مع زيارة رئيس الجمهورية ميشال عون الى الفاتيكان، تحرك إعلام “حزب الله” ليهاجم ضمناً السياديين، اذ ذهب رئيس جمهورية “الولي الفقيه” ليروّج لبروباغندا من عيّنه رئيساً لقصر بعبدا، ويبيّض وجهه مع الحزب طمعاً بتوريث القصر للصهر، فاعتبر أن “مقاومة الاحتلال ليست إرهاباً وليس لحزب الله المكون من لبنانيين وحرّر الجنوب من الاحتلال الاسرائيلي أي تأثير على الواقع الأمني الداخلي للبنانيين”.
ترافق ذلك مع صدور دعوات الى محاورة “حزب الله” اللبناني، بإسم الفاتيكان لكونه حزباً لبنانياً، وذلك في رد غير مباشر على المجموعات السيادية التي تعتبر أن “حزب الله” حزب إيراني في لبنان، وبعد تكاثر الشعارات التي رفعت في بيروت تحت عنوان “بيروت حرة وايران طلعي برا”، اذ أن كثيراً من القوى والشخصيات السياسية بدأ يرى أنه لا يمكن إخراج لبنان من أزماته إذا لم يتلبنن هذا الحزب، علماً أنه أعلن أكثر من مرة، سراً وعلناً انتماءه الى ولاية الفقيه وأنه حزب ممول من إيران أكلاً وشرباً وسلاحاً، حتى أن مرشحيه للانتخابات النيابية يقسمون الولاء لولاية الفقيه، بحسب ما أظهر فيديو مصور للمرشح رامي بو حمدان في زحلة، والذي طلب الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصر الله ازالته بعد انتشاره بشكل موسع على مواقع التواصل الاجتماعي.
بالطبع تناسى عون ماذا دفع اللبنانيون من أثمان بسبب ما يسمّى “سلاح المقاومة”: الاغتيالات، حرب تموز، احتلال بيروت، الهيمنة على المؤسسات، البديل عن الدولة في قرارات الحرب والسلم، الذهاب مدججاً بالسلاح الى سوريا والعراق واليمن وغيرها للقتال مقابل حفنة من الدولارات الايرانية، جعل لبنان ساحة لارهابيي قاسم سليماني يدخلون اليه ويتدربون ويذهبون ولا أحد يعرف من أين، تخبئة المتهمين بجرائم القتل والاغتيال والسلب والتجارة غير الشرعية، وسرقة ذهب اللبنانيين عبر مؤسسة ما يسمّى “القرض الحسن” حيث الحكايات في هذا الموضوع تبدأ ولا تنتهي… الى إنفجار المرفأ.
كل التجارب السابقة في محاورة “حزب الله” باءت بالفشل، بدءاً من العام 2006 حين وعد على طاولة مجلس الوزراء بتخفيف التوترات طمعاً بموسم سياحي يعيد الحياة الى لبنان، بعد جمود اقتصادي تسببت به جرائمه في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه وشخصيات سياسية معارضة للنهج التدميري الذي فرض على البلاد تمديداً للرئيس إميل لحود وجعل لبنان مطية لايران بإسم “المقاومة”، فقام بمغامرة “لو كنت أعلم”، وبالطبع كان يعلم ما يفعله، ليفسح المجال أمام دخول احتلال جديد بعد خروج المحتل القديم.
لم يقطع أي فريق العلاقة بـ “حزب الله”، وما التحالف الرباعي في انتخابات 2005 الا دليلاً على أن لا أحد كان يعامل “حزب الله” الا كمكون لبناني، ولكن إنكشاف إرتباطاته بكونه يد الحرس الثوري الايراني في لبنان عمّق أزمة العلاقة معه، منذ أن هجم أصحاب القمصان السود على العاصمة واحتلوها لمدة سنتين، وتناول الشباب المغرر بهم سندويشات الشاورما والفاهيتا والنرجيلة “الدليفري” في الخيام المنصوبة، من دون أدنى اهتمام بمصالح الناس وباعتبار أن حصار السرايا سيلوي ذراع السياديين. وكشفت اتهامات التخوين لشخصيات سياسية وطنية وأمنية تفاصيل في عمليات الاغتيال ومحاولات الاغتيال الفاشلة التي حصلت، حتى أن ذهاب الرئيس سعد الحريري الى سوريا لم يفعل فعله، بعد إنقلاب “حزب الله” على حكومته وإرسال ميليشياته الى سوريا من دون أن يحاور أحداً، وإتهام معارضي هذا التدخل من داخل بيئته الشيعية بأنهم عملاء للسفارات.
زادها حزب الله أيضاً، عندما كان يسجل انقلابات متتالية على عمليات الحوار في بعبدا وغيرها، وحتى اعلان بعبدا الذي شارك في التوصل إليه، والبحث في استراتيجية دفاعية تحدد وظيفة السلاح الذي يملكه بما يضمن أمان لبنان عبر الدولة التي اعتبرت ذات يوم سلاحه مقاوماً لكنه غير مقدس، وقداسته سقطت عندما استخدمه في الأحياء والزواريب وآخرها في عين الرمانة، وفي هجمات جمهوره على أملاك الناس وتخويفهم، كل ذلك لم يؤت ثماراً له بل جعل الثقة به تتراجع شيئاً فشيئاً الى أن باتت شبه معدومة شعبياً حتى من قبل المدافعين عنه في بيئته الحاضنة.
أما مواقفه من الثورة فحدث ولا حرج في هذا الموضوع، إذ بدا إصراره على تغطية الفساد والفاسدين من حلفاء ومن أهل البيت الذين يتاجرون بصحة الناس وأمنهم ويهربون المخدرات والسلاح والبشر عبر الحدود، من دون أدنى إهتمام بأوضاعهم وبمصلحة اللبنانيين لأن همه استخدام الساحة اللبنانية لعبة في مفاوضات سلاح ايران النووي، لا تحييد لبنان عن الصراعات التي تجعله لعبة بيد دولة هنا أو هناك.
ليس هذا وحسب، فـ “حزب الله” لم يقدم أي إشارة توحي بإمكان إنجاح مقررات الحوار التي كانت تبقى حبراً على ورق، فهو كالابن العاق بالنسبة الى اللبنانيين، حتى أنه لم يسلم أي متهم بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، لا بل زاد من استفزازاته عبر تسمية شوارع وأماكن بأسماء من خطط للجريمة ونفذها ليزيد من حدة الانقسام، علماً أن الرئيس سعد الحريري خرج من المحكمة الدولية ليمد له اليد في حكومة ما يسمّى “وحدة وطنية” ولا يقطع التواصل عبر الحوار ليفيد اللبنانيين، فهو ترك للمحكمة الدولية أن تتخذ القرار بعد اتهامها عناصر “حزب الله” بالتخطيط لهذا الاغتيال، ولم يجادل في صوابية قراراتها واتهاماتها.
والحديث اليوم عن محاورة “حزب الله” قبيل أقل من شهرين على الانتخابات النيابية واضح المعنى والمغزى، فالداعون اليه يريدون الحصول من الفرقاء الآخرين على دعم إنتخابي، وهذه المرة يدخلون الفاتيكان لتحقيق مراميهم، ويسعون الى مد الجسور عبر تجديد الحوار مع بكركي، وكل ذلك لتحصيل حواصل انتخابية للحلفاء، وتوسيع قاعدة التمثيل النيابي لهذا الحزب الذي يعتقد أن بإمكانه اللعب بالصيغة اللبنانية وتطويعها وفقاً لمشغله في إيران.
“حزب الله” حمل مشروعاً مدمراً للبنان وسيكون بإمكان اللبنانيين مواجهته عبر اقتناع أهل البيت بخطورة هذا المشروع الذي يلغي التنوع والحريات والنظام الديموقراطي وتجديد السلطات وليس تأبيد الحاكم في موقعه وتوريثه للأبناء والأحفاد وحكم العائلة، ولا حكم “الولي الفقيه” كذلك. لقد دلت تجارب الحوار السابقة على أن “حزب الله” لا يناقش الأمور انطلاقاً من كونه حزباً لبنانياً، بل حزب ايراني في لبنان، فمصالح ايران تتقدم عنده على مصالح البلاد والعباد وقد تعلم اللبنانيون دروسهم في هذا المجال، ولا يمكن السقوط من جديد في حوارات لا تغني ولا تسمن، في وقت يسعى فيه هذا الحزب الى إلغاء الآخرين ومصادرة الناخبين والى إبقاء هيمنته بصبغة شرعية، لكنها إن دامت في هذه الانتخابات فلن تدوم في إنتخابات 2026.
وتؤكد عضو لقاء “سيدة الجبل” منى فياض لــ “لبنان الكبير”، أن “إعلام الممانعة أو المعطلين يروّج لأمور مبالغ فيها، فهم دائماً يكبّرون الأخبار ويمارسون بروباغندا مقصودة ولا يتورعون عن الكذب أحياناً، في ما عدا ذلك اذا صح كلامهم أن الفاتيكان يدعو الى محاورة حزب الله كحزب لبناني فهو أمر ليس بمستهجن، فأنا أعتقد أن طروحات الفاتيكان للحوار هي من ضمن طروحاته المبدئية العامة، فهو مستعد للحوار دائماً ومبدأ الحوار عنده قائم”.
وتستدرك بالقول: “ايران وحزب الله يرفعان شعار الحوار، ولكن نحن نعرف أن هذا الطرف يرفع شعار الحوار ليربح وقتاً وليكسب حتى تتغير الاستحقاقات من حوله. كل شيئ كان يتغير من حوله، ولكن بقي هؤلاء على مواقفهم الثابتة، نصر الله في موقعه وخامنئي مرشداً أعلى حتى وفاته، وهذا يعني أن البلد سيبقى يعاني والحوار لن يكون مجدياً”.
وتضيف: “مع ذلك اذا صح الكلام عن حوار مع حزب الله، وحتى إن كان حواراً جدياً فبرأيي لن يؤدي الى شيئ بالطبع، اذا لم تتغير الشروط الاقليمية والدولية حتى يتم الضغط على ايران. فأي حوار مع حزب الله اليوم يعني مساعدته على الكسب ليحقق ما يريد، أي مزيد من وضع اليد على البلد. وهذا الأمر مارسه كل الوقت والآخرون خضعوا له وسايروه وتأملوا منه لكنهم خرجوا بأكثر من خفي حنين… قضي على البلد”.