واشنطن وفرصة ذهبية لتحسين العلاقات مع الصين

حسناء بو حرفوش

هل أمّن الغزو الروسي مساحة لتكثيف المفاوضات من أجل تقليل التوترات حول القضايا الاقليمية في ما يتعلق بتايوان وآسيا والمحيط الهادئ؟ سؤال يجيب عنه تحليل يسطر ضرورة استغلال الولايات المتحدة الأميركية بعض المؤشرات التي تلفت الى تراجع بكين عن الدعم الكامل للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وتحديداً من خلال استخدام وزير الخارجية الصيني مصطلح “الحرب” المحظور في السابق.

ووفقاً للتحليل، “يجب على إدارة (جو) بايدن الافادة من ابتعاد بكين عن موسكو لتحسين العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، خصوصاً وأن أحد التغييرات الأكثر إثارة للقلق في النظام الدولي في السنوات الأخيرة يرتبط بتوسيع العلاقات بين روسيا والصين. وبالعودة إلى التجارب التاريخية، في العام 1972، استغل ريتشارد نيكسون العداء بين بكين وموسكو، اللتين خاضتا حرباً حدودية غير معلنة، فكر خلالها الاتحاد السوفياتي حتى بضرب المنشآت النووية الصينية. وعلى الرغم من أن الاختلافات بين نيكسون وماو تسي تونغ كانت عميقة، الا أن القلق بشأن الاتحاد السوفياتي احتل الأولوية. وازدهرت العلاقات الصينية – الأميركية بعد وفاة ماو في العام 1976 وصعود دنغ شياوبنغ.

وبفضل التجارة، تطورت جمهورية الصين الشعبية سريعاً، ونمت طموحاتها الجيوسياسية وقوتها العسكرية بالتوازي مع انتشارها الاقتصادي، وبلغت ذروتها في عهد الرئيس شي جين بينغ المعادي للغرب بشكل علني. وبالتوازي، انهارت علاقة واشنطن بروسيا خلال العقد ونصف العقد الماضيين، بسبب حرب موسكو اللاحقة ضد جورجيا والتدخل في أوكرانيا، ثم انهارت العلاقات الأميركية – الروسية مع غزو أوكرانيا حالياً. وأدى هذا التطور إلى انعكاس مذهل لمناورة نيكسون، بحيث تجاهلت موسكو وبكين خلافاتهما المهمة وأقامتا تحالفاً مشتركاً مناهضاً للولايات المتحدة بشكل متزايد إن لم يكن تحالفاً رسمياً. وعزز بوتين وبينغ العلاقات بشكل أكبر خلال الألعاب الأولمبية التي أقيمت الشهر الماضي في بكين، كما وقعت الحكومتان العديد من صفقات الطاقة.

علاوة على ذلك، في حين رفضت جمهورية الصين الشعبية الانضمام إلى عقوبات الولايات المتحدة وحلفائها، فقد أثبتت أيضاً عدم استعدادها للمخاطرة بالانتقام من خلال انتهاك هذه القواعد. وبدلاً من ذلك، استعدت الشركات الصينية للامتثال للعقوبات المناهضة لروسيا. قال المسؤولون الروس إنهم سيضطرون إلى البحث في مكان آخر بعد أن رفضت الصين توفير قطع غيار الطائرات. حتى أن بنك الاستثمار الآسيوي في البنية التحتية، الذي يديره من الصين، جمّد الأعمال التجارية مع بيلاروسيا وروسيا “لحماية سلامته المالية”.

أما الآن في الوقت الذي تعبّر فيه جمهورية الصين عن قلقها إزاء الخسائر في صفوف المدنيين، وحثها على إجراء مفاوضات لانهاء الصراع، والتعبير عن استعداد الحكومة “للعمل بنشاط” للوساطة، يجب أن تسعى إدارة بايدن الى تكرار تجربة نيكسون. من الواضح أن التوقعات يجب أن تكون متواضعة، لكن الوضع الحالي مختلف جداً عما كان عليه، على الرغم من إصرار الصين على متانة الصداقة بين البلدين. ومع ذلك، من المحتمل بشكل كبير أن تزعج الأزمة الحالية الصين لأسباب عدة:

أولاً، حسب ما ظهر، ارتكب الجيش الروسي خطأً فادحاً بشكل كبير خلال الأيام الأولى للصراع على الرغم من امتلاكه بعض الخبرة القتالية، في كل من دونباس وسوريا. وقد يواجه الجيش الصيني صعوبات مماثلة، ويحتمل أن تكون كارثية، في محاولة الهبوط البرمائي في تايوان.

ثانياً، أثبت الغرب قدرته على التصرف بسرعة لفرض عقوبات اقتصادية شاملة، يمكن تطبيقها على الصين في حال حدوث أزمة. وعلى الرغم من أن العديد من الدول سيتردد في قطع العلاقات الاقتصادية مع الصين، قد تتسبب الجبهة الموحدة بين الولايات المتحدة وأوروبا، باضطرابات كبيرة في الاقتصاد الصيني.

ثالثًا، روسيا شريك غريب الأطوار، ويشكك العديد من المراقبين في حكم بوتين. حتى أن النصر في أوكرانيا إذا تحقق، لن يحدث إلا بتكلفة كبيرة، وبعد ذلك ستواجه موسكو ما كان يخشاه بوتين، أي تجدد تحالف الناتو بموارد أكبر يضع قوات وأسلحة إضافية على حدود الدول الأعضاء مع روسيا. ومن المرجح أن تؤدي الحرب إلى زيادة دائمة في النفقات العسكرية الأميركية والأوروبية.

يجب على إدارة بايدن مخاطبة بكين باقتراح لاجراء مفاوضات مكثفة لتقليل التوترات حول قضايا تايوان وآسيا والمحيط الهادئ الاقليمية. ويجب أن يكون الهدف إيجاد تسوية مؤقتة يمكن لجميع الأطراف قبولها.

ويبقى أفضل أمل للنجاح هو السعي وراء أجندة إيجابية، بدلاً من السعي المتفاخر إلى تقسيم بكين وموسكو. من شبه المؤكد أن محاولة صياغة صفقة كبرى تنطوي على العديد من القضايا التي تعكر صفو العلاقة بين الولايات المتحدة والصين. ومع ذلك، سيشكل تضييق التركيز على الصراع المحتمل في آسيا، والذي تقدم فيه الأزمة الأوكرانية الدروس الأكثر صلة، فرصة أكبر للنجاح. ولا شك أن مثل هذه الاستراتيجية ستتطلب جهداً جاداً في وقت صعب، لكن المكاسب المحتملة تجعل الأمر جديراً بالمحاولة. وعلى الرغم من أن الصراع في أوكرانيا كارثة لجميع المعنيين، الا أنه يوفر مع ذلك لواشنطن فرصة للسعي الى تحسين العلاقات مع الصين التي يجب أن تبقى أولوية”.

شارك المقال