قبل الارتطام… ولد “لبنان الكبير”!

إسراء ديب
إسراء ديب

بعد مرور أكثر من 100 عام على ولادة دولة لبنان الكبير أمام قصر الصنوبر في العام 1920 من قبل السلطة الفرنسية التي انتدبت حينها كلّاً من لبنان سوريا، بدأت مسيرة الكيان اللبناني بحدوده المعروفة، والذي قيل منذ ذلك الوقت انّه ولد بإرادة فرنسية خلقت دولة جديدة في إطار تاريخيّ لا يُمكن تجاوزه، أو تخطّي صورته التي رسمت مشهداً سياسياً جديداً تطوّر حيناً وانتكس حيناً آخر.

وفي موقع “لبنان الكبير” الذي ولد منذ عام بجهودٍ جبارة في وقتٍ تُعاني البلاد من انتكاسات صعبة لم تمرّ على هذه البقعة الجغرافية حتّى في زمن الانتداب، يُمكن القول انّ الموقع التزم بتسمية لم تُطلق عليه أبداً من فراغ أو بعشوائية، مع عدم إغفال المسؤوليات الملقاة على عاتقه منذ اللحظة الأولى التي أطلق فيها، ما فرض المزيد من التحدّيات في بلادٍ وصلت إلى الدرك الأسفل من “جهنّم” في الآونة الأخيرة.

الموقع الذي ولد في 13 نيسان 2021، حمل رسالتيْن رئيستين: الأولى تكمن في ولادته في ذكرى الحرب الأهلية اللبنانية المشؤومة عام 1975، والتي كانت ولا تزال تحمل مشاهد قاسية متعدّدة الأوجه والأهداف، في ظلّ قيام الموقع بالالتزام بالتعدّدية السياسية، الطائفية والمذهبية خاصّة في وقتٍ يُحارب كلّ شخص فيه على انتماءاته، آرائه ومعتقداته المتنوّعة، لكن “لبنان الكبير” أثبت أنّ “الاختلاف لا يُفسد للود قضية” فتراه متنوّعاً ومترابطاً في زمن الفتنة والتحريض على الآخر. أمّا الرسالة الثانية، فتكمن في ربط ولادته وتسميته بدولة لبنان الكبير التي واجهت تحدّيات قبل ولادتها رسمياً (على الرّغم من رصد اللبنانيين في هذه المرحلة ما يُقارب الخمسين عاماً من الازدهار الكبير لم ينعكس محلّياً فحسب، بل عالمياً أيضاً)، وعلى مشارف احتمال إنهائها والعجز عن العودة إليها بسبب تدخلات خارجية تسعى إلى إيصال لبنان إلى مرحلة “الارتطام الكبير”، عبر إدخال سموم سياسية وعقائدية لا تُشبه لبنان ولا اللبنانيين وقد تُشعل حرباً جديدة وكبيرة بصراعات دموية، لا تُلغي مهما بلغت حدّتها “روح” لبنان الكبير، وهذا ما حدث خلال الحرب التي أدّت إلى سقوط آلاف القتلى والجرحى في صراعات لم تأخذ طائفة منها أيّ فائدة، ولم تتمكّن من “شقلبة” حقيقة هذه البلاد.

في الواقع، تصطدم ولادة موقع “لبنان الكبير” مع أضخم الأزمات والظروف التي جاءت لتُعكّر صفو حياة الشعب اللبناني الذي لم يُفكّر يوماً في أسعار المحروقات، ولا في سعر ربطة الخبز وكيفية الاستمرار في العيش في بلاد يحكمها أنانيون ومستغلّون لأرواح الناس وقضاياهم الانسانية للوصول إلى غاياتهم، وهي مشكلات تدفع هذا الموقع إلى التحلّي بجاهزية كافية ليتمكّن من رصد كلّ التطوّرات السياسية والانتخابية، بعيداً من الانجرار نحو الكلام الفارغ الذي يُراد منه الباطل، خلافاً لمواقع سياسية أخرى قد تضرب السلم الأهلي أو الاستقرار المهزوز لأهداف مالية.

بعد عام على ولادته، لم يكن لدينا شكّ حتّى بنسبة 1 في المائة، في قدرة القيّمين على هذا المنبر الاعلامي على تطويره وتحسين صورته، وصولاً إلى فكرة الانتقال من التركيز على الكتابة والتحرير إلى إعداد البرامج وتقديمها مع إعداد المقاطع المصوّرة ميدانياً، وهي خطوة كان لي نصيب في انتهازها كفرصة وتحدّ جديد وذلك عبر ولادة برنامج “عشنا وشفنا” بعد أشهر من كوني مراسلة في مدينتي طرابلس، وهو برنامج سياسي، ترفيهي، يسعى إلى التركيز على أبرز القضايا الملفتة أو الشائكة أسبوعياً، ونقلها إلى المتابعين بطريقة كوميدية وسياسية. ويُمكن القول إنّ هذا الموقع المتنوّع، وعلى الرّغم من حداثته، تمكّن في وقتٍ قصير، من حض الناس على متابعته لشموليته وطموحه الكبيرين، وهما من أبرز الخطوات أو الأهداف التي يُمكن من خلالها إحياء ما أفسدته هذه المنظومة السياسية التي أقلّ ما يُقال عنها انّها فاشلة.

شارك المقال