ترشيحات المعارضة تشتت وضياع… وسلطة السلاح تمدد وارتياح

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

ترتفع الأصوات بين “المعارضين” و”التغييريين” وما يسمى بـ “الثوار”، بعدما ظهرت صورة الترشيحات التي لا يتقبلها العقل والمنطق، ما يشير الى تخبط كبير في صفوفهم، وكم من مرشح منهم ينتظر تركيبة اللوائح ليكمل المعركة أو ينسحب، بينما تزخر “غروبات” هؤلاء بالدعايات الانتخابية والدعوات الى دعم ترشيح معلوم فيها كان مجهولاً في ساحات الثورة، فضلاً عن البيانات والشعارات علماً أن كثيرين منهم يحاولون تصويب البوصلة برأيهم عبر الدعوة الى المقاطعة كونها إنتخابات تنظمها السلطة الفاسدة نفسها.

وفق أوساط متابعة لهذه الصورة الانتخابية، بعدما أقفل باب الترشح على عدد هو الأكبر في الترشيحات خلال السنوات الاخيرة إذ بلغ 1043 مرشّحاً منهم 155 مرشّحة، بنسبة 15 بالمئة من الاجمالي العام، في حين بلغ عدد المرشحين 976 في العام 2018، فإن “المعارضة في أزمة، لا سيما تلك التي تواجدت في ساحات ثورة 17 تشرين معلنة عن انتفاضتها على النظام بغض النظر عن تركيبتها ومشاربها المختلفة، الا أنها وقعت في أزمة فعلية اذ تعاملت مع الحدث باستسهال، ووقعت في الحفرة اذ اعتبرت أن منظومة الحكم إنهارت وأنها ستكون بديلها المنتظر وتعبئ الفراغ”.

وبرأيها أن هذه “النظرة قاصرة وسطحية، فعلى الرغم من أن كثيرين من الناشطين في الثورة كانوا على وعي ولهم قدرات سياسية وعملية لتحريك الناس، الا أن المعارضة تشتتت للعديد من الأسباب واختلفت الرؤى والتوجهات المشتركة وغابت الاستراتيجية الموحدة، مما أدى الى إنقسامها قسمين: الأول الذي نحا نحو بناء الدولة والسيادة والدستور والقانون، بوجه استقلالي حمل شعار محاربة الفساد وإسقاط المنظومة الحاكمة المتحالفة بالسلاح. اما الثاني فهو القسم المعارض للفساد بعناوين عريضة والدعوة الى استبدال شخصيات بأخرى، وتبين ذلك من خلال شعارات محاربة المصارف وتحميلها أسباب الانهيار والنهب والسرقة، وبالتالي توجه تركيزها نحو حاكم مصرف لبنان، وتحميله سبب الأزمة من دون الوقوف أمام مشكلة السلاح غير الشرعي الذي يملكه حزب الله لأنهم لا يعتبرونه مشكلة ويستطيعون التعايش معه واحتواءه، وهؤلاء إما ينتمون الى أحزاب يسارية مشهورة وموجودة، واما جاؤوا من البيئة التي تحتضن السلاح ولا تعاديه، وإنما تعادي المشاريع الاقتصادية التغييرية فقط”.

وبحسب هذه الأوساط فإن “الرابط بين القسمين ليس متيناً إنما وسع من الهوة ودائرة الخلاف. وبالتالي كان من الصعب الاتفاق على استراتيجية بعنوان كبير تقود المعركة ضد السلطة الحاكمة وضد الميليشيات في الوقت نفسه”.

وتذكر بأن “اليد الضاربة لقوى 8 آذار أي حزب الله كانت تتواجد في ساحات 17 تشرين من خلال مجموعات تدّعي الحالة الثورية، الا أن مهمتها المجيدة كانت حماية هذه القوى ضمناً، مثلاً مجموعات نجاح وكيم ومجموعات الحركة الشبابية للتغيير ومجموعات مواطنون ومواطنات التابعة لشربل نحاس الذي وصلت ترشيحاته للانتخابات الى الستين، اضافة الى أحزاب الشيوعي والقومي والتنظيمات الناصرية بشقيها. لكن من لعب دوراً محورياً في نخر المعارضة ونخر هذه الساحات هي (الايغو) الموجودة عند الحزب الشيوعي والأحزاب التي لحقت به باعتبارها تعيد مجداً للحركة الوطنية الآفلة، بالقول إنها لن تتحالف مع قوى طائفية وقوى مذهبية وهو ما أدى الى الانقسام الفعلي في ساحات المعارضة. ولذلك وقعت المعارضة في الكثير من المشكلات ولم تستطع الصمود والاستمرارية، حتى وصلنا الى اليوم الذي أصبحت فيه الانتخابات وتقديم الترشيحات ضرورية لتقديم وجوه جديدة. وأصبح الجميع يرى أن الكرسي النيابي يصلح له لا لغيره أي أن الشخصنة والأنانية هي التي سادت وليس المصلحة العامة”.

وتستدرك المصادر أن هذه القوى “تملك الاعلام والايديولوجيا والمال، وكل هذه الامتلاكات تجعلها قوية وفرصتها أكبر، كما أن لها علاقاتها الخارجية التي تستطيع أن توظفها في خدمة الخارج واكتساب المصالح، حتى وصلنا الى مرحلة الانتخابات. وهناك فشل في التوصل الى اتفاقات لأن كل واحد يحاول تقديم نفسه على أنه القائد وعلى البقية الالتحاق به، مثلاً التحالف الوطني الذي خاض معركة الانتخابات في العام 2018 يتعامل مع موضوع الانتخابات مجدداً بالطريقة نفسها متناسياً أنه فشل فيها المرة السابقة، ثم يعود اليوم ويضع أسماء مرشحين وفق معاييره الخاصة والقاسية التي تخدم مصالح البعض الشخصية، أي أن هناك ديكتاتورية مستترة، ونذكر ما قامت به بولا يعقوبيان ضد فيرونيكا العلم التي حاولت الترشح في دائرة بيروت الأولى وتحالف (لحقي) الذي يرفض الترشح مع أحد، والحزب الشيوعي الذي يرفض كل المرشحين ويرشح على قاعدة أنا الثورة والثورة أنا”.

وعلى هذا الأساس، تؤكد المصادر المتابعة أن “كل ذلك أدى الى ضياع المرشحين والمجموعات الثورية والقوى المعارضة في وقت نشطت فيه السلطات لزرع شبكات بإسم المعارضة كي تشتت اللوائح المعارضة ولا تخرج لوائح موحدة لها ضد السلطة بهذه الطريقة. وهي نجحت في تنمية الخلاف حتى تحجب الثقة الفعلية عن المقترعين لأن الناس لن ترى بديلاً للشخصيات المتنازعة على الكرسي كونها تستبدل شخصيات معروفة لأحزاب معروفة بشخصيات غير معروفة وغير قادرة على جمع الناس حولها”.

وتشير الى أن “المشكلة الأساسية في انسحاب تيار المستقبل وعزوفه عن الانتخابات والذي تسبب بارتداد عكسي عند كل الناس وخاصة في المناطق. وحتى لو جلب حزب الله أشخاصاً ليتمثلوا في الانتخابات، فسينجحون بنسبة هزيلة، وسيكون هناك شبه فراغ والسلطة ستكون أتت بأصوات شيعية، اذ أن حزب الله يحارب اليوم ليقول للعالم انه نجح في الانتخابات على الرغم من المواجهات من قبل الادارة الأميركية والعرب ومحاصرته بالعقوبات، الا أنه لا يزال يملك السلطة، وليس السلطة الشيعية في البلد وحسب، وانما التمدد نحو المسيحيين من خلال بناء تحالف معهم والتمدد نحو جنبلاط، وهو يحاول بكل امكاناته ليجلب الغطاء الماروني وحليفه التيار الوطني الحر ويرث السنة في مناطق الضعف والصراع ويشكل ضغطاً على وليد جنبلاط، وبالتالي هو مرتاح كما أن القوات اللبنانية مرتاحة في مواجهتها، ولكن في النهاية قد يكون الحق مع الرئيس سعد الحريري عندما قال في خطابه: لن أستطيع أن أقدم للناس ما تريده، ولذلك عزف عن خوض الانتخابات وكان واضحاً بأنه لو أتى بمئة نائب الى المجلس وعند حزب الله عشرة نواب فهو لن يسمح بادارة البلد وسيبقى خانقاً له بواسطة السلاح”.

وتلفت من ناحية ثانية الى “وجود شخصيات كبيرة من المعارضة ولكن ليس لها تأييد، وهي لن تخوض هذه المعركة في ظل الانقسامات في صفوفها وغياب الرؤية الموحدة. كما أن الانتخابات تحتاج الى المال ولا أحد يملكه أو يمكن أن يغطي التكاليف، والناس لا تعرف برنامج المعارضة وعلى أي أساس ستنتخب مرشحيها أيضاً، ولذلك كثير من المعارضين عزفوا عن الترشح وأيضاً الخروج حتى لو كانوا مرشحين لأن الخطاب السياسي غائب مع الناس. فالقوى المعارضة لم تستطع خلال ثلاث سنوات انتاج برنامج موحد ولم تنتج الا شخصيات تعتبر أنها اذا نزلت الى الساحة او قالت كلمة في وسائل الاعلام فقد أصبحت ممثلة للثورة والمعارضة، وهي لا تستطيع تأمين 50 صوتاً لمرشح في قريتها أو مدينتها وفي منطقتها وحتى من عائلتها، وقد رأينا أن الناس عندما نزلت الى الشارع لم تنزل بمطلب من هذه المجموعات أو الايمان بالعنف الثوري، بل هي من طرحت الشعارات ومشت فيها، وقد رأينا أن أكثر حشد يمكن أن تؤمنه هذه المجموعات هي 500 شخص وبالتالي هذا العدد لا يغيّر في الأمر شيئاً”.

وتتوقع هذا المصادر بناء لما تقدم “حصول بهدلة في الحواصل، وقد يكون هناك مرشحون لديهم قدرات ولكن ليست لديهم حيثية شعبية للنجاح في الانتخابات وبترشحهم قد يخدمون السلطة. وهناك وجوه بعض المعارضين الذين يعلو صوتهم لكن ما يطرحونه عملياً يخدمون فيه السلطة وليس المشروع التغييري. واذا لم تتوحد لوائح المعارضة فستكون مصيبة الثورة كبيرة، هذه الثورة التي أخافت الطبقة السياسية وأربكت حركتها ستخرج وتقول للعالم انها مجموعة صغيرة من الزعران لا يتجاوز عددهم الــ 5%، ونحن رأينا في الاستفتاء الشعبي الوطني أنهم لم يحصلوا على ألف صوت، وتلك فضيحة اذا لم ترتب القوى المعارضة دورها وموقعها وتوحد لوائحها على الرغم من مشقة هذه المهمة. وهناك مجموعات تخدم أصحاب السلاح أكثر من أصحاب السلاح وأصحاب الفساد أنفسهم. وقد لا يعوّل على نتائج هذه الانتخابات على الرغم من أنه في بعض المناطق قد يحدث خرق ما ولكن لن تتكون كتلة نيابية معارضة كبيرة اذا نظرنا بواقعية الى التحضيرات والترشيحات وتركيبات اللوائح لا سيما في ظل قرارات التكليف الشرعي”.

شارك المقال