خطط “شيطانية” لزعزعة أمن طرابلس!

إسراء ديب
إسراء ديب

حصل ما كان في الحسبان، وانتشرت الأسلحة في ثوان معدودة بين شبان في مدينة طرابلس كما توقّعت المصادر الأمنية والقانونية في الأشهر القليلة الماضية، محذرة من “خضة أمنية تبدأ من مدينة طرابلس لإحداث توتر أمني يُؤدّي إلى تأجيل الاستحقاق الانتخابي المقبل في شهر أيّار 2022”.

لم تكن الإشكالات التي بدأت فردية وانتقلت من مستوى بسيط إلى ضخم ذكّر أبناء المدينة بالعمليات العسكرية والاشتباكات العنيفة التي مرّت على الفيحاء وواجهت خلالها الكثير، مفاجئة بالنسبة إلى الطرابلسيين أو المتابعين الذين يُدركون تماماً مصير هذه الأحداث التي أقلقت ليل المدينة المعذبة والمهمّشة منذ أعوام.

في الواقع، إنّ الاشتباكات بدأت في منطقة باب التبانة التي واجهت أكثر من 20 جولة عنف منذ أعوام، وانتقلت إلى مناطق شعبية وفقيرة أخرى كحارة البرانية أو ساحة النجمة أو شارع الراهبات كما غيرها من المناطق التي تُعاني الأمرّين من الفقر والذل، ما دفع أوساطاً طرابلسية إلى وضع علامات استفهام حول كيفية حصول الشبان على أسلحة “بسرعة البرق”! وحتّى مع وضع فرضية تُشير إلى احتمال أنْ تكون أسلحتهم قديمة وتمّ الاحتفاظ بها منذ أعوام بعد استخدامها في الاشتباكات التي أوقعت قتلى وجرحى إضافة إلى إحداثها عاهات مستديمة لدى البعض، فهم يحتاجون إلى رصاص لا يملكون ثمنه الباهظ.

وفي التفاصيل، فإنّ المعركة في التبانة بدأت بإشكال بسيط بين شخصيْن، لكنّه تطوّر ليُصبح بين عائلتيْن استخدمت فيه أسلحة رشاشة وقنابل أدّت إلى خسائر مادّية عدّة في الشرفات والمباني المجاورة، مع حرق العديد من المحال التجارية ومنازل عدة، فضلاً عن مقتل شخصين أحدهما طفل وإصابة آخرين. وازدادت حدّة الاشتباكات مع تشييع الجثث ما أدّى إلى إطلاق الرصاص عشوائياً، الأمر الذي أحدث توتراً وقلقاً بين المواطنين من احتمال تحويل الرصاص العشوائي إلى معركة يرزحون تحت وطأتها.

تركيز سياسي وأمني

دفعت أحداث التبانة في الساعات الأخيرة، برئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى متابعة التفاصيل عبر اتصالات أجراها بقيادة الجيش وقادة الأجهزة الأمنية للاطلاع على “الوضع الميداني والإجراءات التي اتُخذت لضبط الفلتان”، أمّا وزير الداخلية بسام مولوي فعقد اجتماعاً استثنائياً لمجلس الأمن المركزي الداخلي في وزارة الداخليّة، أشار فيه إلى أنّ “القادة الأمنيين أكّدوا بعد دراسة أسباب الحوادث الأمنية في طرابلس أنّها عائلية فردية، أمّا الحادث الأخير في منطقة الراهبات فهو حادث ثأري لم ينتج عنه قتلى، وهو بحاجة الى متابعة الأجهزة ووعي المواطنين، لضبطه. كما أكّدوا أنّ الموضوع الأمني ليست له خلفية سياسية ولا أمنية، ولا علاقة له بأيّ موضوع قد يُؤثر على الانتخابات”. في حين أصدرت قيادة الجيش بياناً حول الحادث، وأشارت فيه إلى تدخل سريع من قوّة من الجيش لضبط الوضع “حيث تعرّضت إلى إطلاق نار كثيف ما اضطّر العناصر إلى الردّ على مصادر النيران، مع تنفيذها عملية دهم لتوقيف مطلقي النار وأوقفت المواطن (ا.ع) وتجري المتابعة لتوقيف باقي مطلقي النار…”.

البيانات لا تعكس الواقع

لا تُخفي مراجع سياسية وأمنية في طرابلس خطورة الوضع في المدينة، إذ ترى أنّ هذه الإشكالات لا تُعدّ “صدفة” ستمرّ بسلام، بل “هي تحضير لمرحلة جديدة من خضة أمنية كبيرة متوقّعة لمصالح سياسية وأمنية تضرّ بالمدينة وأهلها بغية الوصول إلى أهداف ستتضح في الفترة المقبلة”، وفق ما تقول لـ “لبنان الكبير”.

كما تعتبر هذه المراجع أنّ فكرة تأجيل الاستحقاق الانتخابي واردة مع هذه الأحداث، لكن “ما يُمكن وضعه في دائرة الاحتمالات أنّ القوى السياسية المشاركة في الانتخابات تتنافس في ما بينها ما يدفعها كالعادة إلى افتعال مشكلات مختلفة لتأخذ القوّة والنفوذ، أو بسبب تنافسها مع القوى التغييرية التي ظهرت في المدينة سعياً إلى دعم لائحتها في وقتٍ تتوقّع فيه مصادر عدّة تراجع نسبة المقترعين لأسباب مختلفة من جهة، أو رغبة المقترعين في اختيار وجوه جديدة على الساحة ما يزيد من منسوب المنافسة على الأولويات انتخابياً من جهة أخرى”.

من هنا، يعتبر مدير مركز حقوق السجين في نقابة المحامين في طرابلس المحامي محمّد صبلوح أنّ “الفوضى باتت غير طبيعية في طرابلس مع عودة الاشتباكات والرصاص العشوائي”، موضحاً أنّ “الشائعات التي باتت تلتصق باسم طرابلس بدأت منذ أشهر أو منذ أعوام للوصول إلى أهداف محدّدة، كربط اسم المدينة بالدواعش وغيرها من التهم التي أصبحت معروفة، وهي لا تظهر دفعة واحدة أبداً، بل تتبع خططاً شيطانية واضحة ودقيقة”.

ويقول لـ “لبنان الكبير”: “الرصاص يبدأ من العصر الى الساعة 12 ليلاً، ولا تتدخل القوى الأمنية والجيش لوضع حدّ، نظراً الى خوفهم من أن يقوم أحد باستهدافهم وإطلاق النّار عليهم، ولكن إذا أرادوا الوصول إلى مطلوب تتحوّل المنطقة بأسرها إلى (بعبع) من أجل شخص واحد فقط. وبالتالي ولحماية باب التبانة وغيرها من المناطق، لا بدّ من وضع كتيبة للجيش مثلاً على مدخل التبانة أو تسيير حواجز مع التدخل الفوري للحدّ من تفاقم المشكلات التي لا تحتاج إلى هذا الكمّ من الغضب الذي ظهر”.

وإذْ يُشدّد على أنّ الأزمة في طرابلس باتت أمنية وسياسية، يُؤكّد وجود مموّلين لهذه التحرّكات المشبوهة التي لا تُشبه المدينة، رابطاً هذه الحوادث الأمنية بـ 3 سيناريوهات: “الأوّل يكمن في التركيز على تشويه سمعة طرابلس. الثاني رغبة البعض في تأجيل الاستحقاق الانتخابي المقبل، أمّا الثالث فيتعلّق بالتخطيط الواضح لإحداث خضّة أمنية من طرابلس، وهذا ما نخشاه حقاً”، موضحاً أنّ بعض مطلقي النار يعملون لدى سياسيين أو أمنيين، “ما يزيد من حدّة الشكّ والاستغراب من وضع الحدث تحت إطار إشكال فردي وهو إشكال مؤذ استمرّ ما يُقارب الـ 10 ساعات”.

ويتساءل: “هل تحتاج هذه الحوادث إلى اجتماع بالقادة الأمنيين، أم تحتاج الأزمة حرفياً إلى إقالتهم نظراً الى عدم قيامهم بواجباتهم أمام المدينة وأهلها لا سيما وأنّ طرابلس (لبيسة) لتهم مختلفة تُختلق لتشويهها، أو على الأقلّ إلى تسليط الضوء على دور هذه القيادات ومحاسبتها، ولهذا السبب لا يبدو أنّ هذا الاجتماع على قدر التحدّيات التي سنكون لها بالمرصاد”.

شارك المقال