صورة الانتخابات بين السلطة والمعارضة… الكل في دوامة

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

حتى الآن لا تبدو صورة الانتخابات واضحة، فعملية خلط الأوراق متواصلة، وأحزاب السلطة تسعى الى خرق مجموعات الثورة وتنجح في إدراج مرشحين، أو رمي ترشيحات باسم الثوار هنا وهناك، لإرباكهم وكسر اندفاعتهم. كما أن مجموعات المعارضة والثوار على تباين في المواقف، والصراع يجري بينها على المقاعد، وليس على الوقوف في وجه منظومة الحكم الحالي، والواضح أن هناك خروقاً كثيرة في صفوفها ضيعت عليها بوصلة المعركة.

وتقول مصادر متابعة: “من الواضح أن هناك ضغطاً إيرانياً وسورياً، من خلال طرح مرشحين من أحزاب وشخصيات تابعة، مثل البعث والحزب السوري القومي الاجتماعي، في محاولة لاستفراد مرشحي الحزب التقدمي الاشتراكي، وهذا ما طرحه علناً النائب وائل أبو فاعور، الذي أشار إلى إيعاز المخابرات السورية باستنهاض كل من له علاقة بالنظام في كل الدوائر، والتصدي لمرشحي المعارضة والثورة. وهو ما يفسر كذلك موقف الرئيس نبيه بري، الذي أخذ على لائحته مروان خير الدين، ورشح معه إيلي الفرزلي وطارق الداوود، حتى أن بري طلب من جنبلاط عدم طرح مرشح أرثوذكسي في البقاع الغربي”.

وتلفت هذه المصادر إلى “حالة الضياع السائدة في الساحة السنية، بعد قرار تيار المستقبل عدم الترشح والانتخاب، ولجوء بعض الشخصيات المعارضة والمحسوبة على المستقبل الى اتخاذ طريق آخر، من موقعها المعارض لحزب الله الساعي بكل الطرق والوسائل إلى ملء الساحة السنية بشخصيات تابعة له، بهدف إيصال كتلة نيابية كبيرة إلى البرلمان، يتحكم من خلالها بموقعي رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، والقول للمجتمع الدولي إنه يملك الشارع، وان اللعبة الديموقراطية أوصلته إلى الحصول على الكتلة الأكبر في البرلمان من خلال صندوق الانتخاب”.

وبرأي هذه الأوساط أن “حالة الضياع هذه موجودة عند بقية الطوائف أيضاً. والملاحظ أن الأمور لم تأخذ منحى إيجابياً، فالتردد والضياع يتحكمان بأحزاب السلطة، كما تعيش الحركة الجماهيرية الحالة نفسها، نتيجة غياب الخطة الاعتراضية الصحيحة”.

وتضيف: “مثال على ذلك، مرشحو البراشوت الذين ينزلون فجأة، مثل المرشح عن المقعد السني في طرابلس عمر حرفوش، الطامح الى رئاسة الحكومة أيضاً، والذي يدّعي أنه مع الثورة، في حين أن علاقاته معروفة بحزب الله، الساعي إلى زيادة الترشيحات باسم مجموعات تفرخ كل يوم، وتدّعي أنها جزء من الثورة والمعارضة، وهو ما يضعف ثقة الناس المعترضين والناخبين بمرشحين جديين تطرحهم، وهو ما يريح أطراف حزب الله والمجموعة السورية، ويبقي على المجموعة العونية، ولو كان لدى المجموعة السورية برنامج أو خطة واضحة وكانت موحدة لحققت تقدماً، إلا أن الخلافات القائمة بينها ترتد سلباً عليها حالياً، خاصة وأنها عاجزة عن تأمين احتياجات الناس وحل مشكلاتهم، ولا تستطيع أن تشكل بديلاً. كما أن غياب السلطة عن معالجة أوضاع المواطنين، لا سيما أنهم أمضوا شتاء قارساً بدون مازوت وغاز إضافة إلى انقطاع الأدوية، تجعلهم يقفون ضد هذه السلطة التي تسببت بالانهيار”.

وتتابع: “ولأن لا أحد من هذه السلطة وأحزابها وحلفاء الاقليم يطرحون حلولاً للأزمة المعيشية، في ظل الانهيارات الاقتصادية والأمنية التي عاشها اللبنانيون، من تفجير المرفأ إلى تهريب البضائع عبر المعابر غير الشرعية، إلى الإساءة للدول العربية وفتح صراعات معها، والتهرب من الجمارك، وعدم معالجة المشكلات التي تتراكم، كل ذلك يجعل الثقة بأحزاب السلطة مفقودة، بعد فشل الدولة ومؤسساتها في إدارة كل الملفات، بما فيها جائحة كورونا”.

من هنا، تستنتج الأوساط المتابعة أن “الكل في أزمة، فالمجموعات المعارضة والواقع الذي تعيشه اليوم، يؤشر إلى اختلافات بينها بالمطالب والرؤى، وهي لم تنجح في أن تشكل مجموعة افتراضية تواجه السلطة موحدة، حتى صارت معارضات مخترقة من أطراف عدة، يصعب عليها الاتفاق في البرنامج والالتقاء لخوض المعارك الانتخابية موحدة”.

وترى أن “المجموعات المقربة من النظام السوري تخوض المعركة وكأنها ستحقق نصراً مبيناً، وهناك شخصيات كثيرة كانت تتحدث باسم الثورة، ليتبين لاحقاَ سعيها إلى الكرسي بعيداً عن الشعارات. ونبتت أسماء لا سيما في الجنوب، لم تكن ظاهرة، تدّعي الثورية، ولم يكن يسمع بها سابقاً، وحتى لم يشاهدها أحد في ساحات الثورة، ولم تقطع الطرقات، ولم ترفع شعارات، ولم تلاحقها القوى الأمنية. إضافة الى هذه الصورة برزت شخصيات لديها قوة مالية، تطرح نفسها في الترشيحات وهي تضع إمكاناتها لخدمة نفسها في الانتخابات. في حين أنها في فترة الثورة لم يكن يسمع بها، ولم تقدم أي دعم مالي للثوار، وهدفها اليوم خرق مجموعات الثورة”.

وتلفت الأوساط نفسها إلى “استهانة البعض بقوة أحزاب السلطة والقوى السياسية التابعة، فهي تملك كل الإمكانات المالية والاقتصادية والأمنية واللوجيستية والمالية، التي تحرك غب الطلب مجموعات وفقاً للحاجة من خلال شد العصب الطائفي وافتعال مشكلات أمنية وإرضاء جمهورها ببعض الكرتونات والصناديق، حتى يتناسى المعاناة. وهؤلاء يعطون أصواتهم للزعيم القادر على تخديرهم إيديولوجياً، وعلى اللعب عبر استخدام قوة دعائية تستطيع تحريك الناس لمصلحتهم في فترة الانتخابات”.

وتؤكد أن “الصعوبات كبيرة أمام قوى الثورة المختلفة في معركة الانتخابات، فهناك مجموعات جدية فعلية، لديها رؤى وتصور، وقدرة على مخاطبة الناس، ولكن إمكان عملها أو هامش تحركها ضيق، للعديد من الأسباب، ومنها التوزيع الجغرافي الديموغرافي لهذه القوى، على الرغم من سطوة قوى السلطة على هذه المناطق، وتوظيف كل إمكاناتها للكسب الانتخابي، لكن يبقى الأمل في هذه المجموعات، على الرغم من قلتها، لأنها لا تستطيع العمل بمفردها، في ظل فشل المجموعات في الخروج باستراتيجية وطنية معارضة على مستوى كل البلد”.

وفي هذا السياق، تعطي الأوساط المتابعة مثلاً عن حزب “الكتائب”، الذي “فهم اللعبة بأنه لا يستطيع أن يرشح سوى في مناطق معينة ليخوض هذه الانتخابات. وهو يبني تحالفات فعلية مع القوى السياسية التي من الممكن أن يخوض المعركة معها، ويتوقع أن تكون المعركة طويلة، وفي حال الفشل يدرك أنه يؤسس لموقف مستقبلي ويستعد لمرحلة مقبلة، فالكتائب مد يده لقوى الثورة وعرف حجمها وقدرات مرشحين منها. صحيح الكل لديه حسابات، وقوى الثورة تستطيع أن تخرق في الدائرتين الأولى والثانية في بيروت، فهناك معارضة فعلية يمكن أن تنجح في الخرق، وكذلك في الشمال وعكار، نتيجة غضب الناس من الأحزاب التقليدية، من خلال ائتلاف شمالنا. أما في طرابلس، فالوضع دقيق، وقد تكون هناك شخصيات محسوبة على قوى وأحزاب، ولكنها تعتبر رأس حربة في مواجهة حزب الله. وقد يكون موقف النائب السابق مصطفى علوش لفت النظر إلى إمكانية كانت غير متوافرة سابقاً في التحالف، وهناك أيضاً في زغرتا والبترون مرشحون كثر، قد تكون لهم فرصة في الخرق. وهذه المنطقة خطيرة لأن الصراع فيها تاريخي بين أقطاب ثلاثة: سليمان فرنجية القطب القديم، والقطب الحديث جبران باسيل وتحالفاته، والقطب الثالث وهو القوات اللبنانية”.

على صعيد منطقة الجنوب، تشير هذه الأوساط إلى وجود مشكلة أساسية، وهي أن “الصراع في الجنوب شخصي، على الرغم من أن المعارضة في مواجهة الموت هناك، والمواجهة هي في خوض الانتخابات، حتى لا تفوز لوائح الثنائي وحلفائه بالتزكية، علماً أن الشيوعي يعمل على تشكيل لوائح، ويتحالف مع حليف حزب الله شربل نحاس وأحزاب ما كان يسمى بالحركة الوطنية. وهناك لوائح تشكل من المعارضة، تؤكد في خطابها على رفض السلاح وسلطة الميليشيات. وإذا توحدت المعارضة يمكنها أن تخرق في دائرة الزهراني – صور بمرشح شيعي. وأيضاً يمكن أن تخرق بمرشح كاثوليكي في منطقة الدائرة الثانية”.

وتتابع: “هناك أسماء كثيرة تطرح في الدوائر الثلاث كمرشحة باسم المعارضة، وهي محترمة كثيراً ولها موقع هناك: علي وهبي، هيثم غندور، وعلي مراد في بنت جبيل، علي عز الدين في صور، وعلي خليفة في الزهراني. ولا تزال المشكلة في أسامة سعد، الذي لم يحدد تحالفاته لصالح المعارضة بعد، على الرغم من اتخاذه مسافة من حزب الله. في الجبل هناك مارك ضو، وفي زغرتا ميشال الدويهي، وأيضاً ميشال معوض، ومجد حرب في بيروت. وهناك ترشيح منتظر للرئيس فؤاد السنيورة مع وجهاء سياسيين ومن العائلات، وقد تكون هذه مفاجأة من العيار الثقيل، إذا حصلت، لا سيما وأن معركة بيروت ستكون قاسية في الدائرة الثانية، إذ يسعى حزب الله إلى تجميع أسماء قديمة، كي تترشح فيها، مثل نجاح واكيم، وزاهر الخطيب. وبالنسبة إلى البقاع الشمالي، سيكون الصراع عائلياً وبين لوائح مختلفة. وهناك وجوه ثورية وأسماء مرشحة لا بد من التدقيق فيها”.

شارك المقال