سفن أوكرانيا في مرفأ طرابلس: ربّ ضارة نافعة؟

إسراء ديب
إسراء ديب

يبدو أنّ الانعكاسات الاقتصادية والتنموية للحرب الروسية – الأوكرانية ستتجاوز حدود هاتيْن الدّولتين، إذْ لا يُمكن إخفاء تداعيات هذه الحرب التي تضرب الاقتصاد العالمي المرتبط ببعضه البعض، وبالتالي لا ننكر ما ستنتجه هذه الحرب على الأراضي اللبنانية التي بدأت تظهر عليها عوارض هذه الانعكاسات مبكراً وقبل أيّ دولة، إذ بدأ العديد من التجار بإخفاء بعض السلع الرئيسة مباشرة على الرّغم من وجودها بكثرة في الأسواق، ما يدفع النّاس إلى الدخول في مرحلة من “الهلع” الاقتصادي والغذائي.

في الواقع، يقوم عدد من التجار بمهمّتهم المعتادة من خلال سحب السلع من المتاجر الرئيسة حتّى أمام العامّة بلا حسيب أو رقيب، ومن دون أن يشعروا بالقلق من المعنيين بالشأن الاقتصادي. إذْ لا يُمكن نسيان المقاطع المصوّرة حديثاً التي تُظهر قيام موظفين في بعض المحال لا سيما الكبرى منها بأخذ الزيوت لإخفائها عن النّاس، أمّا من كان يشهد على هذه الظاهرة التي أجبرت الكثير من اللبنانيين منذ أشهرٍ على تغيير عاداتهم اليومية وأسلوب تبضعهم المعتاد، فقد كان يتحسر ويكتفي بتصوير هذه الحادثة فقط ليُقدّم للمعنيين دليلاً قاطعاً على تجاوز القوانين، ولكن لا حياة لمن تُنادي، وهذا ما يُدركه أصحاب الشأن جيّداً من الشمال إلى الجنوب.

وحسب معلومات “لبنان الكبير” فانّ المنطقة الحرّة في مرفأ طرابلس التي تتولّى تقديم مختلف الخدمات “أبزرها إدخال البضائع والتركيز على تحويلها، معالجتها، وتوضيبها، وهي تتمتّع فعلياً بميزات اقتصادية ومالية لتشجيع الصادرات والواردات”، تمّ إخفاء السكر منها مع احتمال اختفاء الأرز أيضاً. والسكر لم يختف دفعة واحدة، أو مباشرة مع انطلاق الأزمة العالمية، بل اختفى على دفعات، وبعد توجيه طلب للحصول على أطنان من السكر (30 طنًا)، لم يتمّ إيجاد أيّ كيس في المنطقة.

كذلك قام التجار الطرابلسيون بإخفاء السلع على الرّغم من قيام شركات مختلفة بطلب البضاعة، لكنّها سحبت مع العلم أنّها مدفوعة جمركياً. فمرفأ طرابلس الذي تتواجد فيه أهمّ شركات المواد الغذائية واحداها شركة البيطار وغيرها مثلاً، تستأجر مستودعات في المنطقة، وبعد استيراد هذه البضاعة وبسبب عدم القدرة على استيراد غيرها مع تصاعد حدّة الخلافات العسكرية خارجياً يتمّ إخفاء بعض السلع، وهي استراتيجية باتت متبعة في كلّ لبنان ومع كلّ التجار، وتعدّ احدى تداعيات أزمة خطيرة تستدعي دقّ ناقوس الخطر لأنّ نتائجها ستكون كارثية اقتصادياً.

وعلى الرغم من السلبيات الكبيرة للحرب الأوكرانية – الروسية، إلّا أنّه يُقال أحياناً في مثل هذه الظروف “ربّ ضارّة نافعة”، إذْ يستفيد مرفأ طرابلس بكلّ موظفيه والقائمين عليه من هذه الأعمال الحربية التي عجزت سفن عدّة بسببها عن الإبحار في بحر أزوف أو الرسو والإبحار من موانئ أوكرانية، إضافة إلى تراكم سفن في منطقة البحر الأسود، ما يدفع إلى تفريغ البضائع في مرافئ مختلفة وأبرزها مرفأ طرابلس.

وكان رئيس نقابة الوكلاء البحريين في لبنان مروان اليمن قال في بيان: “اضطرارياً، بدأت بعض شركات الملاحة بتفريغ بضائع الحاويات برسم أوكرانيا في مرافئ خارجية متعددة، وسيكون مرفأ طرابلس في شمال لبنان ضمناً بالنسبة الى البضائع المنقولة على الخطوط الملاحية المباشرة بين الصين والشرق الأقصى عبر قناة السويس إلى شرق المتوسط وصولًا الى موانئ البحر الأسود”.

وأوضح مصدر في المرفأ لـ “لبنان الكبير” أنّ “البواخر العاجزة عن الإبحار لا يُمكنها الاستمرار في البحر، لهذا السبب بدأت بالاتجاه إلى مرافئ مختلفة ومنها مرفأ المدينة، إذْ ستصل بواخر كبيرة محمّلة بالبضائع لتفريغها وحين تُحلّ الأمور ستعود بباخرة أخرى، ما يلفت إلى وجود فائدة اقتصادية ستعود على هذا المرفأ وهي الفائدة الوحيدة التي يُمكن استخلاصها في ظلّ احتدام المعارك”.

أضاف: “كما وصلت منذ أيّام، السفينة princess Mariam القادمة من ميناء ماريوبول الأوكراني وهي محمّلة بـ 7 آلاف طن من القمح، مع انتظار سفينة أخرى، تُدعى Golden bird محمّلة بـ 11 ألف طنّ من القمح، آتية من ميناء بردياتست في أوكرانيا ستصل قريباً إلى المرفأ أيضاً”. وإذْ لفت المصدر إلى أنّ هذه السفن غادرت الموانئ الأوكرانية قبل وقت قصير من بداية الحرب، شدّد على أنّ “الاستمرار في هذه الحرب يؤدّي إلى ازدياد نطاق الأرباح التي تحظى بها الموانئ لفترة، لكن لن تستمر طويلاً حين تُعرقل هذه الحرب العسكرية وصول السفن وغيرها”.

شارك المقال