من الحرب الشعبية إلى العمليات الفردية؟

زاهر أبو حمدة

منذ ما قبل النكبة، والشعب الفلسطيني أو غالبيته تواجه الاستعمار ككتلة بشرية بالثورات والانتفاضات والاعتصامات والتظاهرات والاضرابات. واستثمرت قيادة الثورة الفلسطينية مع انطلاقة فصائلها على هذا الزخم البشري ونسبة الوعي والحضور في الجماهير، لا بل رفعت شعار “الحرب الشعبية طويلة الأمد” باستخدام الكفاح المسلح كوسيلة نضالية. كانت حينها استراتيجية ناجحة ومجربة لا سيما وأنها نهج الزعيم الصيني ماو تسي تونغ، وهو من وضع أسسها وقواعدها النظرية. ويرى أن مفهومها الأساسي يعتمد على إنشاء دعم شعبي للمجموعات المسلحة بنظرية ثورية واندماج القوات العسكرية بين الفئات الشعبية المساندة لها واستقطاب عناصر جديدة. وتحتاج الحرب الشعبية الى أساليب متنوعة مثل الحرب المتحركة وحرب العصابات.

نجحت الثورة الفلسطينية في الاشتباك الجماهيري مع الاحتلال في بقاع الأرض المحتلة، وكان الشعب خزان الأجنحة العسكرية للفصائل وكذلك الأصل في المواجهة المستمرة. لكن منذ ما بعد العام 2005، تحول الشعب الى مجموعات وكتل منفصلة وليس كتلة متوحدة. صحيح أن الانقسام لعب دوراً في ذلك، لكن البنية الاجتماعية ضُربت وتأسست طبقات مجتمعية خاصة منها طبقة رجال المصارف والأعمال، طبقة مؤسسات الجمعيات الأجنبية والمحلية، طبقة التجار والمقاولين، طبقة الأمن، طبقة المسحوقين.. الخ. وهذه الطبقات ليست في الضفة المحتلة فقط، إنما موجودة في غزة والداخل المحتل والشتات وربما بمسميات مختلفة أو متشابهة. وعليه لم يعد لهذا الشعب قرار واحد، إن كان في الحرب أو السلم. وأصبحت الأمور تعتمد على عاطفة الشخص ورجاحة تصرفه وقوة عقله. ولذلك صار عندنا نموذج العمليات الفردية، بعدما كانت العمليات الفدائية الفصائلية هي المنهج أي أن الكتلة الشعبية الأكبر تنتهج المقاومة المسلحة طريقاً لنيل الحقوق. بكل تأكيد، العمليات الفردية مهمة على مستوى الوعي واستمرار فعل المواجهة، لكن تأثيراتها لا تستثمر فصائلياً وسياسياً لأن ليس لها قيادة.

العمليات الفردية هي نتاج فشل جميع الفصائل. حين يصبح الفدائي المنفذ هو المخطط والموجه لنفسه ومن يختار التوقيت والمكان وربما بلا مراقبة ودراسة مسبقة، تكون مجمل العمليات غير مؤثرة كما يجب. لكن إذا كانت هناك خلية لها قيادة وتمويل، تخطط وتنفذ كما يجب ستجد الفدائي يحمل بندقية بدل سكين مطبخ على أقل تقدير. وبالتالي سيتألم الاحتلال أكثر وتصبح معادلة الشهداء متقاربة مع عدد قتلى الجنود والمستوطنين.

ومع أهمية العمليات الفردية المعنوية والميدانية، تبقى الحرب الشعبية هي الأساس للتحرير. فنحن شعب تحت الاحتلال ولسنا أفراداً تحت الاحتلال. ولذلك لا بد من استعادة مفاهيم تخص الشعب بشكل عام، فدولة الاحتلال نشأت على أسس جماعية في الأصل كانت عصابات وتحولت الى وحدات عسكرية ومؤسسات وميليشيات استيطانية، ومواجهة هكذا احتلال لا تكون فردية انما جماعية وتكون قيامة شعب وليس شهادة فرد.

شارك المقال