واقع الانتخابات في طرابلس: هل تنتصر الثورة على مخالب السلطة؟

إسراء ديب
إسراء ديب

لم يكن إعلان رئيس تيّار “المستقبل” سعد الحريري تعليقه العمل في الحياة السياسية مع دعوته أعضاء التيّار الى اتخاذ الخطوة نفسها، مفاجئاً لدى الأوساط السياسية المحلّية التابعة لهذا التيّار شمالاً، بل كان بعضهم يُفكّر قبل اتجاه الحريري إلى فكرة العزوف، في كيفية الانتقال إلى مرحلة “ما بعد الحريري” قبل أن ينطق الأخير بأيّ كلمة أو موقف، وذلك بسبب خلافات سياسية، تدفعهم اليوم إلى إعلان ترشح أبنائهم، ضمن تحرّكات انتخابية يُقال عنها انّها ضمن مزاج “المستقبل”، لكنّ التيّار لا ولم يتبنّاها، أو قيامهم بالترشح شخصياً على اعتبار أنّهم “يستكملون مسيرة الشهيد رفيق الحريري”، لكنّ الواقع يُشير إلى تراجع شعبيتهم بوضوح، أو غيابها من الأساس حتى مع الدّعم السياسي السابق.

يُمكن القول، انّ العام 2018 أُطلق على المعركة الانتخابية في مدينة طرابلس، تسميات عدّة تُشير إلى معركة انتخابية طاحنة ستحصل بين الأحزاب والمرشحين في مدينة تُشكّل أكبر نسبة لـ “السنّية” بين الدوائر الانتخابية المختلفة، إذْ كان يُطلق عليها اسم “أمّ المعارك”، أمّا اليوم مع الحديث عن غياب الزعامة السنّية، فتُشير أوساط سياسية طرابلسية لـ “لبنان الكبير” إلى أنّ المعركة لا تزال باردة، وربما لن تتحوّل إلى معركة حقيقية في دائرة الشمال الثانية أيّ طرابلس، الضنية – المنية، إلّا في حال حدوث متغيّرات تتضمّن دخول أطراف سياسية ذات ثقل شعبيّ في المدينة إلى الخطّ الانتخابي بتحالفات قوية قد تغيب هذا العام.

ولا تبدو “الفيحاء” جاهزة “شعبياً” لهذه الجولة السياسية المقبلة، إذْ لا يُبدي الأهالي أيّ ثقة عموماً بالقدرة على التغيير من جهة، كما أنّهم لا يعلمون بعد هوية المرشحين الذين لم تتضح معالمهم من جهة ثانية، وبالتالي فانّ إهمال النواب مناطقهم والأحياء الشعبية، لا يدفعهم إلى الشعور بأيّ حماس أو رغبة في التوجه إلى الاقتراع.

ماكينات انتخابية نشطة

وبعد تأكيد يُكرّره المسؤولون لا سيما وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي أنّ الانتخابات النيابية ستتمّ “بلا أدنى شكّ”، تحرّكت ماكينات انتخابية في عددٍ من المناطق في الشمال، بعدما كانت قد “ركدت” لفترة زمنية مؤقتة اثر عزوف الحريري الذي غيّر الخريطة الانتخابية بعد موقفه الأخير، حتّى أنّها وقبل اتخاذ الحريري هذا القرار، لم تكن لتتحرّك وذلك بسبب الكثير من الأحاديث السياسية التي تلفت إلى احتمال تأجيل الانتخابات أو إلغائها حتّى، وبالتالي لا تزال الأوراق الانتخابية مختلطة وغير واضحة عند البعض، فيما تتضح عند البعض الآخر لكن من دون الإعلان صراحة عن تحالفات دقيقة يُعوّل عليها، ما يعني أنّ القرار السياسي شمالاً لا يزال غير واضح، إلّا عند بعض المرشحين الذي بدأ حملاته الانتخابية باكراً، كالمرشح عمر حرفوش مثلًا وهو مغترب أعلن “الجمهورية اللبنانية الثالثة” منذ أشهر ووضع برنامجه الانتخابي الذي يتضمّن مجموعة من العناوين في مؤتمر صحافي، مع قيامه بنشر إعلانات على اللوحات في بيروت وغيرها، تُشير إلى عزمه فعلياً على الترشح في طرابلس. وبين مؤيّد ومعارض لحرفوش في المدينة، يُمكن القول انّه أوّل من اتجه إلى الترشح والإعلان عن هذه الخطوة قبل أيّ مرشح آخر ربما كان يشكّ في حصول الانتخابات أو بسبب توتر الأجواء السياسية في البلاد.

ولكن لا يُمكن إنكار غياب الأقطاب السياسية المعروفة في طرابلس عن الصورة حتّى هذه اللحظة كرئيس الحكومة نجيب ميقاتي مثلًا وغموض بعضها الآخر، فضلًا عن ظهور بعض أسماء المرشحين الذين لا يعرفهم النّاس جيّداً بشعارات متكرّرة ومعروفة داخل الوسط السياسي، وذلك لجذب المقترعين وتجييشهم بعناوين مستهلكة، غير مرنة، ولا يُمكن تنفيذها.

وبين معطيات تُشير إلى توقّع حصول اتفاق وتحالف في المدينة بين النائبين فيصل كرامي وجهاد الصمد على الرّغم من التباينات المشتركة، ومع الحديث عن قيام سياسي شمالي بزيارة الى دمشق منذ فترة، يُمكن القول انّ هذا المحور المقّرب من “حزب الله” والنّظام السوري سيُشارك في الانتخابات، وانّ النائب كرامي يُفكّر جدّياً في المرحلة السياسية المقبلة، ومع احتمال انضمام الصمد إلى اللائحة، ستتضاعف القوّة الانتخابية بشكلٍ أكبر.

أمّا بالنسبة الى الوزير السابق أشرف ريفي، وبعد الحديث عن اتفاق مبدئي مع “القوات”، فلا يُمكن أن يحظى بدعم شعبيّ كامل، نظراً الى تحالفه مع حزب يكرهه الطرابلسيون بمعظمهم، فضلاً عن تكرار الشعارات السياسية المستخدمة بلا تطبيق أيّ منها. وقد تفتح الأيّام المقبلة بتغيّراتها السياسية الباب أمام تحالفات قد يُجريها ريفي طرابلسياً ليستقطب الدعم الشعبي الذي يحتاجه أيّ مرشح لا سيما في هذه المرحلة السياسية الحرجة.

الثوار والحاجة إلى التنسيق

ومنذ ساعات، أطلق ائتلاف “انتفض” في دائرة الشمال الثانية (بعد ورشة عمل انتخابية لتوحيد اللوائح والجهود)، برنامجه الانتخابي من الرابطة الثقافية في طرابلس، ويضمّ مجموعات ثورية انطلقت بعد ثورة 17 تشرين في المدينة. ولكن وفق المعطيات، فإنّ الاحتفال باطلاق الائتلاف شهد مشادّات كلامية بين الثوار أنفسهم بسبب عدم دعوة بعض الوجوه الثورية في المدينة إليه حسب بعض الحاضرين، ما دفعهم إلى التدخل محدثين بعض “الشوشرة” داخل القاعة، وبالتالي يبدو أنّ تحالفات القوى المعارضة في “عروس الثورة” غير جاهزة بعد، ولم تتبلور بصورة موحدة، أيّ أنّ هذه “التلاسنات” تُشير إلى عدم جدّية البعض من جهة، كما الى ضعف هذا الائتلاف مع عدم الاتفاق على أسماء واحدة توحد المشاريع والرؤية الانتخابية من جهة ثانية.

وليست خافية أهمّية تدخل وجوه الثورة في الانتخابات، لأنّ دورها كان كبيراً جداً خلال الأعوام الأخيرة في المشهد السياسي الذي شهد تغيراً واضحاً معها، لكن على الرّغم من محاولة بعض أطرافها التدخل في السياسة شرعياً وبجدّية، يُحاول آخرون إضعافها كالعادة واستغلالها منعاً لحدوث أيّ تغيير على الرّغم من دعم الكثير من النّاس لها بعد شعورهم بالملل من الطبقة السياسية الحاكمة التي دمّرت البلاد اقتصادياً، إنمائياً واجتماعياً، ويكفي أن يقوم هؤلاء بتوحيد الأسماء والبرنامج بوضوح ليتضمّن مشاريع يتمكّنون من تحقيقها، كي لا يُصاب النّاس بالإحباط السياسي والانتخابي.

شارك المقال