نورد ستريم ٢

المحامي محمد مكي

هو خط الغاز الذي يربط بين روسيا وألمانيا بمسافة ١٢٣٠ كلم في قاع البلطيق الذي ترفضه أميركا وحلفاؤها الأوروبيون والكل يستخدمه كورقة ضغط، ولكن أين تكمن أهميته وعلاقته بالحرب التي اندلعت بين روسيا وأوكرانيا؟

الغاز الطبيعي هو بوابة روسيا لغزو أسواق الجيران الأوروبيين وحلم بوتين منذ وصل الى الحكم باعادة احياء الاتحاد السوفياتي والهيمنة على أوروبا، هذه القارة التي تستهلك ما يقارب ٤٠ مليار متر مكعب غاز سنوياً.

ان شريان الطاقة والدفء يصل الى أوروبا عبر موردين كثر ولكن أهمهم على الاطلاق الجار الشرقي روسيا وهي أكبر مصدر للغاز الطبيعي في العالم برقم مخيف يصل الى نحو ٢٠٠ مليار متر مكعب سنوياً بحيث يوفر الروس نحو ٤٠٪ من احتياجات الأوروبيين من الغاز. وتعتبر ألمانيا الأولى أوروبياً من ناحية استهلاك الغاز الروسي وهو يصل الى أوروبا عبر مسارين:

المسار الأول نورد ستريم ١ عبر بحر البلطيق ويصل روسيا بألمانيا، وتمتلك حكومة روسيا الحصة الأكبر فيه عبر عملاق الطاقة الروسي غاز بروم وقد دخل الخدمة عام ٢٠١٢ وهو أطول أنبوب في العالم ويشحن فيه ٥٥ مليار متر مكعب غاز سنوياً. ويمر الغاز الى أوروبا أيضاً عبر خطوط الى تركيا وبولندا وأوكرانيا لقاء بدل مرور تدفعه روسيا لهذه البلدان وهي فاتورة كبيرة قد تكون موسكو لا تريد تحمل تكلفتها فكان نورد ستريم ٢.

عام ٢٠١٥ أعلنت روسيا تدشين خط نورد ستريم ٢ بتكلفة ١١ مليار دولار وهو يوازي بمروره الخط الأول تحت البلطيق وبالطول نفسه تقريباً ١٢٣٠ كلم، ويربط بين أكبر حقول الغاز في مدينة فيبورغ الروسية ومدينة لوبمين الألمانية ويحتمل أن تصل عائداته الى ١٥ مليار دولار سنوياً ويحظى بمباركة ألمانيا لأنه يعود عليها بالفائدة المالية والاستراتيجية.

على الرغم من الانتهاء من المشروع في ايلول ٢٠٢١ بشكل كامل الا أن الأميركيين وحلفاءهم الأوروبيين وضعوا العراقيل لأن مشروعاً بهذا الحجم وهذه التكلفة الَمنخفضة قد يؤدي إلى الارتباط الشديد بينهم ومن المحتمل أن يؤدي الى تبعية سياسية من ألمانيا لموسكو.

ان استخدام الخط الجديد سيؤدي الى الاستغناء عن أوكرانيا كناقل أساس للغاز الروسي الى أوروبا، اذ يمر ٧٠٪ من الغاز الروسي لأوروبا عبرهم ناهيك عن خسارة اقتصادية تقدر بين ٢ الى ٣ مليارات دولار سنوياً كرسوم عبور، وهو ما رفضه رئيس أوكرانيا صراحة وطالب بعرقلة الخط البديل. وقد انتفضت أميركا وحلفاؤها في أوروبا للعرقلة ضد سلاح بوتين الجديد الجيوسياسي الذي سيؤدي إلى التحكم بكل مفاصل القارة العجوز بفرض عقوبات بدءاً من عام ٢٠١٧ و٢٠١٩ وعام ٢٠٢٠ مما أدى الى التأخير من الانتهاء منه الى ديسمبر ٢٠٢١ ولكن على الرغم من ذلك لم يتم استغلاله بعد.

وعلى الرغم من أن ألمانيا المستفيد الأول منه اقتصادياً الا أنها تتخوف من تحكم بوتين بمفاتيح الطاقة فصرحت بأن الاذن النهائي لبدء العمل به سيصدر في النصف الثاني من عام ٢٠٢٢ وذلك لأن الحصة الأكبر هي للحكومة الروسية متمثله بشركة “غاز برَوم”.

هذه العراقيل دفعت بوتين الى اتخاذ اجراءين خطيرين عام ٢٠٢١ تمثل الأول في بداية العام حيث خفضت روسيا مد أوروبا بالغاز بنسبه ٢٣٪ مما اعتبر تهديداً روساً لأوروبا لتسهيل تشغيل الخط البديل. وقد أدى أيضاً الى ارتفاع أسعار الغاز في أوروبا بنسبة ١٥٪ تقريباً، وشكلت هذه الخطوة تخمة مالية للكرملين حيث أدى الى تراكم احتياطي العملة الصعبة التي قدرت بنحو ٦٣٠ مليار دولار. وقبل أن يلفظ العام ٢٠٢١ أنفاسه قام بوتين بحشد ١٠٠ ألف عسكري على حدود أوكرانيا كإعتراض على دخولها حلف الناتو وكضغط على أوروبا والأميركيين لتشغيل الخط الجديد، اذ عمد الأوروبيون والأميركيون الى تزويد أوكرانيا بالمعدات العسكرية فيما اكتفى المستفيد الأول ألمانيا بارسال خوذات عسكرية.

اندلعت الحرب وبدأت الاصطفافات العسكرية تأخذ شكلها وواقعها وهو سيناريو قد لا تحمد عقباه.

وبالتالي أصبح خط الغاز الأكبر في العالم ورقة ضغط وتفاوض بين المعسكرين الغربي والشرقي، وهي معركة قد يصرخ فيها أولاً من هو الأكثر حاجة الى الغاز والمال.

شارك المقال