“ذا غارديان”: أوكرانيا ليست وحيدة ولا حوار قبل وقف القتال

حسناء بو حرفوش

في افتتاحية موقع صحيفة “ذا غارديان” البريطانية، تحذير من محاولة تغيير الوجه الأمني لأوروبا، ودعوات الى الحفاظ على الهدوء والحكمة في مواجهة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وحسب القراءة البريطانية، “سيحمل تاريخ الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا بصمة من العار (…) وفي هذه اللحظة التي تنذر بأقصى درجات الخطر، من الضروري لبوتين أن يضع حداً لهذه الخطوة الكارثية التي لا داعي لها والتي تعزله محلياً وخارجياً (…) ومع تعزيز الناتو جناحه الشرقي وتصاعد التوترات في جميع المجالات، يتزايد خطر المواجهة بين روسيا والتحالف الغربي، مما يستدعي المزيد من السخاء على مستوى المساعدات المقدمة من بريطانيا وجميع دول الاتحاد الأوروبي. وتذكر محاولة سحق دولة مستقلة بالحقبة النازية حيث تواجه الديموقراطيات الغربية لحظة الحقيقة، خصوصاً وأن أوروبا لم تشهد زعيم دولة كبرى يتصرف بهذه الطريقة منذ الحرب العالمية الثانية، وهذا ينذر بإعادة أوروبا إلى ذلك المكان المظلم حيث فقد 20 مليون شخص حياتهم في الحرب ضد الفاشية”.

حيرة الأجيال الجديدة

وتتساءل “ذا غارديان” عن “موقف الأجيال الأوروبية التي ولدت بعد العام 1989، في أعقاب سقوط جدار برلين ونهاية الحرب الباردة، وحيرتها في محاولة فهم أن رجلاً غاضباً من المخابرات السوفياتية يهددهم الآن بالإبادة النووية (…) وهو يقول الآن انه مستعد للتحدث لكنه يجب أن يفهم أنه لا يمكن استهلال الحوار قبل وقف إطلاق النار. ويبدو أن بوتين مصمم على تحويل أوكرانيا إلى مجرد منطقة عازلة يديرها نظام يتحكم بكل مفاصله بينما تتلاشى فكرة أوكرانيا الديموقراطية من الوجود. شعب أوكرانيا وقادتها وجيشها على يقين بأنهم يقاتلون من أجل البقاء. وحتى الآن، تمكنوا من إبطاء المد الروسي وألحقوا أضراراً حقيقية بالقوات الروسية. كما تكثر القصص عن الشجاعة والتضحيات الفردية الاستثنائية.

ومع ذلك، يشير المنطق والأرقام إلى أن الأوكرانيين لا يستطيعون مقاومة عدو أقوى إلى ما لا نهاية. يطالب زيلينسكي بمساعدة عسكرية غربية بينما يقترح نواب حزب المحافظين المتعاطفين منطقة حظر طيران فوق أوكرانيا تحرسها طائرات بريطانية وحلف شمال الأطلسي. كما يدور حديث عن تسليح قوة مقاومة غير منتظمة وشبه دائمة. هذه الحلول كلها إشكالية للغاية. فقد تؤدي منطقة حظر الطيران، كما أوضح وزير الدفاع البريطاني بن والاس، إلى اشتباكات بين الناتو والقوات الروسية واحتمال اندلاع حرب أوسع. إنها ليست فكرة عملية، وتضمن سيطرة قوى بوتين المتفوقة في المدى القريب. لكن هذا لا يعني بالضرورة خسارة المعركة الأكبر والأطول. ليس من الصحيح القول، كما يدعي زيلينسكي، ان أوكرانيا تقف وحدها. إن الدعم المتدفق لكييف قوي حول العالم. لقد عزل بوتين من جميع الجهات. وتعمل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ودول أخرى على زيادة إمدادات الأسلحة الدفاعية. ثم أن هناك العقوبات التي قد تساعد في إسقاط نظام بوتين. ومع ذلك، يمكن وينبغي فعل المزيد. من الخطأ استثناء صادرات النفط والغاز الروسية. عائدات الطاقة هي المصدر الرئيسي لدخل النظام، وهي التي تموّل الحروب التي تشنها روسيا والسياسات الرجعية التي تنتهجها. بالطبع، ستدفع أوروبا نفسها ثمناً باهظاً إذا قطعت الطاقة الروسية، لكنه ثمن يجب دفعه.

وتؤكد العقوبات المتأرجحة وتصويت الأمم المتحدة أن روسيا بوتين باتت دولة منبوذة. ومن الواضح بالنسبة الى الغرب أن بوتين قد تجاوز الحد (…) وأظهرت بريطانيا إمساكها بزمام المبادرة في الضغط على ألمانيا وإيطاليا المترددة بشأن نظام “سويفت”، تماماً كما فعلت في ضمان وصول الأسلحة الدفاعية إلى الجيش الأوكراني. ولا شك في أن الأزمة الأوكرانية عززت موقف جونسون.

ومع ذلك، تبقى حقيقة أن بريطانيا ما بعد خروج “البركست” أصبحت لاعباً ثانوياً. ويقول الرئيس الأميركي جو بايدن، إن الغزو يشير إلى التمزق التام للعلاقات الغربية مع روسيا. ويهدد هذا الانقطاع بتداعيات خطيرة تمتد إلى ما وراء أوكرانيا، على سبيل المثال، تايوان، حيث يخشى أن تحذو الصين حذو بوتين. أضف إلى ذلك أن إستونيا ولاتفيا وليتوانيا والجمهوريات السوفياتية السابقة الضعيفة ودول أوروبا الشرقية الأخرى، تشعر بالقلق من أنها قد تكون الهدف التالي إذا نجح بوتين في بسط سيطرته على أوكرانيا. ومن المحتمل أن تؤدي الأزمة الأوكرانية إلى تغيير ميزان القوى الدولي وإعادة رسم الخريطة الأمنية لأوروبا بشكل دائم. لكن هذا سؤال تترك الإجابة عليه للمستقبل. أما الآن فلا بد من التركيز على أن الحوار يجب أن يبقى مشروطاً بوقف إطلاق النار”.

شارك المقال