اجراءات العهد الاستنسابية… خارطة طريق شعبوية تدميرية

هيام طوق
هيام طوق

في عطلة عيد البشارة، يبدو أن لا “بشارة” تطمئن اللبنانيين ولا هدنة على جبهة المواجهات المفتوحة التي يخوضها العهد على المستويات كافة. وما بات أكيداً أن “مكابح” خارطة الطريق التدميرية الممنهجة تعطلت وهي تسير بسرعة قياسية في منحدر الانهيار، لا بل الانهيارات والتعطيلات والتصعيدات والملاحقات والاستدعاءات والكيديات، ولم يعد أمام الشعب المحروق والمخنوق والمسروق سوى الدعاء لسماع بشارة “فرح عظيم” وانفراج قريب .

مواجهة العهد السياسية والقضائية والمصرفية مفتوحة على مصراعيها، وتتنقل من تصعيد الى آخر، ومن قطاع الى آخر، فبعد إحكام الطوق على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وتحديد يوم الخميس المقبل جلسة للاستماع اليه، وتسطير مذكرة توقيف بحقه في حال عدم مثوله، وتوقيف شقيقه رجا سلامة، صعّدت القاضية غادة عون من إجراءاتها بعدما أصدرت قرارا يقضي بمنع 6 مصارف من نقل الأموال وتحويلها الى الخارج وما يرافق ذلك من تداعيات سلبية .

ويستكمل مشهد تصفية الحسابات السياسية قبل أقل من شهر وثلاثة أسابيع على الانتخابات النيابية، بالادعاء فجأة على رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع كمدعى عليه وليس كشاهد.

وبما أن لكل قصة فصولاً وأجزاء تتطور أحداثها وفق سردية معينة، يبقى الأمل في أن يكون ختام الاستدعاءات مسكاً مع الصحافيين في فصل عنوانه “التضييق على الحريات”، وأن لا يفاجأ اللبنانيون بتطورات ليست في الحسبان تنسف السيناريوهات المحتملة، وتضعهم أمام واقع لا مفر منه: فوضى شاملة وأحداث أمنية واطاحة كل الاستحقاقات الدستورية.

وبغض النظر عن نهاية مسلسل الاستدعاءات والاجراءات الذي على ما يبدو سيتفرع فصولاً وفي حلقات كثيرة، وبغض النظر أيضاً عن تفاصيل الاستنسابية في المحاسبة التي يطالب بها الجميع، تبقى الأسئلة التالية مشروعة، وتشكل محور أخذ ورد بين المراقبين وبين الناس البسطاء الذين يسعون ليل نهار الى تأمين لقمة العيش: هل زمن المحاسبة يأتي في الوقت المناسب بحيث يكتوي الشعب بأسعار المحروقات من بنزين ومازوت وغاز التي سجلت أرقاماً قياسية، وعادت طوابير الذل الى “عادتها القديمة”، والحلحلة موقتة على قاعدة “ساعة بساعة والله بيفرجها”؟ وهل المحاسبة تأتي في زمن تحذر فيه بعض التقارير الدولية من أن لبنان على حافة مجاعة، وفي ظل أمن غذائي وضع في دائرة الخطر مع عجز عن ايجاد حل سريع ومستدام خاصة لناحية تأمين القمح؟ وهل المحاسبة تأتي في عز أزمة اقتصادية تجعل لبنان “منعزلاً مالياً” عن العالم، وفي زمن باتت فيه غالبية أصناف المأكولات والخضار والفواكه محرّمة على اللبنانيين؟ أليس من الأجدى أن تستثمر المنظومة الحاكمة والمتحكمة كل مجهودها ووقتها في وضع خطط انقاذية سريعة والانكباب على ملفات معيشية طارئة قبل أن يصبح البلد وأهله في خبر كان، أو أقله تعمل وفق خطين متوازيين: الانقاذ والمحاسبة الشفافة بعيداً من الاستنسابية؟

اعتبر مدير “المركز اللبناني للأبحاث والاستشارات” حسان قطب أن “المحاسبة حالياً تدميرية لأن الاصلاح يتطلب سنوات. كل ذلك بهدف إبقاء لبنان ساحة صراع وفوضى لأن الاستقرار لا يناسب البعض”، متسائلاً “من يثق حالياً بالقطاع المصرفي؟”. وشدد على وجوب “أن تكون المحاسبة على أسس واضحة وهادفة وليس على أسس استنسابية بمعنى أن نحاسب من اختلس الأموال العامة ولكن لا نحاسب طرفاً آخر. أين المحاسبة من وضع اليد على الأملاك العامة؟”.

وأكد أن “التهجم على القطاع المصرفي بهذا الشكل يقضي على مستقبل لبنان الذي قام من خلاله، وجذب أموال طائلة من الخارج نتيجة الثقة التي يتم تدميرها اليوم، وهذا يحتاج الى سنوات لاعادة الترميم”، سائلاً: “لماذا إظهار حاكم مصرف لبنان أنه سبب المشكلة؟ وفي حال أخطأ الرجل أين هي السلطة السياسية التي جددت له؟ انها سياساتهم الخارجية الخاطئة التي عزلت لبنان عن العالم العربي والمجتمع الدولي”.

ورأى أن “المطلوب تغيير الفريق الحاكم الذي يتلاعب بالمؤسسات الدستورية ويسخّرها لمشاريعه والانخراط في محور اقليمي لا علاقة لنا به”، لافتاً الى “أننا في وضع غير مستقر ونظام غير مستقر ومؤسسات تعمل باستنسابية. الأجهزة الأمنية تصادر المخدرات والكبتاغون لكنها لا تكشف عن مصدرها. يريدون أن يكون البلد في حالة الفوضى”.

وقال: “كل ما نراه في الفترة الأخيرة ليس سوى عملية تدمير منهجي للمؤسسات الرسمية، وهذا بدأ منذ سنة 1982 عندما تم وضع اليد على رئاسة الجمهورية مع الحكومة العسكرية التي شكلها حينها القائد ميشال عون ثم حرب التحرير فحرب الالغاء، وختم هذه الحروب بـ 13 تشرين. أما المرحلة الثانية التي بدأت بعودته من المنفى سنة 2005 بشروط معروفة، فمنذ ذلك الوقت الى الآن يعمل هذا الفريق على تهشيم المؤسسات الرسمية اللبنانية من خلال اتهامات تطال الأجهزة الأمنية وشعبة المعلومات وإغلاق مجلس النواب لمدة سنتين وحصار السراي الحكومي، الى السابع من أيار، وإدخال نموذج جديد على الصيغة اللبنانية من خلال الثلث المعطل وعملية تشكيل الحكومات والتوافق وصولاً الى الأجهزة القضائية التي تعمل من خلالها القاضية عون ليس بطريقة استنسابية وحسب، انما تدميرية، وتأخذ دور مدعي عام التمييز الذي لم نره يحرك ساكناً”.

من جهتها، أكدت الكاتبة الصحافية رلى موفق أن “المحاسبة مطلوبة ولكن ليس المحاسبة الاستنسابية والكيدية  وتجييرها لمكاسب سياسية. المحاسبة كما يتم التعاطي معها اليوم تساعد في انهيار أسس البلد إذ يتم ضرب القطاع والنظام المصرفي، وهذا ليس بمحاسبة. وعندما لا نؤمن أي مقومات لصمود القطاع التربوي نكون نضرب القطاع، وذلك ينسحب أيضاً على القطاع الصحي والسياحي والخدمات والى ما هنالك”.

واعتبرت أن “المسؤولين في السلطة ليس لديهم حس المسؤولية، ويسخرون وجودهم فيها لحسابات سياسية خاصة لتحقيق المزيد من الشعبوية، ومنهم من يعزف على وتر حقوق المسيحيين والعهد القوي والرئيس القوي”، مشيرة الى أن “الدولة بحد ذاتها أصبحت رهينة تجاذبات سياسية، والناس ليس لديهم سوى اللجوء الى الدولة الغائبة والمعطلة ما ينعكس سلباً عليهم وعلى حياتهم”.

شارك المقال