أوكرانيا: روسيا أمام الخسارة ورهان على سمعة واشنطن

حسناء بو حرفوش

بينما يواصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حربه على أوكرانيا، يؤكد المعلقون صعوبة تحقيقه لنصر ما في النهاية، خاصة أن أوكرانيا عزمت على مقاومة عدوانه، مما يؤكد استحالة تدمير الهوية الأوكرانية، حسب قراءة للمحللة آنا بورشيفسكايا من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى. وبالتالي، من المرتقب أن يواجه بوتين مقاومة طويلة الأمد في حال استمر بالسعي لاحتلال البلد بأكمله.

ووفقا لبورشيفسكايا، “سواء سعى بوتين لاحتلال أوكرانيا بأكملها أو الاحتفاظ بمناطق استراتيجية كمناطق عازلة، من المرجح أن يحتاج الغرب إلى إعادة التفكير في الأمن الأوروبي. ومع ذلك، من المفارقات أن التركيز على المدى الطويل للحرب يصرف الانتباه عن فشل القادة الأوروبيين في مساعدة الأوكرانيين ويسلط الضوء على شعور بالعجز الجماعي إزاء الأزمة التي تتكشف والتي قد تشكل أكثر الأزمات حدة منذ نهاية الحرب الباردة. أضف إلى ذلك، حقيقة أن الكونغرس الأميركي طرح قرارا لطرد روسيا من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، علما أن هذا لن يحدث ببساطة مهما كان مرغوبا. وهذا الوضع يظهر الارتباك الكبير لدى صانعي السياسة. كما أنه يسلّط الضوء على فشل الأمم المتحدة كمؤسسة مصممة بدقة لمنع الأمثلة على العدوان كذلك الذي يمارسه بوتين اليوم.

ولا شيء يسلّط الضوء على الفارق بين مفعول العقوبات حاليا وعلى المدى الطويل خاصة أن الرئيس بايدن كشف النقاب في مؤتمر صحافي عُقد مؤخرا عن عقوبات إضافية ضد الكرملين. بينما وفي المقلب الآخر، سطّر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لقادة الاتحاد الأوروبي بعد فترة وجيزة من العقوبات المعلنة، أنه قد لا يبقى على قيد الحياة. ومن الواضح أن الغرب لم يكتفِ بمجرد فرض عقوبات. فأثناء التعزيزات الروسية في الأسابيع الأخيرة، كثفت الولايات المتحدة وحلفاؤها تسليم المساعدات العسكرية الفتاكة لأوكرانيا وأرسلوا المزيد من المساعدات العسكرية في الآونة الأخيرة. ولأول مرة في تاريخ الناتو ، قام الحلف بتنشيط “قوات الرد” متعددة الجنسيات والتي تضم حوالي 40 ألف عنصر يمكن للحلف نشرهم في غضون مهلة قصيرة عند الضرورة لحماية حلفاء الناتو.

لكن تبقى المشكلة أن بايدن أوضح أن الولايات المتحدة لن ترسل قوات إلى أوكرانيا، لأنها ليست حليفا في الناتو. أكثر من ذلك، ليست كل المساعدات متساوية. وفي غياب مثل هذه الخطوات مثل الأسلحة الهجومية الكافية، وإتاحة الفرصة للجيش الأوكراني لتعزيز قدراته بينما تحاصرهم القوات الروسية، إلى جانب فرض منطقة حظر طيران، من الصعب أن نرى كيف يمكن للجيش الأوكراني أن يستمر في الصمود إلى أجل غير مسمى ضد أضخم جيش لروسيا، على الرغم من أنه أظهر كما كان متوقعا مقاومة شرسة وفرض خسائر جسيمة على الروس.

وما زال العالم لا يعرف ما إذا كان هدف بوتين هو احتلال البلد بأكمله أو مجرد نزع الاستقرار من أوكرانيا واحتلال مناطق استراتيجية رئيسية والاحتفاظ بها كمناطق عازلة. لكن يمكننا أن نستنتج أنه بغض النظر عن أي شيء، من المحتمل أن يواجه الغرب عالماً جديدا وهذا ليس تحديا سهلا وسيترك تداعيات عالمية. في غضون ذلك، تعتبر أوكرانيا شريكا حقيقيا للغرب، وهو شريك يشاركها قيم الحرية والديموقراطية. وللمقارنة، فقد فر الرئيس الأفغاني السابق أشرف غني من بلاده فور دخول طالبان كابول في آب الماضي. لكن الرئيس الأوكراني زيلينسكي اختار البقاء في كييف على الرغم من علمه الكامل أن بوتين يخطط على الأرجح للقضاء عليه إلى جانب بلاده، التي يجسد جوهر النظام العالمي الليبرالي. وبينما تعلن الولايات المتحدة أنها تقف بوجه المتنمرين وتدافع عن الحرية، هل تحارب فعلا لأجل ما تدعيه؟ أو هل نسيت النخب فيها بعد سنين من العيش داخل فقاعة السلام والازدهار، مدى هشاشة الحرية حقا، وما يلزم لحمايتها؟

إذا سمحت الولايات المتحدة لبوتين بالفوز في أوكرانيا الآن، ستشير للعالم بأنها أضاعت هدفها، وبأنها تفتقر إلى الشجاعة والثبات الأخلاقي لحماية أي شريك استراتيجي. وسيلحق هذا الفشل ضررا جسيما بمصداقية الولايات المتحدة وهذا يجدّد التأكيد على أن خوض الولايات المتحدة لهذا التحدي يستحق المخاطرة لأن القيم والمصالح غالبا ما تتكامل. وعلى الرغم من أن أوكرانيا تتمسك بعدم الخضوع وتحارب لأجل ذلك، سيتذكر الأوكرانيون أن الغرب اختار عدم بذل الكثير من الجهود علما أنه يمتلك كل القدرات مع الاخذ بالاعتبار أن القادة الغربيين سيضطرون للتعامل مع حقيقة أن المواطنين في الغرب سيواجهون عالما أكثر خطورة بكثير”.

شارك المقال