fbpx

عون في الفاتيكان… للتبرير أو “ليشيل الزير من البير”؟

هيام طوق
هيام طوق
تابعنا على الواتساب

بعكس برودة الطقس غير الاعتيادية في مثل هذه الفترة من السنة، بدت حرارة اهتمام العهد بفتح قنواته على الخارج في هذه المرحلة من عهده مرتفعة، لا بل الأكثر ارتفاعاً منذ تسلمه الرئاسة منذ أكثر من خمس سنوات، وكأن انقلاب المقاييس الطبيعية انسحب انقلاباً على معايير السلطة السياسية وأصولها.

في الآونة الأخيرة، فتح العهد قنوات علاقاته الودية مع الدول الغربية على أكثر من صعيد بحيث بدا حريصاً على استرضاء الولايات المتحدة الأميركية من خلال ملف ترسيم الحدود البحرية، كما وموقفه من الحرب الروسية – الأوكرانية الذي جاء منسجماً مع المواقف الغربية والأوروبية اضافة الى حركة الديبلوماسيين باتجاه قصر بعبدا، ومؤخراً الزيارة التي يقوم بها رئيس الجمهورية ميشال عون الى روما والفاتيكان، حيث تشمل لقاءاته البابا فرنسيس والرئيس الايطالي سيرجيو ماتاريلا وأمين سر الكرسي الرسولي الكاردينال بييترو كارولين وأمين سر العلاقات بين الدول في الفاتيكان المونسنيور بول ريتشارد غالاغير.

الزيارة الى الفاتيكان وعقد خلوة مع رأس الكنيسة الكاثوليكية أمر طبيعي وعادي، ولكن هناك من يسأل: ماذا قال رئيس جمهورية لبنان، الرئيس المسيحي الوحيد في منطقة الشرق الأوسط للبابا فرنسيس العارف بـ”الشاردة والواردة” وبأسباب أزمات بلاد الأرز؟ هل أخبره أنه لطالما رفع شعار الدفاع عن حقوق المسيحيين، لكن الشباب المسيحيين كسواهم من الطوائف الأخرى يكافحون ليل نهار، ويبيعون “اللي فوقهم وتحتهم” للهروب من عهد “جهنم”؟ وهل أخبره أن البلد “الرسالة” أصبح ولاية ايرانية؟ وماذا ردّ على الحبر الأعظم الذي دعا ذات يوم الى أن “يضع كل مَن في يده السلطة في لبنان، نفسه نهائياً وبشكل قاطع في خدمة السلام لا مصالحه”، هل قال له: “ما خلونا”؟. وكيف برّر للبابا فرنسيس وهن لبنان ومرضه المستعصي الذي يهدد وجوده، وأنه لم يعد سوى ورقة تتطاير على طاولات التفاوض؟ أليس البابا الذي استقبل الرئيس عون دعا في أكثر من مناسبة الى الكف عن “استخدام لبنان لمصالح خارجية”، ووجوب “إعطاء اللبنانيين الفرصة ليكونوا بناة فرصة أفضل على أرضهم من دون تدخلات لا تجوز”؟ أسئلة كثيرة يطرحها اللبنانيون وربما البابا فرنسيس على ضيفه لكن الاجابة عنها ستبقى في دائرة الخلوة بين الطرفين.

وفيما كان رئيس الجمهورية يتحدث بكلام مفعم بالأمل بعد وصوله الى روما حين قال: “المسيحية في لبنان ليست في خطر، على ما يصر البعض على تصويره. أتطلع الى هذه الزيارة كبارقة أمل لنؤكد من خلالها أن لبنان ليس بزائل”، كان البلد مقلوباً رأسا على عقب، وتكفي النظرة الى ما يحصل على صعيد المصارف والقضاء ومحطات المحروقات والمستشفيات والأفران لنتأكد من أن الكلام معسول والفعل معدوم.

هي سياسة التناقض التي يتبعها العهد أو سياسة ذر الرماد في العيون والاستخفاف بعقول الناس؟ لا يهم لأن النتيجة واحدة: فشل لم يعد ينفع معه الترقيع، والبلد في حالة موت سريري لن تشفيه حبة مسكن من هنا أو ابرة مورفين من هناك.

العهد ينفتح على عواصم القرار محاولاً ترميم الثقة مع الخارج على وقع التشنجات الداخلية، بمعنى آخر، العمل على التسخين في الداخل بحجة محاربة الفساد والفاسدين على أبواب الانتخابات النيابية، والتبريد في الخارج علّه من خلال جسور العلاقات الخارجية يعبر الى ضفة يقنع فيها القاصي والداني بأنه منقذ المرحلة وأن استمراريته في الرئاسة أو من يقترحه هو سيكون الخلف الصالح. ويذهب خبراء الى أبعد من ذلك، باعتبار أن زيارة الرئيس عون الى حاضرة الفاتيكان تندرج في اطار إظهار صورة لبنان بعكس الصورة التي يتحدث عنها البطريرك الراعي، والتناقض بين الموقفين خير دليل، اذ أن البطريرك اعتبر أن “لبنان مريض ونحن بحاجة إلى علاج مرضه وهو عدم تطبيق اتفاق الطائف، والحل هو إعلان الحياد”.

ويرى محللون أن زيارة الرئيس عون الى الفاتيكان تهدف الى تأكيده أنه “الرئيس الشرعي للدولة اللبنانية، وحامي المسيحيين والمدافع عنهم، وهم بخير تحت جناحيه. وأن الاصوات التي ترتفع في الآونة الاخيرة وتقول ان لبنان رهينة الاحتلال الايراني ليست صحيحة”، معتبرين أن “رئيس الجمهورية في زيارته هذه، يدافع عن حزب الله وليس عن المسيحيين، لأن همه ليس المسيحيين ولا البلد بأكمله والا لما كنا وصلنا الى ما نحن عليه”.

ويسأل هؤلاء: “ما هي الرسالة التي حملها الرئيس عون الى البابا فرنسيس في هذا التوقيت بالذات حيث يعلو صوت المطالبة بالحياد وبتطبيق الطائف؟ كيف سيبرر الانهيارات المتتالية في البلد، ورهن القرار السيادي بيد حزب الله، وتعامله مع الورقة الكويتية والعربية والدولية، وتوقف التحقيق في انفجار المرفأ؟”.

ويشير المحللون الى أن “الزيارة لاستجداء تعاطف البابا مع رئيس الجمهورية الذي سيبرّر المأزق الذي وصل اليه البلد، والتأكيد أمامه أنه ليس حامياً للمسيحيين في لبنان وحسب، بل في الشرق، وبالتالي، من الضروري استمرارية رئيس الجمهورية مع فريقه السياسي من خلال تقديم نفسه على أنه البطل الحامي للمسيحيين”.

في حين يرى خبراء أن “الزيارة تأتي في سياق الحملة الانتخابية التي يسير فيها التيار الوطني الحر بحيث أن القاضية غادة عون تعمل على تحريك ملفات الفساد في الداخل بهدف الشعبوية تحت شعار محاربة الفاسدين. ويزور رئيس الجمهورية البابا فرنسيس لاستعطافه وليؤكد له أن المشكلة ليست في الاحتلال الايراني بل في الطبقة الفاسدة التي يقف في وجهها ويحاسبها. التيار يحاول أن يلعب آخر أوراقه الانتخابية، الورقة الشعبوية مع غادة عون، والورقة الخارجية مع رئيس الجمهورية”.

إشترك بالقائمة البريدية

شارك المقال