مؤتمر السلام في ايطاليا… بوصلة “طريقة العيش الأصيلة”

هيام طوق
هيام طوق

عندما عقدت النسخة الأولى من مؤتمر “البحر الأبيض المتوسّط حدود سلام”، في شباط عام 2020 في باري الايطالية، انحصرت المشاركة برجال دين من بلدان البحر الأبيض المتوسط في محاولة منهم للقيام بما أمكن لالغاء الحدود والحواجز والعقبات بين شعوب متعددة المعتقدات والثقافات والانتماءات، والعمل على امكانية خرق هذه الحواجز، وعبور الحدود من خلال الحوار والتلاقي والتفاهم والتقارب. إلا أن النسخة الثانية من المؤتمر الذي تنظمه بلدية فلورنسا ومجلس أساقفة إيطاليا في فلورنسا من 23 حتى 27 شباط الحالي، سيشارك فيها العنصر المدني الى جانب العنصر الديني ما يعطي المؤتمر زخماً إضافياً للحوار والمشاركة، وسيكون للقاءات تأثير أكبر على الرأي العام.

وبحسب مصادر معنية لـ “لبنان الكبير”، فإن هذا اللقاء يكتسب أهمية خاصة. أولاً، لأن البابا حرص على المشاركة في اليوم الختامي ليترك بصمته التأثيرية على اللقاء. وثانياً، لأن المؤتمر لن يكون تقليدياً بمعنى الاكتفاء بمداخلات المشاركين وكلماتهم التي ستشدد على أهمية الحوار بين الأديان وصولاً الى السلام المنشود، انما ستكون التجربة مميزة وفريدة في مشاركة الجهات المدنية التي لها تأثيرها على الناس في المدن مع رجال الدين بحيث سيعملون يداً بيد، وبشكل مباشر في مجتمعاتهم، بعيداً من الشعارات والعناوين الرنانة. وبالتالي، تصويب البوصلة نحو “طريقة العيش الأصيلة” بمعنى التقارب والتواصل بين مكونات مختلفة بشكل تلقائي، وانطلاقاً من قناعة داخلية ذاتية بالعيش معاً على الرغم من الاختلاف.

ولفتت المصادر الى أن “المؤتمر يعتمد على العمل الريادي الذي يقوم به رؤساء البلديات والكهنة من خلال رفع مستوى الحوار بين المؤسسات المدنية والدينية في منطقة البحر المتوسط، للمساهمة في عملية السلام والتنمية والتفاهم وتعزيز الثقة بين الدول وصولاً الى الهدف المنشود: الأمن والاستقرار الاقليميين. ولعل ما قاله الكاردينال غوالتييرو باسيتي للمناسبة: لا بد أن ننطلق من جديد مع البابا لتكون ضفاف المتوسط رمزاً للوحدة ، خير دليل على أهمية المؤتمر في تغيير المجتمعات”.

وأشارت المصادر الى أن “المؤتمر سيتطرق الى عناوين عدة منها المواطنة والحوار والتلاقي والتنمية المستدامة من دون أن ننسى الشؤون التي تخص الشباب في الجانب الشّرقيّ لحوض البحر المتوسّط، لبعث الرّجاء والأمل في نفوسهم، والاهتمام بأوضاعهم وشؤونهم وعيشهم الكريم كي يتجذّروا في بلدانهم”.

وأوضح المدير التنفيذي لـ “ملتقى التأثير المدني” زياد الصائغ لـ”لبنان الكبير” أن “مؤتمر الحوار المدني – الديني يعبّر عن إعادة تشكيل الفضاء السياسي العالمي. الأمر لا يتعلق ببناء السلام فحسب، بل بإعادة تحديد مفهوم السياسة واعادة تحديد مفهوم التنمية المستدامة في عالم السياسة”.

وأشار الى وجود “مناخ جديد وذهنية جديدة لاعادة تشكيل السياسة في عالم اليوم. وأهمية المؤتمر أنه يحصل في مدينة أوروبية في وقت أن أوروبا على حافة حرب تؤدي الى الدمار بينما البابا فرسيس يخوض معركة النقاش لبناء السلام والتنمية المستدامة. انه رد غير مباشر على طبول الحرب. هذه صدف في التاريخ لها معانيها ودلالاتها”.

ولفت الى أن “الكنيسة الكاثوليكية تعمل على اعادة ربط مفهوم السياسة بمفهوم التنمية المستدامة وهو أحد الأهداف الأساسية للأمم المتحدة. انه جزء من مسار تقوم به الأمم المتحدة من خلال المواثيق العالمية التي أصبحت الاديان فيها مؤسسة وغير مفصولة، وأصبحت فكرة العلمانية وراءنا. الكلام الذي كان سائداً بأنه لا داعي لوجود الأديان في الشأن العام وفي الفضاء السياسي، تطور ليصبح على الشكل التالي: الأديان لا تريد التدخل في السياسة انما لديها دور أخلاقي في العمل السياسي ودور أخلاقي في العمل التنموي. إذاً، هناك تغيير في النموذج المفاهيمي الذي يتطلب رجالاً مدنيين (من الاختصاصات كافة) مع رجال دين للتفكير في الخدمة الأكبر التي يمكن تقديمها لبناء السلام وكرامة الانسان”.

وتشارك في المؤتمر فاعليات مدنية ودينية من مختلف بلدان البحر الأبيض المتوسط، وسيمثل لبنان وزير السياحة وليد نصار، رئيس بلدية بيروت جمال عيتاني، رئيس بلدية طرابلس رياض يمق، في حضور سفيرة لبنان ميرا ضاهر والقنصل الفخري في فلورنسا شربل شبير. أما على الصعيد الكنسي، فسيشارك البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي وبطريرك الأرمن الكاثوليك لكرسي كيليكيا رافائيل بدروس الحادي والعشرون، وعدد كبير من المطارنة والكهنة.

ومن بين البلدان التي ستحضر المؤتمر: إيطاليا وألبانيا والجزائر وأرمينيا والبوسنة والهرسك وكرواتيا ومصر وفرنسا واليونان والعراق ولبنان وليبيا وليتوانيا ولوكسمبورغ والمغرب والجبل الأسود ومالطا والبرتغال وإسبانيا وصربيا وسلوفينيا وتونس وتركيا.

وأشار رئيس بلدية بيروت الذي ستكون له مداخلة، الى أن المؤتمر”لن يتطرق الى الشؤون الانمائية والبلدية، انما سنتحاور مع المشاركين ونتفاهم في ما بيننا في محاولة لازالة العوائق بين مدن البحر الأبيض المتوسط على اختلاف انتماءاتها العقائدية والدينية والثقافية”.

وشدد رئيس بلدية طرابلس على “أهمية مشاركة طرابلس في هذا المؤتمر الدولي خصوصاً وأن البعض يحاول إظهار مدينة العيش الواحد ومدينة الأمان والسلام على أنها مدينة إرهابية، وهذا غير صحيح”، معتبراً أن “ترجمة عناوين المؤتمر مهمة جداً، ولكن كيف السبيل الى ذلك والعاصمة الثانية تعاني ظروفاً اجتماعية واقتصادية صعبة جداً، وشبابنا يموتون في عرض البحر وهم يحاولون التفتيش عن لقمة عيشهم في دول أوروبا؟”.

وأكد المطران جورج أسادوريان أن المؤتمر “يهدف الى تقريب وجهات النظر والوحدة في ما بيننا لأن في الاتحاد قوة”.

شارك المقال