“الميغاسنتر”… خطوة اصلاحية بنية إلغائية

هيام طوق
هيام طوق

وكأنه لا يكفي الساحة السياسية فائض الخلافات بين أركانها، ولم يكتف الشعب اللبناني من مرارة أزماته، فينام على مشكلة ويصحو على أخرى لأن السلطة الحاكمة تريده أن يبقى على أهبة الاستعداد للأسوأ لأنه من طينة “الشعب العظيم” الذي لا يليق به سوى التدحرج نحو الجحيم والموت الرحيم .

وآخر فصول السلطة، الاستفاقة المتأخرة على “الميغاسنتر” لضرب عصفورين بحجر واحد: أولاً، لإلهاء الناس عن مصائبها المعيشية التي تلاحقها الى الفراش في ظل غياب أي خطة استباقية فعلية. وثانياً، لتأجيل الانتخابات النيابية لأشهر عدة على أمل أن يطرأ حدث طارئ على الصعيد الداخلي أو تتبلور الصورة في الخارج إن كان لناحية الحرب الروسية – الأوكرانية، أو لناحية محادثات فيينا التي على ما يبدو أطفئت محركاتها التي كادت أن تبلغ نقطة الوصول.

صحيح أن كل الأطراف يؤيدون اقامة مراكز “الميغاسنتر” كخطوة اصلاحية، إلا أن الخلاف واضح والانقسام في الآراء يبدو جلياً بين من يعتبر أن هناك عقبات قانونية ولوجيستية ومالية تحول دون القيام بمثل هذه الخطوة في الوقت القصير الذي يفصل عن الانتخابات، وبالتالي، لا يجوز تأجيل الانتخابات لحظة واحدة بذريعة “الميغاسنتر”، في حين يرى آخرون أن انشاء هذه المراكز الكبرى لا يبدو صعب التحقيق، وبالامكان تلبية الحاجات المالية واللوجيستية لذلك لأن كلفتها ليست مرتفعة، وبالتالي الأمر لا يتطلب سوى اعطاء الضوء الأخضر للدوائر المعنية في وزارة الداخلية للبدء بالعمل .

وبغض النظر عن نتائج اللجنة المكلفة متابعة الموضوع، وعرضها على مجلس الوزراء، وعما يصرح به مقربون من العهد علناً عن ارجاء الانتخابات بعدما كان يكثر الحديث عنه همساً، وبعد أن جدد رئيس الجمهورية ميشال عون تمسكه بانشاء “الميغاسنتر” كما صهره النائب جبران باسيل الذي قال: “ما رح نقبل” بعدم اعتماد هذه المراكز في الانتخابات، لا بد من طرح الأسئلة التالية: هل يكفي قرار وزير الداخلية لبدء العمل أو أن “الميغاسنتر” يحتاج الى تعديل قانوني في مجلس النواب خاصة وأن هناك اختلافاً في مجلس الوزراء حول هذه النقطة؟ ما مدى امكان تنفيذ هذه المراكز في المدة المتبقية للانتخابات؟ وما هي الصعوبات التي تعرقل مسار التنفيذ؟

“الميغاسنتر” والاجراءات الادارية والتنظيمية وآلية التسجيل

يشرح الباحث السياسي والاقتصادي بلال علامة لـ “لبنان الكبير” آلية عمل “الميغاسنتر” الذي أصبح في الفترة الأخيرة حديث الناس، الذين يستسفرون عن آلية اعتماده في حال تم تنفيذه، ويقول: “الميغاسنتر ليس فكرة فريدة تطبق في لبنان انما تعتمد في كل دول العالم لتسهيل عملية الاقتراع، خاصة للمقترعين المقيمين خارج مناطقهم بحيث يصبح اقتراعهم معقداً الى حد ما، ويتكبدون مصاريف وكلفة كما تجعل من الناخب أسير الطرف الذي يقدم خدمة انتقاله”.

ويوضح أن “الميغاسنتر عبارة عن مراكز كبرى توضع فيها أقلام اقتراع لكل الدوائر، يتم تنفيذها في المدن الأساسية حيث يستطيع الناخب الاقتراع في أحد المراكز. لكن انشاء هذه المراكز يتطلب مجموعة من الاجراءات والخطوات الادارية التنظيمية، ومنها: كل مركز أو قلم يحتاج الى رؤساء أقلام وكتاب الى جانب لجنة الرقابة أو ما يسمى هيئة الاشراف ولجنة القيد التي تفرز الأصوات. اذا تمت عملية الفرز الكترونياً تنتفي حاجة الفرز في الميغاسنتر، وهذا يتطلب من السلطة تأمين الاجراءات اللوجيستية الضرورية بحيث أن كل مقترع في هذه المراكز يجب أن يظهرعلى لائحة الأسماء بأنه قام بواجبه الانتخابي كي لا ينتخب في مكان آخر”.

ويشير الى أن “عملية التسجيل المسبق في الميغاسنتر تجعل من المشرفين على الانتخابات وتحديداً وزارة الداخلية مجبرة على أن تعد لوائح للميغاسنتر بالأسماء التي تسجلت للاقتراع في هذه المراكز، ومن ثم شطب هذه الأسماء أو وضع اشارة الى جانبها بأنها مسجلة للاقتراع في المراكز. وعملية القيود أو احتساب الأصوات يجب أن تكون اما بواسطة لجنة قيد موجودة في الميغاسنتر أو تنتقل الأصوات الى مراكز لجنة القيد العليا للفرز كي يتم ضم الأصوات الى الأصوات في الأقلام الأساسية”.

ويضيف: “هذه العملية تتطلب جهازاً ادارياً لضبطها وتأمين الأموال اللازمة لتجهيز الفريق الاداري وهيئة الاشراف ولجنة الرقابة التي يجب أن تمارس أعلى ضبط ممكن لناحية كيفية احتساب الأصوات أو نقلها الى وزارة الداخلية وبشفافية وسرية مطلقة وبحماية أمنية كبيرة لعدم التلاعب بها”.

ويشدد علامة على أن “على وزارة الداخلية أن تحدد الاجراءات بعد اصدار قرار بإنشاء الميغاسنتر ثم افتتاح منصة لدعوة الناس الذين يرغبون بالاقتراع في هذه المراكز للتسجيل على المنصة ثم تعطل امكان اقتراعهم في المراكز الأساسية، وإعداد اللوائح للمسجلين في الميغاسنتر مترافقة مع اجراءات انشاء المراكز وتحضيرها. هذه العملية تتطلب إنفاقاً اضافياً على بعض التجهيزات لربطها بالشبكة الأساسية أو بمركز الداخلية. وكل ذلك يتطلب فريق عمل في وزارة الداخلية يكون مؤهلاً لمثل هذه الخطوات”.

“الميغاسنتر” يحتاج الى تعديل قانون الانتخاب

ومن الناحية القانونية، يلفت رئيس مركز “ليبرتي للدراسات القانونية والاستراتيجية” محمد زكور الى أن “الميغاسنتر يسمح للناخب بالاقتراع من مكان اقامته، وبالتالي، فالانتخاب عبر مراكز الكترونية كبيرة يعدل في آلية الانتخاب، ما يعني أنه لا بد من تعديل لقانون الانتخاب بإضافة وسيلة الانتخاب عبر الميغاسنتر. أما من حيث المهل القانونية، فإن ذلك يتطلب تمديداً للانتخابات النيابية لأن العملية ستؤثر حتماً على الاجراءات التنظيمية للانتخابات، اذ أننا نعلم أن لوائح الشطب قد صدرت وكل شخص يعرف من الآن في أي مركز ينتخب. لذلك، عندما نذهب الى آلية الميغاسنتر، سيُصار الى تعديل مواقع القيود وتعديل أمكنة الانتخاب التي يجب أن ينتخب فيها المواطنون مما سيؤثر على العملية الانتخابية من حيث التأخير في المهل”.

ويستبعد “أن تلجأ القوى الى اعتماد الميغاسنتر لأن الجهة المطالبة به والتي تصر عليه تدرك أن احتمال أن يبصر النور ضعيف جداً لكنها تنادي به وتتمسك به من قبيل المزايدة السياسية ولكسب تعاطف جميع الناخبين،  ولمغازلة المجتمع الدولي لأننا كما نعلم أن فرنسا وألمانيا عرضتا تمويل مشروع الميغاسنتر بمليون و400 ألف يورو لاعتبارهما أن هذه المراكز تشكل خطوة اصلاحية دستورية وسياسية”، مؤكداً أن “المشروع لن يبصر النور لأن القوى الأساسية وعلى رأسها الثنائي الشيعي غير متحمسة لهذه المراكز”.

شارك المقال