هل يكون “مطعم الجسر” معبراً نحو نهج مغاير لـ”الشيوعي”؟

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

وسط تكتم شديد، يسود ويهيمن على أجواء النقاشات السياسية والتنظيمية التي تجري داخل قاعة “مطعم الجسر” في الدامور، وبحضور قيادات ومندوبين عن المناطق والقطاعات، بدأ الحزب الشيوعي اللبناني، الذي سيحتفل بمئوية تأسيسه بعد حوالي السنتين، أعمال مؤتمره الثاني عشر، حاملاً الخطاب نفسه الذي يتكرر باستخدام تعابير إيديولوجية من معين قواميس سياسية قديمة، وإضاعة بوصلة النضال الوطني الواجب برؤية تزيل كابوس التدخلات الإيرانية في شؤون لبنان والمنطقة، أي مواجهة مشروع “أيْرَنَة” لبنان على يد “حزب الله”، بحسب بعض الشيوعيين الذين أصبحوا خارج الحزب، إما مطردوين وإما يائسين من الإصلاح والتطوير، لا بل هم يعتبرون أن “الأخطر من ذلك اعتبار اتفاق الطائف الذي أوقف الحرب الأهلية قد انتهى، أي إسقاط دستور لبنان تحت أقدام حزب السلاح”.

ويتساءلون “هل يريد الحزب دستوراً يعيد إحياء الحرب الأهلية من جديد، إكراماً لإيديولوجية دينية، وهو يدّعي العلمانية؟”، علماً أن الوثيقة لم تتحدث بالمباشر عن الطائف بل ما تردد في هذا المجال صادر في بيان عن احدى منظمات الحزب في عكار.

لكن التساؤل يبقى من دون إجابة: لماذا لا يتخذ موقف من إنكار “حزب الله” مقاومته ومن اغتيال قياداته، والهيمنة على المؤسسات؟ لا، بل تخوين فلان أو علان، حسب مزاجية البعض ووفقاً لمصالحه، وهو أمر شهدناه في ساحات الثورة عبر سيل الاتهامات لقوى سياسية ولشخصيات، وكأن الانقسام الذي نشأ في الحرب الأهلية لا يزال حاضراً، أو يمكن استعادته في أي لحظة، أي إيجاد توترات تخدم توجهات “حزب الله” مباشرة أو من خلف أبواب مواربة أو إتهام شيوعيين مشاركين في الثورة بأنهم “جماعة المجتمع المدني” المرفوضون من قبل البعض.

الواضح أن الحزب الشيوعي وفق أدبيات خطاب مؤتمره، يتهرب من تسمية الأمور بأسمائها، فهو مع المقاومة المسلحة ضد العدو الصهيوني والاحتلال الأجنبي، من دون أن يحدد من هو هذا الاحتلال الاجنبي.

ولا يزال يتحدث عن الشيوعية والاشتراكية، وكأن الاتحاد السوفياتي لا يزال قائماً ومنظومة الدول الاشتراكية تتوسع، حتى أن تحرير فلسطين أضحى قاب قوسين أو أدنى.

المهم أن الهدف لا يزال “وطن حر وشعب سعيد”. على الرغم من أن حرية الوطن تتطلب التخلص من مشاريع الرهان على دعم الخارج، وسعادة الشعب تتطلب ثقافة البناء وليس ثقافة الهدم والتعطيل، ووضع العصي في دولاب وحدة الشعب اللبناني وثورته، والالتحاق بركب محور الممانعة، من سوريا إلى إيران، مروراً بفنزويلا ووصولاً إلى أسوار الصين.

ككل مؤتمرات الحزب الشيوعي، تُضاء لوحة لامعة من الخارج، كلام ونقاشات وحرية تعبير، بينما الطبخة مطهوة والباقي ديكور مزيف أو مجفف. في الوثيقة السياسية التي تناقش لتعدل لغوياً وشكلياً، بينما المضمون واحد، وفي الجانب التنظيمي حيث تنعكس الاتفاقات الفوقية على عمليات التصويت، ويصبح الأمر صورياً، خصوصاً مع وجود خبراء أمنيين يعرفون كيف تؤكل الكتف ويحوّلون نتائج التصويت لصالح فريق ضد آخر، حسبما تقتضي حاجة مصالحهم التي ترتبط بمحور الممانعة على الرغم من مزاعم الاستقلالية المفترى عليها.

وإن كان يسجل لـ”الشيوعي” انتقاده التحاصص الطائفي، إلا أنه لا يزال يشدد على رفض حياد لبنان إن جعله ساحة فوضى تتحكم بها قوى سياسية تحمل سلاحها لفرض مشروعها بالمثالثة كبديل عن الطائف الذي لم يطبق بسبب ممارسات هذا الفريق أو ذاك، من دون الإشارة إلى الدولة الواحدة وحق الجميع في العيش في وطنهم، ودور الجيش اللبناني في فرض الأمن والدفاع عن لبنان.

وفي الحديث عن الأزمة الاقتصادية يجد الحزب أن من أنتجها لن يقدر على معالجتها، محذراً من الخصخصة والتسليم بشروط صندوق النقد والبنك الدوليين.

والواضح أن الحزب لا يرغب في تنفيذ القرار 1559 والقرارات الدولية، بحجة عدم تمرير التطبيع مع إسرائيل، من دون نسيان الهدف وهو صنع البديل من موقع يساري علماني تقدمي وديموقراطي.

“لبنان الكبير” تواصل مع عدد من الشيوعيين الذين شاركوا في المؤتمر، ولن نذكر الأسماء هنا (بناء على طلبهم)، إذ أن ديموقراطية الحزب حظرت التصريحات الصحافية بحجة أن هناك معلومات عن سير المؤتمر سرّبت إلى الخارج، إلا أننا استطعنا خرق القاعدة على الرغم من التحفظ في الكلام، وفي حديثنا مع أحد المندوبين أوضح أن “غالبية النقاشات تركزت على إيران وحزب الله، وكان هناك كلام واضح بضرورة اتخاذ مواقف أكثر وضوحاً. والملفت أن مجموعات الحرس القديم في الحزب يبدو أنها سلمت بعدم قدرتها على فعل شيء أو التأثير بخطاب دفاعي عن إيران ووكيلها في لبنان، إلا أن أجواء جيدة ونقاشاً إيجابياً يعلو سقف قاعة مطعم الجسر، والمهم أن ليس هناك حديث عن اتفاق الطائف والمس به، فلم يتحدث أحد في هذا الموضوع، بل تأكيد على لبنان علماني وديموقراطي وتقدمي، أي ضمن الأدبيات المعروفة، وهناك مواقف متقدمة باتجاه المشكلة الحقيقية”.

وبرأيه أن “هناك تحولات في مواقف الحزب لم تكن موجودة في السابق، وجرت مداخلات جيدة في توصيف المشكلة والمرض الحقيقي الذي يعانيه لبنان” (المقصود “حزب الله”)، إلا أنه لم يسمّه بالمباشر بسبب التزامه عدم التسريب.

ويشير إلى صدور مواقف من مندوبين عددهم لا يذكر، عارضت، ولكن ليس لها أي تاثير، لافتاً الى أن “الحالة الغالبة هي التوجه نحو إدراك الرفاق طبيعة المشكلة، ولا يمكن لأي قيادة جديدة سيفرزها المؤتمر أن تتجاوز هذه الآراء، مهما جرت محاولات للتلاعب التنظيمي، فالجو كان واضحاً”.

من جهته، يؤكد متابع للنقاشات، أن “معظم المداخلات حملت موقفاً عنيفاً وقوياً ضد حزب الله وإيران في داخل المؤتمر. حتى إذا تمت مقاطعة أحدهم، قفز المندوبون لمواجهته، الا أنه بصراحة ليس هناك أمل في أن تنتخب قيادة تعبّر عن مواقف الذين انتقدوا إيران وحزب الله، ولا يمكن بناء أوهام بصراحة لأن الحرس القديم وبعض المرتبطين به لا تزال لديهم القدرة على تنفيس أي عملية تغيير تنظيمي وسياسي، ولن تعدل وثيقة المؤتمر وفقاً للنقاشات إلا شكلاً”.

ويوضح مندوب آخر أن “نقاش الوثيقة السياسية من الجانب الفكري والسياسي، والذي حصل حتى اليوم يوحي بأنه لا يوجد انقسام سياسي – تنظيمي بالمعنى المتعارف عليه، وظهر أن هناك تبايناً كبيراً جداً في وجهات النظر، وتحديداً في موضوع مقاومة حزب الله وسلاحه”.

ويشير الى أن “تأثير المجموعة التي يقودها خالد حدادة لم يعد كبيراً، ولم يظهر في قاعة المؤتمر على الأقل، وحتى على الأرض هي ليست بالحجم الذي يشكل إنقساماً داخل الحزب على المستوى السياسي. هناك حالة موجودة اسمها حالة خالد حدادة وبالتالي تحاول أن تجد لها حيثية في المؤتمر”.

وحول الاتهامات التي تشير الى أن “حزب الله” يقدم دعماً مالياً لـ “الشيوعي”، ينفي ذلك بالقول: “هذا غير وارد أبداً. لا أحد يمكن أن يقول ان الشيوعيين يتقاضون أموالاً أو دعماً أو رشوة من حزب الله”.

وهذا النفي لا يراه البعض حقيقياً مئة بالمئة، فالشُّبهة واقعة إذ جرى الحديث مثلاً عن تأجير امتياز صحيفة “الأخبار” لـ “حزب الله”، كما تردد أن رواتب موظفي اذاعة “صوت الشعب” كانت مدعومة من قبله، إضافة إلى كثير من مقاتلي الحزب الشيوعي الذين عملوا على الاستفادة من خبراتهم العسكرية التي تلقوها عبر تدريباتهم في الدورات التي شاركوا فيها في معسكرات داخل الاتحاد السوفياتي والدول الاشتراكية الأخرى، عبر توظيفها لدى مختبرات “حزب الله”، وبعضهم شارك في القتال إلى جانب مقاتلي الحزب في سوريا، كما أشارت بعض وسائل الإعلام في العام 2015. وهناك كثير من الكلام قد يكون غير دقيق، عن دعم مالي بالدولار يقدمه “حزب الله” الى بعض القيادات مقابل شراء مواقفها السياسية الداعمة لسلاحه، وهو كلام يتداوله شيوعيون، وليس أعداء أو أخصاماً سياسيين.

وعن إمكان فوز الأمين العام الحالي للحزب حنا غريب بولاية ثانية، يؤكد هذا المندوب أنه “لم يظهر حتى الآن من يمكن أن يكون بديلاً عن الرفيق حنا”، معرباً عن اعتقاده أن “حنا كشخص في الوقت الحالي هو نقطة تلاق بين أكثرية المندوبين، باستثناء مجموعة خالد حدادة التي ليس لها أي تأثير. إنما نحن نتمنى أن تجري تعديلات في المكتب السياسي وصعود وجوه وأسماء جديدة مؤثرة في اللجنة المركزية”.

والمهم برأيه، “أن يكون للحزب الشيوعي في الأول من آذار ما يمكن أن يقوله للناس. فالحزب لا يمكن أن ينتهي، وهو على مقربة من احتفاليته بالمئة سنة، وسوف يبقى طالما أن هناك بلداً. هناك ضرورة للحزب الشيوعي، على الرغم من حجم المشكلات الموجودة، وطالما أن الأنظار شاخصة لمعرفة ماذا يحصل في الحزب الشيوعي من المناصرين أو المبغضين، فلا يزال هذا الحزب يشكل حالة شعبية، ونتمنى أن يعود إلى سابق عهده، خالياً من الأزمات التي تعوق عمله، إلى التفاعل الحيوي والضروري. وننتظر نتائج إيجابية، ولكن لا نتوقع تغيراً نوعياً كبيراً، ربما هناك إمكانية حصول تغيير مفترض، ولكن يجب ألا يحصل من تحت الطاولة، أي عبر طبخات وتوليفات وتسويات، وأمر كهذا لن يسمح المشاركون بحصوله”.

شارك المقال