حرارة أميركية باتجاه بعبدا: “ترميم” باسيل؟

هيام طوق
هيام طوق

صحيح أن الحدث الأبرز الذي يتصدر الاهتمام الدولي ويحتل المراتب الأولى في وسائل الاعلام يتعلق بالتطورات الميدانية بين روسيا وأوكرانيا، إلا أن حركة الاتصالات الأميركية – اللبنانية كانت لافتة في الساعات الأخيرة كما وتيرة التواصل الناشطة في هذا الاطار، بحيث كشفت بعبدا أن رئيس الجمهورية ميشال عون تلقى اتصالاً هاتفياً من مساعدة وزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية فكتوريا نولاند، وتم البحث في المراحل التي قطعها التفاوض مع صندوق النقد الدولي، ونتائج زيارة وفد الخزانة الأميركية الى بيروت، وتطورات ملف ترسيم الحدود الجنوبية البحرية، وعملية استجرار النفط والطاقة الكهربائية من مصر والأردن عبر سوريا، والتحضيرات الجارية للانتخابات النيابية اللبنانية، وغيرها من الملفات. وتزامن الاتصال مع زيارة السفيرة الأميركية دوروثي شيا الى رئيس الجمهورية، وجرى عرض العلاقات الثنائية والتطورات الدولية والمراحل التي قطعها ملف الترسيم. وعُلم أن السفيرة الأميركية حملت رسالة خطية من الوسيط اموس هوكشتاين، وسلمت نسخة عنها للرؤساء عون ونبيه بري ونجيب ميقاتي.

وبالتوازي مع حرارة التواصل الأميركية المتوهجة مع بعبدا، خيّمت أجواء باردة في سماء كتلة “الوفاء للمقاومة” الملبدة بالمواقف السوداوية في ملف ترسيم الحدود البحرية، بحيث اعتبر رئيس الكتلة النائب محمد رعد أن “الأميركي الوسيط في التنقيب عن الغاز في لبنان، جاء الى لبنان للعب دور الثعلب في قسمة الجبنة بين المتخاصمين”، مؤكداً “سنبقي غازنا مدفوناً في مياهنا الى أن نستطيع منع الاسرائيلي من أن يمد يده على قطرة ماء من مياهنا”. وسرعان ما أتى الرد من رئيس الجمهورية: “الرئيس يباشر التفاوض في المعاهدات والاتفاقات الدولية، ثم يبرمها مع رئيس الحكومة ومن ثم مجلس الوزراء، وأخيراً مجلس النواب بشروط المادة 52 من الدستور”.

هذه المواقف العلنية دفعت عدداً كبيراً من اللبنانيين الى التساؤل عن هذا التناقض والأخذ والرد بين حليفين في شأن الترسيم، وان كانت تعكس الحقيقة كما هي أو أنها ليست سوى لعبة يتبادل فيها الأطراف أدواراً لتحقيق مكاسب من هنا وأخرى من هناك في بلد يكثر فيه المسؤولون ولا أحد يتحمّل المسؤولية، ويتعدد الناطقون باسمه، ويختلفون حول كل قضية إلا قضية الحفاظ على مكاسبهم.

وفي وقت صوّت لبنان الى جانب قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة بإدانة العملية العسكرية الروسية ضد أوكرانيا، كان وفد وزارة الخزانة الأميركية يختتم زيارته لبيروت، ما دفع كثيرين الى التساؤل عن مغزى هذا التقارب في المواقف وفي التواصل بين الأميركيين ورئيس الجمهورية الذي بدأ يسير، وفق عدد من المحللين السياسيين والاستراتيجيين، في توجيهات الادارة الاميركية عله ينجح في إسقاط العقوبات عن صهره جبران باسيل قبل الانتخابات الرئاسية.

عبد القادر: صفقة كبرى لرفع العقوبات عن باسيل

ورأى العميد نزار عبد القادر أن “الأميركيين يشعرون أن رئيس الجمهورية مقتنع حالياً بالسير وفق التوجيهات الأميركية، وهذا التجاوب تجلى في موضوع ترسيم الحدود البحرية، بحيث أن الاميركيين يعتبرون أنهم في حال استطاعوا الانتهاء من ملف الترسيم، سيشكل ذلك نزع ورقة قوية من يد حزب الله ومن يد ايران خاصة بعد الموقف الذي صرح به النائب رعد والذي يناقض ما سمعناه تكراراً من أن حزب الله لن يتدخل في الترسيم”.

ولفت الى أن “الرئيس عون عّبر عن صلابة في التجاوب مع مقترحات المبعوث الأميركي، وذلك يشكل تفسيراً واضحاً وحقيقياً لزيارة السفيرة الأميركية للرئيس عون. هذا التناغم بدأنا نشعر به منذ أن أعيد ملف التفاوض الى الرئيس عون الذي رد بشكل مباشر على تصريح النائب رعد”.

واعتبر أن ” كل ذلك يجري ضمن صفقة كبرى يحاول رئيس الجمهورية منذ استعادته ملف ترسيم الحدود، أن يفلح في إقناع الأميركيين برفع العقوبات عن صهره في الأشهر المقبلة وقبل موعد الاستحقاق الرئاسي، ويصبح النائب باسيل مرشحاً فعلياً لرئاسة الجمهورية. هذا هو ظاهر الأمور، وما عوّدتنا عليه مناورات الرئيس عون والتيار الوطني الحر بأن مصلحة عون وصهره والتيار تأتي قبل كل المصالح الوطنية التي يعتدّ رئيس الجمهورية في الدفاع عنها”.

وشدد على أن ” التناقض بين موقفي رئيس الجمهورية وحزب الله في ملف الترسيم، قائم وحقيقي، ولكن يريد الطرفان تأجيل اظهار هذا الخلاف لأنهما بحاجة الى تبادل الخدمات في هذه المرحلة المفصلية أي مرحلة الانتخابات النيابية، علّ وعسى يمكنهما من خلال التحالف، الحفاظ على الاكثرية النيابية في المجلس الجديد”.

علم: تعاط مرن بين بعبدا والولايات المتحدة

بدوره، أشار الصحافي والمحلل السياسي جورج علم الى أن “هناك الكثير من الملفات بين لبنان والولايات المتحدة ومنها مسألة ترسيم الحدود البحرية ومكافحة الفساد وتطبيق القرارات الدولية وغيرها، وربما تكون قد وصلت الى مسارات معينة تستدعي هذه الحركة الديبلوماسية الأميركية اللافتة تجاه قصر بعبدا وعدد من المؤسسات الرسمية اللبنانية”.

واعتبر أن “موقف لبنان حيال الأزمة بين روسيا وأوكرانيا كان لافتاً بمعنى أن لبنان تجانس الى حد كبير مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في موقفهما ضد روسيا. هذا الموقف في الديبلوماسية المرنة خلق نوعاً من التعاطي المرن بين قصر بعبدا والولايات المتحدة بحيث أن العلاقة في السابق كانت جافة الى حد كبير. لكن هل لهذا الأمر علاقة برفع العقوبات عن باسيل؟ ليس هناك من معلومات على الرغم من أن هناك مناخاً يوحي بأن هذا يساعد أو يليّن الموقف الأميركي الحاد من هذا الموضوع . علينا الانتظار لمعرفة ان كانت هناك صفقة معينة”، كاشفاً عن معلومات لديه تشير الى أن “هناك دولة عربية خليجية تعمل على خط معالجة ملف العقوبات مع أميركا بعيداً عن الأضواء”.

أضاف: “لا يهم ان كان التناقض في المواقف بين حزب الله ورئيس الجمهورية في ملف ترسيم الحدود حقيقياً أو مناورة لأن ما يهمنا أن يسير الملف وفق ما يقتضيه الدستور. وهذا ما يريح المجتمع الدولي بأن حزب الله ليس له أي دور في عملية المفاوضات في ترسيم الحدود”. وتساءل “هل هي بداية تصدع بين الحزب والتيار أو هي لعبة أدوار؟ لا نعرف انما علينا انتظار التطورات المقبلة خاصة في حال جرت الانتخابات”، معرباً عن اعتقاده أن “النائب رعد يريد عبر موقفه من ملف ترسيم الحدود، توجيه رسائل داخلية انتخابية معينة في هذه المرحلة”.

شارك المقال