بين المقاطعة وتعدد اللوائح… “مشروعية شعبية” هزيلة

هيام طوق
هيام طوق

بعد مسار طويل من الأخذ والرد، ومحاولات العرقلة بمختلف الطرق، واتساع رقعة التحليلات والتوقعات حول اجراء الانتخابات النيابية من عدمها، يبدو أن الاستحقاق الدستوري سلك طريقه نحو التنفيذ في 15 أيار المقبل بعدما استكملت الاجراءات القانونية على وقع التحضيرات والاستعدادات اللوجيستية، بحيث انطلقت الأحزاب والتيارات والشخصيات المرشحة للانتخابات الى المرحلة الثانية من المعركة الانتخابية بعد أن استكملت اللوائح. ولا بد أن المناطق في مختلف الدوائر ستتحول شيئاً فشيئاً الى خلية نحل تقودها الماكينات الانتخابية التي تخضع لامتحان كبير، من اليوم وصولاً الى لحظة فتح صناديق الاقتراع وإقفالها، لتقويم قدرتها على تجييش الناس واقناعهم بهذه اللائحة أو سواها خاصة وأن الجميع يعتبر المعركة “مصيرية” و”معركة كسر عظم”، ووصفت في بعض المناطق بأنها مسألة “حياة أو موت”.

وإذا كان الاستحقاق النيابي محطة مهمة لا بل مصيرية، فتليه أيضاً استحقاقات من المستوى الرفيع من تشكيل حكومة الى انتخاب رئيس جمهورية جديد الى تعيينات هامة وانتخابات بلدية واختيارية، كل ذلك يشكل معالم المرحلة المقبلة، ويرسم خارطة طريق لبلد يرزح تحت أزماته الكبيرة. إلا أن الانتخابات النيابية لها نكهتها الخاصة لأنها المحطة الوحيدة التي يملك فيها الناخبون مفاتيح صناديق الاقتراع، ويقررون من سيتحدث باسمهم ويمثلهم في الندوة البرلمانية، لذلك، نرى أن من لزوم المعركة الانتخابية تصاعد وتيرة المواجهة السياسية والسجالات الحادة بين المرشحين على قاعدة “الضرورات تبيح المحظورات”.

وإذا كان لكل معركة عدتها، فإنّ الماكينات الانتخابية هي العدة “الذهبية” للمعركة النيابية والتي تلعب دوراً كبيراً في المجتمعات، وهذا الدور يتضاعف في الاستحقاق المقبل، ويُعوّل عليه كثيراً لا سيما وأن هناك شريحة كبيرة لا تزال في الدائرة “الرمادية” أو تعتبر “الفئة الصامتة” وغير المتحمسة للمشاركة في اللعبة الدستورية، وهنا التسابق “المصيري” بين الماكينات التي تحاول استقطاب “المحايدين” الذين تصل نسبتهم الى 39 في المئة وفق الاحصاءات.

وفي انتظار عمل الماكينات الانتخابية وقدرتها على التجييش واستمالة الأصوات “المتأرجحة”، لا بد من الاشارة الى أن الانتخابات المقبلة تجري في ظل غضب شعبي عارم على السلطة الحاكمة التي أوصلت البلد الى هذا الحد من الانهيار ما يفسر نتائج الاستطلاع في المقاطعة الكبيرة المتوقعة والتي ستكون تلقائية من دون الدعوة اليها. ويبرر المراقبون هذه المقاطعة بأسباب عدة منها: الاقتناع باستمرار المنظومة نفسها بالتحكم برقاب اللبنانيين، الأزمة الاقتصادية والمعيشية وكلفة النقل، عدم الاقتناع وفقدان الثقة بالبرامج السياسية، وخيبة الأمل من ثورة 17 تشرين ومن “التغييريين” الذين كان ينتظر منهم “تسونامي” انتخابي الا أنه بفضل الأنانية تحول “التسونامي” الى مستنقع تتخبط فيه اللوائح المتعددة. كما لا يمكن إغفال اعتكاف نسبة كبيرة من الطائفة السنية عن المشاركة في الانتخابات التزاماً بقرار الرئيس سعد الحريري.

من الناحية القانونية، أكد المحامي والخبير الدستوري سعيد مالك أن المقاطعة لن تؤثر على ميثاقية البرلمان المقبل “اذ أن ترشح عدد كبير من مختلف الطوائف والمذاهب ومشاركة أعداد كبيرة من الناخبين، يعطيان الميثاقية للمجلس المنتخب”.

وعن الشريحة المقاطعة، أوضح أن “القانون يمنح الحق للناخب بأن يقترع أو لا يقترع وليس هناك من واجب قانوني من أجل إلزام الناخب بالاقتراع. هذا أمر يعود الى حرية الناخب بممارسة حق الاقتراع من عدمه. القانون لا يلزم الناخب بأن يتوجه الى الاقتراع تحت طائلة غرامة أو عقوبة خلافاً لما هو عليه الأمر في بعض العواصم الأوروبية”، مشدداً على أنه “لا يمكن التكهن بأي شيئ قبل معرفة نسبة الاقتراع”.

من جهته، أشار المدير التنفيذي في “مركز استراتيجيا للدراسات والاحصاء” مروان أيوبي الى أن “من المتوقع أن يكون حجم الانكفاء عن التصويت في الانتخابات المقبلة كبيراً، ولكن ليس في كل الدوائر. الانكفاء سيكون في الدوائر ذات الطابع السني أكثر من الدوائر الأخرى. وأسباب التراجع متعددة، منها: انكفاء الرئيس الحريري، والاحباط لدى السنّة على المستوى السياسي، وعدم توافر البديل الجدي في مواجهة المنظومة، وشعور الناس بأن النتائج الانتخابية وكأنها محسومة سلفاً لصالح محور الممانعة اضافة الى الأزمة الاقتصادية. كل ذلك سيؤدي الى التراجع في نسب التصويت”.

ورأى أن “حجم اللوائح في الدوائر السنية يدل على حجم الانقسام مما يؤدي الى انكفاء الناخب الذي يضيع بين الأسماء الكثيرة، ويفقد ثقته بإمكان فوز أي لائحة على لوائح السلطة”.

أضاف: “الحيوية ستكون في الدوائر المسيحية الصافية لأن هناك التنافس حاد، وهذا له علاقة بالصراع بين محورين: محور المعارضة إن كانت تقليدية أو غير تقليدية والتيار العوني الذي يعتبر جزءاً من محور الممانعة. أما في المناطق الشيعية، فلا منافسة جدية، وربما نرى تراجعاً في التصويت في بعض المناطق”.

ولفت الى أن “معدل التصويت في لبنان يتراوح عادة بين 48 و50 في المئة. في الانتخابات المقبلة، ربما تكون نسبة التصويت 38 في المئة مع العلم أن النسب تختلف بين الدوائر صعوداً ونزولاً”، متسائلاً: “هل هناك مشروعية شعبية للتصويت في ظل هذه النسبة المتدنية وسط كثرة اللوائح؟ وما هي نسبة تمثيل أي لائحة من حجم التصويت العام؟”.

وأوضح أن “لا أرقام دقيقة حول نسب التصويت المتوقعة في الدوائر، لكن آخر احصاء أُجري في دائرة بيروت الثانية أظهر أن نسبة التصويت لن تتعدى الـ 22 في المئة”، معتبراً أن “الماكينات الانتخابية يمكن أن ترفع هذه النسبة الى 33 في المئة ولكن ليس الى 40 في المئة. مهما بلغت حيوية الماكينات الانتخابية لن تكون فاعلة بشكل كبير. المسألة تتعلق بالثقة وبالمشروع وبالواقع الاقتصادي. وما هو خطير جداً أن الكل يحذر من مرحلة ما بعد الانتخابات”.

ووصف أيوبي المشهد الانتخابي بـ “المبكي من حيث تعددية اللوائح، ولا يطمئن الى مستقبل البلد”، مشدداً على أن “الانتخابات ستعيد تعويم المنظومة”.

أما مدير مكتب الاحصاء والتوثيق كمال فغالي، فرأى أن “المقاطعة لدى الطائفة السنية ستكون كبيرة وربما تتعدى الـ 50 في المئة. وعند المسيحيين ستكون المقاطعة بحدود الـ 25 أو 30 في المئة من نسبة الذين صوّتوا في الانتخابات الماضية”.

وأشار الى أن “اجمالي المقاطعة على مستوى البلد سيكون في حده الأدنى 25 في المئة من نسبة المقترعين سنة 2018. وهذه تعدّ نسبة كبيرة من الناس غير الراضين عن الانتخابات اما لأسباب اقتصادية أو لأنهم لا يريدون التصويت للمنظومة الحاكمة، ولم تتمكن الثورة من بلورة لائحة موحدة لتقديم البديل، ولو نجحت في توحيد صفوفها لكانت حصدت نصف مقاعد المجلس النيابي”.

وأكد أن “الماكينات الانتخابية لن يكون لها تأثير على الشريحة المقاطعة الا في بعض الأحياء الفقيرة وفي البلدات النائية والبعيدة”.

شارك المقال