة لا يمكنهم القيام بدورهم في ظل التدخلات السياسية”.

وقال: “بعد أن يضع وزير العدل ملاحظاته، سنعيد مشروع القانون الى الهيئة العامة بأسرع وقت ممكن، ولن نقبل أن يبقى في مقبرة اللجان حتى لو اعتبر البعض أن بإمكانه تأجيل إقراره لفترة طويلة أو تعطيله. خضنا معركة هذا القانون على مدى سنتين، وتطلب مئات الساعات من العمل للاتفاق عليه”.

وأوضح أنه “كانت هناك عدة اقتراحات قوانين درسناها جميعها، وأنشأنا لجنة فرعية لمزيد من الدراسة، ثم أقرّت اقتراحاً وزعناه على الوزير المعني وعلى الكتل النيابية وهيئات المجتمع المدني ومجلس القضاء، وأخذنا ملاحظات الجميع في الاعتبار قبل أن يأتي اقتراح القانون في صيغته النهائية”.

وشرح عدوان أهمية مشروع القانون الذي يتميز عن القانون السابق بكثير من النقاط، أبرزها: “أولاً، يسمح للقضاة في مجلس القضاء بانتخاب 7 قضاة للمجلس، ويقترحون 3 أسماء لكل موقع من مواقع القضاة الأخرى، والحكومة ملزمة باختيار قاض لرئاسة المجلس من هؤلاء، وهكذا يكون مجلس القضاء قد اختار بنفسه القضاة، وهذا تعديل أساسي. ثانياً، التشكيلات التي يقررها مجلس القضاء إن لم يوافق عليها وزير العدل تصبح سارية بعد شهر من تقديمها من مجلس القضاء الأعلى ولا سلطة سياسية يمكن أن تعطل هذه التشكيلات. ثالثاً، أعطينا استقلالية مالية لمجلس القضاء في موازنة خاصة به. رابعاً، وضعنا معايير للتشكيلات، ومنها لجنة تقويم لعمل القضاة اليومي، وتعتبر أساسية لاجراء التشكيلات. خامساً، فعّلنا هيئة التفتيش بقوة. سادساً، وضعنا شروطاً للانتساب الى معهد الدروس القضائية كي نبعد التدخلات في اختيار القضاة”.

زكور: نشكك بنية جعل القضاء بمنأى عن تدخل السياسيين

شكك رئيس مركز “ليبرتي للدراسات القانونية والدستورية” محمد زكور بـ”صدق نية النواب في إقرار مثل هذا القانون الذي يجعل القضاء في منأى عن تدخل السياسيين وسيطرتهم”، إلا أنه أثنى على الخطوة، متمنياً “أن تبصر النور لأن القضاء في قبضة السلطة التنفيذية”. وقال: “على سبيل المثال: التشكيلات القضائية التي يجب أن يجريها مجلس القضاء الأعلى باستقلالية تامة، لا تبصر النور الا وفق آلية محددة، وهي بداية، الاتفاق على التشكيلات مع وزير العدل، واذا رفض الوزير التشكيلات، فتعود الى مجلس القضاء لدراستها ومن ثم اذا أصرّ الاخير على التشكيلات بأكثرية 7 من 10 من أعضائه عندها يُلزم وزير العدل بإقرار التشكيلات والموافقة عليها، الا أنها تصطدم بعقبة أخرى وهي عدم ادراج مشروع التشكيلات في جلسة مجلس الوزراء لتبقى في الأدراج سنوات، وتصبح غير نافعة بحيث يكون عدد من القضاة قد تجاوزوا السن القانونية أو أصبحوا في ذمة الله كما حدث في التشكيلات الأخيرة”.

أضاف: “من جهة أخرى، المراكز الأساسية في القضاء مثل رئيس مجلس القضاء الأعلى أو مدعي عام التمييز تحتاج الى تعيينات من قبل مجلس الوزراء. نحن نستهجن ونستنكر مثل هذه الصلاحيات. ونعطي مثالاً لما يجري في فرنسا حيث أن رئيس مجلس القضاء الأعلى بحسب ما درجت العادة عند قسمه اليمين الدستورية أمام رئيس الجمهورية على أداء مهامه بأمانة واخلاص، يتبع قسمه بكلمة يقول فيها لرئيس الجمهورية: من الآن وصاعداً، مع أنني أقسمت اليمين أمامك الا انني أتعهد بأن أكون جاحداً بحقك بمعنى أنني لست مديناً لك بأي شيء من هذه اللحظة. اذاً، يتلو يمين الوفاء ومن بعدها يتلو الجحود بما يعني استقلاله التام عن رئيس الجمهورية”.

وتابع:” في هذا الاطار، نستنكر ما جاء على لسان النائب زياد أسود الذي تقدم باقتراح قانون ينتزع بعض الصلاحيات من مدعي عام التمييز ليعطيها الى وزير العدل الذي هو جزء من السلطة التنفيذية، وهذا يعتبر تعدياً على القضاء، الذي نطالب دوماً بإعطائه أكبر قدر ممكن من الصلاحيات فإذ بنائب الأمة يقدم اقتراحاً ينتزع صلاحيات من مدعي عام التمييز”.

وأكد زكور أن “أي اقتراح قانون لا يعطي القضاء السلطة والاستقلالية التامة في التشكيلات القضائية هو مجرد هرطقة لأن سيف التشكيلات يبقى مصلتاً على رقبة القضاء”.

شارك المقال