ماذا يريد شربل نحاس من تخمة الترشيحات باسم الثورة والتغيير؟

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

ينشط الوزير السابق شربل نحاس من خلال ائتلاف الثورة وبعنوان التغيير في تشكيل اللوائح، ويحاول نشره في كل المناطق اللبنانية. وحتى اللحظة رشح حوالي 55 اسماً، وربما تكون لائحة ائتلاف الثورة التي شكلها في المنتدى في صور من أربعة أسماء طرحها نحاس، أسماء شابة. إلا أن المشكلة التي نراها شبيهة باللوائح التي يجري إعدادها في كل المناطق اللبنانية، هي جهل طبيعة العمل في هذه المنطقة، وجهل مزاج أهلها، وهو ما يفسر التساؤلات التي أثيرت عن هوية هؤلاء المرشحين غير المعروفين من قبل الأهالي.

ويقول أحد المتابعين للحركة الانتخابية لـ “لبنان الكبير”: “عندما جرى السؤال عنهم تبين لنا أنهم من أولاد المنطقة، لكنهم لا يعيشون فيها، ولا يعرفون همومها، لا بل أكثر من ذلك لا يفهمون حياتها ولا قدرة لهم على التأثير، أي أن التشكيلة كانت فوقية من شخصيات بعيدة عن المنطقة، وظهر ذلك حين ذهب هؤلاء المرشحين إلى المنتدى الثقافي في صور ليسمعوا رأيهم للناس، ولم يتجاوز عدد المشاركين في هذا اللقاء أكثر من خمسة أشخاص كما تردد، وكان السؤال المطروح ماذا يستطيع هؤلاء تحقيقه في هذه المنطقة الجنوبية؟ هل يستطيعون حمل همومها أم لديهم القدرة على مواجهة السلطة؟ بينما استبعد عن الترشح الأشخاص الذين شاركوا فعلياً في نشاطات الثورة في المنطقة بشكل شبه يومي. من رشحوا لم يكونوا موجودين على الأرض”.

هذا المثل في صور يمكن أن يكون معبّراً عن بقية المناطق، سواء في البقاع أم بيروت أو غيرها، اذ تشير مصادر متابعة إلى أن “شربل نحاس يسعى بكل الطرق الى تقديم نفسه كشخصية تملك على الأرض أسماء وازنة، وأنه رجل تنظيم وقدرة، يتلاعب بالترشيحات ويقدم مرشحين وفق مزاجه وهواه”.

يتهم بعض الثوار نحاس بـ “الغطرسة والفوقية في التعامل، فهو لا يرى على الأرض سوى مجموعته، ويعتبر نفسه هو الثورة وهو محركها. ولا يعترف بتعددية باقي مكوناتها الأخرى، ومن هذا المنطلق النرجسي، لا تستطيع أن تنافسه أو حتى ترقى الى مرتبة تحالفه معها”.

ويشير هؤلاء الى أن نحاس “مرشح في الشمال، لكنه شكل لائحة في البقاع، ولا أحد يعرف أو التقى أحد شخصيات هذه اللائحة في البقاع، وهناك مجموعة منضوية في إطار (مواطنون ومواطنات)، تتعامل مع المكونات الأخرى في الثورة على أساس أنها طليعة حزب يقود الحرب العالمية الثالثة، ولها القدرة على تغيير الكون”.

ويلفتون الى أن “ما يثير التساؤلات، هو عدم رغبة نحاس في التنسيق مع المجموعات المتنوعة في الثورة والمعارضة، ولهذا يعمل على لوائح خاصة به، قد تضم آخرين حسب المصلحة الانتخابية ووفقاً لحساباتها، في إطار السعي إلى كسب أصوات من الأطراف الأخرى، التي يمكنها مشاركته من دون أن تكون شريكة في الثورة حتى، فهو لا يعمل على لائحة في إطار جهود توحيد مجموعات الثورة والمعارضة”.

ويجد مراقبون لنشاط نحاس أن “مشكلته ليست في مواجهة السلطة والدولة، وعملية التغيير، بل هي عملية انتقامية. وما نراه أنه يرشح على مستوى الوطن، لكنه لا يريد التغيير، إنما يريد امساك الأوراق التي يمكن أن تشكل له أجندة يعمل بها حسب أوامر محركيه”.

ويشيرون إلى أن مجموعة “مواطنون ومواطنات” عددها معروف، فكيف يمكن أن يشكل هذه اللوائح، ومن سيؤمن لها العمل لوصولها إلى البرلمان؟ هنا يبدو أن “غايتهم الأولى والأخيرة هي التشويش على المعارضة، عبر خلط الأوراق، وقد تبوء محاولاتهم بالفشل، كما حصل في المتن مثلاً، فالترشيحات في المناطق كما هو ظاهر تحدده طبيعة المهمة المنوطة به، لإعاقة دور قوى من الثورة وشخصياتها”.

قد يكون شربل نحاس قادراً على مخاطبة الشارع العلماني المرتبط تحديداً بالحزب “الشيوعي”، قيادة ومنظمات، وهو يلجأ إلى استخدام أساليب الإثارة في شعاراته حول مفهوم رأس المال، والوطن للعمال، والمصارف هي من تسرق الناس. ويحاول تصغير المشكلة اللبنانية وتحجيمها إلى مشكلة سببها موظف من الدرجة الثانية، والمقصود حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، فهو يهاجمه بالقول: “أنت صنعت هذه المشكلة”. والواضح أنه يبتعد عن النقد الفعلي لـ”حزب الله” ودوره وحمايته لهذه المافيا بواسطة السلاح. وهو مثلاً يتجنب توجيه الانتقاد إلى سيطرة “حزب الله” على مرافق الدولة، بدءاً من المرفأ والمعابر والمطار، ولا يكشف عن جباياتها ولا عن حقيقة “القرض الحسن”، بل يبتعد عن الخوض في هذه المسائل ولا يناقش فيها. وبالتالي يحوّل نقاشاته إلى نقاشات بيزنطية، لا سيما أنه يمتلك بعض فنون انتقاء اللغو السياسي، بجمل وعبارات تحاول تضييع مسار البوصلة التي يناقش بها أمام الإعلام، أو أمام محاوريه، لكونه آتياً من مدرسة لها “باع” وقدرة على النقاش والتفاوض، وعرض الآراء بطريقة “سفسطائية، من دون كلل أو ملل”.

بعض المنتقدين لتصرفات نحاس، يقولون إنه “يتصرف بغطرسة ونرجسية امبراطور من عصور الظلام، يقدم شخصياته المرشحة في إئتلافات وتجمعات معارضة، معظمهم من محازببه (مواطنون ومواطنات)، حوالي 55 مرشحاً، ما يعني أنه يريد نصف المجلس النيابي، من دون الاكتراث لرغبات الشارع، وللمجموعات المعارضة والقوى الموجودة التي قد يكون لها ثقل هنا أو هناك”.

وبرأي هؤلاء “لا بد من طرح السؤال في ظل هذا مثل هذه التصرفات ممن يدّعي أنه يقوم بعمليات التغيير. فلحساب من يشتغل؟ من هم حلفاؤه؟ مع من يتشاور من تحت الطاولة؟ ولمصلحة من يشتت الصوت المعارض؟ فهل باتت وظيفة شربل نحاس التخريب، من خلال هذا السير الممنهج مع حلفائه، ومع النشطاء المتعاونين أو الذين يقدمون له تلك الخدمات في عملية الترشح ودفع الأموال الباهظة، التي يصرفها على هذا المجمع الانتخابي الذي وصل إلى خمسة وخمسين مرشحاً حتى هذه اللحظة، ولا تزال اللائحة طويلة. ربما إذا استطاع نحاس أن يعلن عن لوائح كاملة باسم المعارضة كافة، يقول للعالم إنه حزب طليعي”.

ويذكرون هنا بتجربة حزب “سبعة”، الذي تم خوضها في العام 2018، اذ “كانت لهذا الحزب مهمة قاسية مدعومة للوقوف في الشوارع وتشتيت آراء الناس بالتغيير، عبر محاولتها الاعتراض على المنظومة وعلى الطبقة السياسية، لتقول بأنها ذهبت نحو حزب سبعة، الذي كان يطرح أفكاراً معارضة، ولكن الأهم من هذا كله، أن هذا الحزب لم يصل إلى الندوة البرلمانية إلا بشخصية واحدة، هي النائب بولا يعقوبيان، والتي انسحبت من الحزب فور وصولها إلى الندوة البرلمانية. وهذا الحزب أصبح مكشوفاً، ووقع في المحظورات لجهة التمويل، وصار السؤال من الممول ومن الذي يدعم، ولماذا كانت هذه الحركة البهلوانية من الحزب أمام الحركة الاعتراضية الفعلية عبر حجب الأصوات عن المعارضة؟ وبالتالي تم السماح للمنظومة الحاكمة بالحصول على حواصل بفعل تشتت لوائح المعارضة”.

اذاً اللعبة التي يلعبها اليوم شربل نحاس، شبيهة بلعبة الأمس التي لعبها جاد داغر. ولهذا السبب تقلص دور حزب “سبعة”، ولم نر في “مواطنون ومواطنات” تخطياً لهذا السقف، خاصة لجهة الأشخاص الذين لا يؤمنون بطروحات نحاس، والذين يرون فيه شخصية غير تغييرية وغير موثوقة، بل تعمل ضمن أجندات هدفها التشويش على المعارضة، وتنظر إلى الناس من برج عالٍ، وأكثر ما يمكن أن تقدمه هو التفاوض مع سوريا أو مع “حزب الله”.

هذا هو شربل نحاس، ومن يتعاون معه سيتعاون مع “حزب الله”، و”التيار الوطني الحر” هو الذي سيستفيد من مرشحي الحزب “الشيوعي” في المناطق، ليحل الضائقة التي يعاني منها، وليكون الغطاء شربل نحاس، كونه من المحسوبين على الثورة. والحزب الذي يدع الثورة تقدم الغطاء الانتخابي، لن يحصل على أي شرعية في لائحة حزب “التيار الوطني الحر”.

شارك المقال