قراءة طرابلسية لاستقالة علوش المقبولة… سقطة “وفي”

إسراء ديب
إسراء ديب

صُدم الشارع الطرابلسي باستقالة الدكتور مصطفى علوش من تيّار “المستقبل”، فهو الشخصية الوحيدة في هذا التيّار الذي لم يتوقع أحد أن يبادر الى القيام بهذه الخطوة، بسبب تمسكه بمبادئ يُناصر فيها كعادته الرئيس الشهيد رفيق الحريري ونجله الرئيس سعد الحريري الذي اتخذ قراره بتعليق عمله السياسي والانتخابي منذ فترة وجيزة، كان قد شدّد خلالها علوش على أنّ “الرئيس الحريري لم يعتزل السياسة”. ومع وجود العديد من المواقف السياسية التي كان قد ناصر فيها السياسة “الحريرية” لأعوام عدّة، فوجئ الطرابلسيون امس بتقدّم نائب رئيس التيّار بالاستقالة، وهو الذي كان وصفه الحريري في العام 2019 بأنّه “وفيّ”، ونشر صورة تجمعهما وكتب عليها: “الوفاء عملة نادرة في زمن قلّ فيه الصدق”.

وفي وقتٍ تظهر شخصيات عدّة أرادت اتخاذ منحى مختلف عن التيّار الذي أسهم في وجودها سياسياً وانتخابياً في البلاد، على اعتبار أنّ توجهاتها باتت مختلفة وأنّها بقدراتها السياسية “الفذة” التي عرفناها منذ أعوام ستتمكّن من ملء الفراغ في الساحة السنية “سياسياً”، كان علوش لسنوات مناصراً ووفياً “لكنّ الرغبة في الدخول إلى معترك السياسة والانتخابات، غيّرت في (بوصلة) اتجاهاته وآرائه السياسية”، حسب ما يرى بعض الطرابلسيين.

بشكلٍ عام، من يعرف علوش جيّداً، يُدرك أنّ منزله الكائن في المعرض، مقابل مستشفى النيني حيث يعمل، لا تخلو كلّ زاوية فيه، من الصور التي تعود إلى الرئيس سعد الحريري أو تلك التي تجمعه به، وأنّه كثيراً ما رأى أنّ الحريري من “أكثر المظلومين على المستوى السياسي منذ بداياته حتى الآن”، ما يزيد من حدّة الاستغراب من مواقفه الجديدة التي تدفعه للتوجّه إلى الضفة الأخرى من المواقف التي كان قد أطلقها الرئيس فؤاد السنيورة منذ أيّام وأثارت جدلاً واسعاً، والتي يُشير مناصرو التيّار إلى أنّها لا تُغيّر من قرار الحريري أبداً، وأنّهم متمسكون بمقاطعة الانتخابات نظراً الى عدم وجود أيّ شخصية أو لائحة تعكس تطلعاتهم.

ويُمكن القول، انّ المناصرين توقّعوا بقاء علوش ضمن التيّار، أو ان أياً منهم لم يتوقّع موقفاً مغايراً لمواقف الوفاء والدفاع عن الحريري التي استمرّت بلا توقف وفي كلّ الظروف بشدّة وحزم.

علوش الذي كان قد صرّح مسبقاً أنّه “يلتزم بعدم الترشح للانتخابات النّيابية المقبلة”، بات مؤيّداً لمواقف السنيورة، لأنّه خاف وبشكلٍ مفاجئ على مصالح أهل السنّة والجماعة في لبنان والمساحة السنّية في السياسة اللبنانية، كما شعر بالقلق الشديد بعد توسع رقعة نفوذ “حزب الله” محلّياً، وبات شغله الشاغل مواجهة الحزب بعيداً عن “المستقبل”، الذي اعتبر علوش في تصريح جديد له أنّ الحريري فقط من يُمثّل تياره… فإذا كان الحريري يُمثل “المستقبل” لسنوات، ماذا كنتم تفعلون؟ ومن كنتم تُناصرون؟

ولم يخف علوش مسبقاً ضرورة إحداث “ثورة” داخل التيّار لعدم اعتماد منطق العائلة فيه مع ضرورة الاهتمام بمناطق كطرابلس وعكار، وهو ما يراه الكثير من النّاس محقّاً، لكنّ الخروج عن التيّار في وقتٍ كان لا بدّ فيه من التركيز مع “محبوبه” سعد، لم يكن خياراً مثالياً، في وقتٍ تنهال عليه التعليقات والإدانات السلبية بعد خطوته الأخيرة.

يبدو أنّ “عضّ اليدّ التي تُمدّ” باتت حركة عصرية في السياسة اليوم، إذْ أظهر قرار الحريري على الرّغم من خطورته محلّياً وتداعياته سلبياً، الكثير من المواقف الصادمة، وأزال وسيُزيل مختلف الأقنعة التي كانت تنصر الحريري، الذي يصف مناصروه ما فعله بأنه “ضربة ذكاء”، لأنّه سيُنصفه جيّداً، وسيتمكّن من تحديد المناصرين والمعارضين له، أو الممثلين الذين أبدعوا في إخراج أنفسهم بعد سنوات من الكفاح و”شدّ الأعصاب” إلى ممرّ جديد اعتقدوا أنّه سيكون ملائماً للمشهد السياسي المعقّد.

وكان تيار “المستقبل” أعلن ‏أنّ علوش تقدّم باستقالته من التيار في اتصال ‏أجراه مع الرئيس سعد الحريري، الذي اعتبرها “نافذة”، و”أودع القرار الأمانة العامة للعمل بموجبها”، مشيراً إلى أنّ علوش الذي يقدّرون مواقفه ومهمّاته التي تولّاها، “بات متحرّراً ‏من أيّ التزامات تنظيمية وله الحقّ الكامل ‏وفق الأصول أن يسلك الطريق الذي يراه مناسباً سواء في الانتخابات أو ‏سواها”.

آراء متباينة

ليست خافية الحيثية الكبيرة التي يحظى بها الدكتور علوش شعبياً في مدينته طرابلس، فهو رجل محبوب، طبيب دقيق، وسياسي وفيّ يُناصر بكلّ ما يملك من قوّة، الرئيس الحريري، ولكن بعد استقالته من التيّار وضع الكثير من النّاس علامات استفهام حول حقيقته المواقف التي يتبعها ودقتها.

وفي جولة لـ “لبنان الكبير” بين أحياء طرابلسية، أكد الكثير من المواطنين أنّ صدمتهم بعلوش كبيرة جداً. وقال أبو عمر وهو أحد القاطنين في البداوي: “عرفنا علوش من المستقبل، فصحيح أنّه طبيب ناجح لكنّه كان سياسياً والسياسة هي من دفعته إلى هذا النجاح، أيّ أنّ سرّ أو مفتاح نجاحه هو الرئيس الحريري الذي تمسّك به، لهذا السبب نستغرب موقفه الأخير”.

بدورها، لفتت سناء ع. من الميناء إلى أنّ الحريري حين يعود إلى العمل السياسي لن يُكرّر اختياره لهذه الشخصيات التي أرادت بناء قاعدتها السياسية على حسابه. أمّا شقيقتها وفاء فرأت أنّ الغدر بات من طباع البعض وأنّ الوفاء بات صعباً للغاية.

من جهته، لا يُؤيّد جنيد ر. ما قام به علّوش، “لكننا اكتشفنا أنّ مصلحته باتت تغلب عليه، وقد يكون من حقّه اتخاذ القرار الذي يحبّ انما ليس بهذه السرعة وبهذه الطريقة التي تطعن بثوابت قيل عنها انها مبادئ سياسية علوشية”.

شارك المقال