هل يمكن إنهاء التصعيد في أوكرانيا؟

حسناء بو حرفوش

في مواجهة الحرب التي تزداد حدة يوماً بعد يوم على الحدود وفي الداخل الأوكراني، يطرح الكثير من المحللين التساؤلات حول كيفية وضع حد لدوامة التصعيد والتفكير في السلام؟

وفقاً للبروفسور توبياس ديبيل، نائب مدير معهد التنمية والسلام (INEF) في جامعة “دويسبورغ إيسن”، فلا شك في أن “استعراض الغرب للقوة ضد روسيا كان ضرورياً. ولكن في الوقت الحالي وعلى الرغم من كل شيء، يحتاج العالم إلى جهد مؤكد لوقف التصعيد. وفي الوقت الذي اختارت فيه روسيا فلاديمير بوتين أن تخوض أسوأ سيناريو من خلال عدوانها واسع النطاق، تجذرت الصدمة الجماعية بشكل عميق. كما صُدم المراقبون الناقدون بخطاب بوتين العسكري الساخر، وبأهدافه المعلنة للحرب والتي اختصرها بنزع السلاح من أوكرانيا، التي يُنكر حقها في الوجود، عدا عن التهديد المشفر بالكاد بالتصعيد النووي إذا وقف الغرب في طريق الغزو.

نقطة التحول الثالثة

وفي مواجهة وحشية الحرب، كيف يمكن المضي قدماً خصوصاً في ظل مخالفة القانون الدولي بشكل صارخ؟ بعد مرور عشرين عاماً على أحداث 11 أيلول 2001 وأكثر من ثلاثة عقود على سقوط جدار برلين، يشهد العالم نقطة التحول الثالثة منذ الحرب الباردة. هناك ثلاثة أشياء ضرورية: أولاً، تحليل قاسٍ للوضع، بما في ذلك الأخطاء التي ارتكبت. ثانياً، تبيان العلامة الواضحة على القوة والتي تتجاوز السياسة الرمزية. وثالثاً، الجهد المؤكد للتخفيف من حدة الموقف الذي يتطلب الرصانة بدلاً من التفوق الأخلاقي.

ولا مفر من التوقف عند أخطاء الغرب من أجل التغلب عليها وفهم أسباب الحرب ومنع المزيد من التصعيد خارج أوكرانيا. وقد نوقشت أخطاء الغرب على نطاق واسع: تجلت اللاعقلانية السياسية في عدم بذل الناتو، أولاً، كل الجهود اللازمة للسعي الى نظام سلام أوروبي بما في ذلك روسيا بعد نهاية الحرب الباردة. وثانياً، عند فتح أبواب العضوية لجورجيا وأوكرانيا في قمة بوخارست في العام 2008. ولا شك في محاولة التفكير بالتفوق مع محاولة خداع روسيا في الحرب الليبية.

منطق الحرب الباردة

وفي الوقت نفسه، ارتكبت القيادة الروسية، التي ينبغي عدم اختزالها ببوتين وحده، أخطاء لا حصر لها، في ظل الدعم الروسي لنظام بشار الأسد في سوريا. كما شكك العديد من المراقبين في دخول العالم في حرب باردة جديدة على الأقل منذ ضم شبه جزيرة القرم. ومع ذلك، يبدو أن هذا المنطق عفا عليه الزمن، أولاً، لأن العالم يشهد حربا عدوانية في أوروبا لم يسبق لها مثيل منذ العام 1945. ثانياً، لم يعد منطق بوتين الشبيه بالحصار يتوافق مع حسابات تجنب المخاطر. وثالثاً، تغيرت الأمور أيضاً في الغرب: مع دونالد ترامب، أصبحت الولايات المتحدة لسنوات رمزاً لعدم القدرة على التنبؤ المحسوب والخطاب المشفر للعنف. ورابعاً، هناك الصين، التي يمكن أن تقدم خياراً احتياطياً لنظام بوتين الضعيف اقتصادياً.

علاوة على ذلك، وبسبب الابتكارات التكنولوجية، تتلاشى الحدود بين الحرب الباردة والساخنة بشكل متزايد. كما ازدادت نقاط الضعف لدى كلا الجانبين، ليس بسبب العقوبات الاقتصادية وحسب، ولكن أيضاً في مجال الحرب الإلكترونية.

وتتطلب هذه الأوقات حالياً سياسات رصينة يمكنها تحمل التوترات والامتناع عن المواقف المتطرفة. لقد هجر نظام بوتين الإمبريالي الجديد طريق العقلانية. ومع ذلك، يجب استغلال أي فرصة لإعادة القيادة في موسكو إلى هذا المسار. وهذا يعني أنه سيتعين على الغرب التخلي عن مبدأ الاستعداد لقبول جميع الدول في الناتو. وقد يكون النهج الأكثر مسؤولية هو التكامل الاقتصادي والقائم على القيمة من خلال الاتحاد الأوروبي، إلى جانب التخلي عن التكامل العسكري، كما كان الحال مع السويد والنمسا وفنلندا لعقود.

ولم تعد صيغة الصراع بين الشرق والغرب، التي تجمع بين الردع والانفراج، كافية في الأزمات الحادة، لأن إدارة الأزمات قصيرة الأجل يجب أن تتجاوز بناء الثقة على المدى الطويل. ومع ذلك، تظل الفكرة الأساسية للصيغة مهمة. لا يمكن للغرب تجنب إشارة واضحة على القوة، مثل العقوبات. وبالتأكيد، الغرب متفوق بشكل كبير عندما يتعلق الأمر بالعقوبات الاقتصادية. لكن من المتوقع أن تواجه روسيا هذه الخطوات بمزيد من الاستفزازات التي ستقود إلى المرحلة التالية في دوامة التصعيد. ومن سيكون في وقت ما في موقف يمنع المزيد من التصعيد؟

القوة الصحيحة

بدلاً من ذلك، تعني القوة زيادة التمويل العسكري مع إيضاح لدور العسكري. وقد يساعد ذلك على إنهاء الحرب ضد أوكرانيا، ولكن ربما ليس بشكل فوري. وبقدر ما يكون هذا الإدراك مؤلماً، لن يتحقق الأمن في أوروبا أو في الشرق الأوسط، من دون إيجاد بديل فاعل لما قد يحل مكان الديبلوماسية. إذا أراد أحدهم منع المزيد من التوسع في الحرب، فلا يزال من المهم عدم إغلاق قنوات الاتصال بالكامل الآن.

وبالعودة إلى التجربة، لم يعمل الترادف الفرنسي – الألماني في أوروبا بشكل جيد عندما وصلت الأزمة إلى ذروتها. وعلى الرغم من سنوات من التصريحات التي تشير إلى عكس ذلك، لم تكن هناك سياسة خارجية وأمنية مشتركة للاتحاد الأوروبي، وأتت النتيجة في ترك أوروبا الغربية غالباً إدارة الأزمات للولايات المتحدة، التي ترى حتماً الوضع في أوروبا من منظور مختلف عن الحكومات والسكان على الأرض. وقد يكون من المفيد التفكير في حزمة تعيد تعريف الأمن المشترك، وتقدم ركائز واضحة على غرار انسحاب القوات الروسية من أوكرانيا مقابل عدم قبولها في الناتو؛ والتنسيق غير الرسمي لمناقشة هندسة الأمن المستقبلية في أوروبا، على غرار منظمة الأمن والتعاون في أوروبا؛ وعدم قطع العلاقات الديبلوماسية ونبذ الخطاب التحريضي والمهين.

هل سيساعد ذلك على إنهاء الحرب ضد أوكرانيا؟ ربما ولكن ليس على الفور. لكن فن الديبلوماسية يقضي بالتفكير للانطلاق في الخطوة التالية، حتى لو بدت ميؤوساً منها في لحظات التصعيد الأخيرة. أخيراً، الحق يقال انه لا بد من المحاولة، أقله تلبية للواجب الأخلاقي الناشئ عن منطق السلام”.

شارك المقال