في خلاصات عامة

علي نون
علي نون

وصل الرئيس نجيب ميقاتي الى “الاستنتاج” نفسه الذي وصل اليه قبله الرئيس سعد الحريري… والذي “يؤمن” به عموم اللبنانيين أينما كانوا وأياً تكن انتماءاتهم الحزبية وغير الحزبية، باستثناء الجماعة العونية الباسيلية طبعاً.

وهو ذاته الاستنتاج الذي “تعتنقه” أيضاً معظم الدول والهيئات والمنظمات الدولية والعربية التي تُعنى بالشأن اللبناني أو تجد نفسها معنية به لألف سبب وسبب.

وذلك الاستنتاج (لمن لم يفك الحزورة بعد!) هو استحالة الشغل مع ميشال عون! أو الركون الى أي اتفاق أو تفاهم يتم الوصول اليه معه. لا عندما يكون وحده! ولا عندما تكون “ملائكة” صهره جبران باسيل حاضرة! ولا حتى، عندما لا تكون هذه حاضرة وتبلّغ لاحقاً بما حصل وتم!.

بل أكثر من ذلك بقليل: الفصل بين الاثنين، أي عون وباسيل هو ضرب من العبث الصافي! العروة الرابطة بينهما أوثق من قدرة أي شخص أو مسؤول أو حالة وطنية مزرية عامة، على معالجتها أو فكفكتها بالتي هي أحسن وأسلس وأسلم!.

وكل من جرّب ذلك سقط! واصطدم بحقيقة تلك السالفة التي كان الرئيس نبيه بري أول من أشار اليها عندما فاتحه الرئيس الحريري بقصة انتخاب عون رئيساً للجمهورية… وهي أن لبنان “سيحظى” برئيسين للجمهورية الواحدة وليس برئيس واحد! عون في الواجهة الدستورية والمكانية والاسمية، وباسيل في الغرفة المجاورة وفي الموقع المقرر في كل شاردة وواردة وآتية وذاهبة وصغيرة وكبيرة وأساسية وفرعية ومتنية وهامشية وثقيلة وخفيفة!.

ومنذ تلك الساعة السوداء في تشرين الأول (أكتوبر) من العام ٢٠١٦، تاريخ انتخاب عون رئيساً الى اليوم، لم تُسجّل واقعة واحدة (واحدة!) خارج سياق تلك السالفة: ما يقرره ويريده  باسيل يمشي وما لا يريده لا يمشي! وأحياناً كثيرة كان عون “يجتهد” من عندياته ويقرر، موافقة أو رفضاً، ثم ينقض موقفه بعد تدخل أو علم مسيو باسيل بما جرى!… الى أن وصل رئيس الجمهورية أخيراً الى بقّ البحصة من دون أدنى حرج وصار يطلب من الجالس أمامه، بصفته المرجع الدستوري الأول، أن يذهب ليحكي مع جبران في ما يريد! ومن كان يستنكف عن ذلك ويستهجن الأمر باعتبار أن المصاهرة لا تعطي صاحبها صلاحيات دستورية، كان لا يصل الى مبتغاه! بغض النظر عما اذا كان الأمر يتصل بشؤون الدولة ومؤسساتها أو بأمور فرعية حزبية تحديداً!.

ومن العباطة الافتراض، أن الرئيس ميقاتي لم يكن يعرف هذا المعطى، أو أنه اكتشفه لاحقاً وبالمراس، لكنه افترض أن البلد إنهار وأفلس وانتكس وهرّ، وأن ذلك سيعني أن مساحات التفاهم على شيء من الانقاذ ستكون ممكنة مع “رئيسي” الجمهورية المتحللة! وأنه هو شخصياً، سيعتمد نهجاً توافقياً إزاء أي قضية مطروحة وسيبتعد عن شخصنة أي سوء فهم أو خلاف قد يطرأ… وظنّ أن الاصطدام بين عون وباسيل من جهة والرئيس الحريري من جهة ثانية، بدأ على قضايا عامة ثم تحول الى تنافر شخصي قبل أن يتطور الى عداء مفتوح، مرير الى أبعد مديات المرارة! في حين أنه (أي ميقاتي) سيبتعد عن ذلك الفخّ بقدر ما يمكن وسيحاول إستدراج ذلك الثنائي الرئاسي الى علاقة ودّية على المستوى الشخصي، وضرورية على المستوى الوطني المصيري العام تبعاً للكارثة غير المسبوقة التي وصل إليها لبنان برمّته!.

لا يُلام على محاولته لكنه سيُلام إذا استسلم! أو اذا تابع الافتراض (أو التمثيل!) بأن عون وباسيل يمكن أن يعدّلا الأداء المتبع منهما تبعاً لتدهور الأوضاع وانحلال البنيان البشري والمادي ووصول البلد الى ما بعد جهنم! أو إذا كابر وأنكر حقيقة قناعته هذه…

ما “اكتشفه” واقعاً هو أنه لم يكن أكثر ودّاً ووسطية ومهادنة من سعد الحريري ومع ذلك لم يصل الى نتيجة غير التي يراها كل من عليها! ولم يكن أكثر تفهماً (وتأييداً) من البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي وهو أيضاً لم يصل الى أي حاصل ايجابي منطقي مع ذلك الثنائي لما فيه مصلحة الدولة وناسها ومسيحييها قبل غيرهم! ولم يكن أكثر حرصاً من غيره على الدخول في تسويات معقولة لمنع انحدار لبنان الى الاندثار، ولا أكثر استعداداً لكرع الماء المالح اذا كان فيه شفاء لعلّة عامة، ومع ذلك لم يستطع أحد أن يعدّل المسار أو يخفف من وطأة الانكسار… أو أن يزيح ذلك الثنائي عن أجندته المدمرة واصطفافه في محور إيران والانصياع الى ما يريده حزبها في لبنان.

تلويح ميقاتي بالاستقالة في الجلسة الأخيرة لمجلس النواب، كان أداءً محسوباً يعبّر عن غضب من إستمرار جبران باسيل في تكتيكاته الوسخة والمؤذية، لكن الاستدراك السريع بأن الاستقالة ستطيّر الانتخابات النيابية المقبلة ولذا لن يقدم عليها، هو أيضاً تعبير عن غضب من وصوله أو إيصاله الى خلاصة قريبة من اليأس… سوى أنه ممنوع عليه أن يصل الى تلك الخلاصة الموحشة!.

… يستطيع ميقاتي أن يعزّي نفسه بأنه ليس أول ولا آخر المنتسبين الى نادي المتضررين من عون وباسيل، فمعظم اللبنانيين سبقوه الى تلك العضوية المالحة والكالحة!

شارك المقال