كيف يبدو التنافس على المقعد العلوي في طرابلس؟

إسراء ديب
إسراء ديب

يحذر أبناء جبل محسن في طرابلس من الأجواء الانتخابية هذا العام والتي يبدو أنّها ستكون مختلفة عن سابقاتها، بعد تغيّرات عدّة شهدها الشارع العلوي الذي يشعر بالإهمال والغبن نظراً الى ظروف تدفعه إلى الشعور بخيبة أمل كبيرة من الواقع السياسي المتأزم، الذي أثرت عليه بشكلٍ أو بآخر العلاقات المتينة لهذه المنطقة مع سوريا، وما عكسته من عزلة فرضتها القوى السياسية الفاعلة فيها، بعيداً عن ضرورة إدماج هذه المنطقة بمحيطها الطرابلسي الرافض بشكلٍ قاطع لسوريا وكلّ ما أو من يدور في فلكها “سياسياً”.

يُمكن القول إنّ الحزب “العربي الديموقراطي” حتّى في دورة 2018 يعتبر وانسجاماً مع تغريدة سابقة لرئيسه رفعت عيد في ذلك العام، أنّ استعادة حقوق الطائفة العلوية في لبنان، “تُعدّ حرباً وحقاً لا يُعطى، بل يؤخذ”، إذْ غالباً ما يربط هذا الحزب (الذي اتخذ قراراً منذ التسعينيات وتحديداً في العام 1992، بعدم ترشيح أحد إلى النيابة) الاستحقاق الانتخابي بملف مبعدي أحداث جبل محسن وباب التبانة الذي عاد إلى الواجهة بعد تسجيل صوتي للأمين العام للحزب دعا فيه إلى المقاطعة ما لم تحل هذه المشكلة، كما بتوجيه انتقاد كبير الى القانون النسبي الذي “حدّ أو قلّص من فرص تمثيل العلويين بشكلٍ صحيح كما يرغبون، لا سيما في جبل محسن” الذي يعيش في فوضى انتخابية غير واضحة المعالم، لا سيما بعد مغادرة عيد إلى سوريا عقب تطبيق الخطة الأمنية في طرابلس، وتفجيري مسجدي “التقوى” و”السلام”.

ولا يُعدّ انتماء هذه المنطقة إلى محور سياسي واضح، بقانون مكرّس يُفرض انتخابياً، إذْ يُخيّل للبعض أحياناً أن العلويين يدعمون الحزب بشكل كامل، لكنّ الواقع لا يُشير إلى ذلك فعلياً، فبعد اتفاق الطائف منح مقعدان للعلويّين في طرابلس وعكّار، وعيّن علي عيد نائباً عن طرابلس في العام 1991، وفاز بالتّزكية في العام 1992، لكن المنافسين لآل عيد فازوا في دورات لاحقة، ففي العام 1996، وبفارق طفيف حصد المقعد أحمد حبوس في وجه عيد، وعاد ليفوز مجدّداً في دورة العام 2000، أمّا تيار “المستقبل” فدفع النائب الراحل بدر ونّوس إلى الفوز في دورتي 2005 و2009.

وفي دورة العام 2022، عدد لا بأس به من المرشحين في جبل محسن، في وقتٍ يُطالب فيه المواطنون بضرورة ترشح نائب من سكّان الجبل يعيش معاناتهم ويشعر بتفاصيلهم، مع فرض الشارع العلوي معارضة باتت تظهر مباشرة وبشكٍل غير مسبوق لـ “العربي الديموقراطي”، على الرّغم من البيئة المستقطبة لهذا الحزب واستمرارها، لكن ليس بالشكل السابق نفسه، وذلك بسبب اعتراض الناس وارتفاع أصواتهم على حالات الفقر والإهمال التي باتت تنخر مناطقهم وأحياءهم بوضوح.

لا يُمكن إغفال الموقف السياسي المناصر للسياسة السورية في جبل محسن، والذي يعجز اليوم معظم أبناء الجبل عن التعبير عنه في ظلّ أزمة معيشية قاسية وغير مسبوقة تُعاني منها البلاد عامّة، وطرابلس خاصّة، لكن في الواقع يشعر أبناء الجبل بالتشرذم والامتعاض للأسباب التالية: خوف الطرابلسيين من هذه المنطقة وكره آخرين لها بسبب حكمهم المسبق على موقفها وعزلتها التي فرضت هذا التباعد لفترة لا يُستهان بها، اتهام عيد بتفجيري “التقوى” و”السلام” والاشتباكات وما رافقها من فتنة مضاعفة وقع ضحيتها أهالي الجبل، إضافة إلى الانتخابات السورية التي كانت تؤجج الأوضاع في كلّ مرّة تحصل فيها، وحتّى اللبنانية التي يشعر فيها بعض الطرابلسيين بأنّها عملية لا تُشبههم في هذه المنطقة التي يقترع أهلها في أقلام جبل محسن، القبة والتبانة.

دورة 2022

وفي انتخابات العام 2018، بلغت نسبة اقتراع الناخبين فيها نحو 30 في المئة، وفاز النائب علي درويش على لائحة الرئيس نجيب ميقاتي بـ 2246 صوتاً، بحكم الحاصل الذي حصلت عليه اللائحة، فيما حاز أحمد عمران المرشح في لائحة “الكرامة” برئاسة فيصل كرامي على 2794 صوتاً وأصبح اليوم خارج كل اللوائح، ما دفعه إلى الانسحاب من هذا الاستحقاق.

أمّا في دورة العام 2022، فالرهان على الصوت العلوي لا يزال فاعلاً ومقصوداً، إذ يرغب معظم هذه اللوائح بتجييره لها، فالناخبون العلويون في طرابلس الذين يصل عددهم إلى ما يُقارب الـ 25 ألف ناخب، يتنافس على مقعدهم 10 مرشحين انضمّوا إلى 10 لوائح من أصل 11 لائحة تتنافس في ما بينها في دائرة الشمال الثانية، وهم: النائب علي درويش المرشح عن لائحة “للناس” المدعومة من الرئيس ميقاتي، محمّد الطرابلسي المرشح عن لائحة “الإرادة الشعبية” برئاسة النائب كرامي، محمّد شمسين المرشح عن لائحة “إنقاذ وطن” برئاسة الوزير السابق أشرف ريفي، بدر عيد المرشح عن لائحة “لبنان لنا” برئاسة مصطفى علّوش، نضال عبد الرحمن المرشح عن لائحة “قادرين” التي يدعمها شربل نحّاس، حيدر ناصر المرشح عن لائحة “إنتفض… للسيادة للعدالة”، فراس سلّوم المرشح عن لائحة “التغيير الحقيقيّ” مع المغترب إيهاب مطر، علي أحمد المرشح عن لائحة “الجمهوريّة الثالثة” مع المغترب عمر حرفوش، صالح الديب المرشح عن لائحة “الاستقرار والانماء” وهشام إبراهيم المرشح عن لائحة “فجر التغيير”.

ومن المتوقّع أن تتراجع نسبة الاقتراع أكثر عن العام 2018، وأن يلقى النائب درويش حظوظاً بفوزه، مع تنشيط لائحة ميقاتي لماكينتها الانتخابية، أمّا النائب كرامي وعلى الرّغم من مناصرة الكثير من أهالي الجبل لخطّه السياسي، إلا أنّه بعدما فضّل مرشحه من تيار “الكرامة” على مرشح من الحزب “العربي الديموقراطي”، يُمكن القول إنّ المنافسة ستكون “حامية” للغاية بين مرشحين أساسيين هما: محمّد الطرابلسي وعلي درويش، مع توقّع أحد المتابعين من الجبل “حصول كرامي على أكبر حواصل ممكنة لاسيما وأنّه يُقدّم مساعدات عدّة للمنطقة، وإذا تمّ تجيير 4 آلاف صوت إلى أيّ مرشح فسينجح، وبالتالي الصورة تبقى غير واضحة، وهذه المنطقة اعتادت على كلمة سرّ قد تُعلن ليلة الانتخابات ليحصل ما لم يكن في الحسبان”.

أمّا عن المرشح بدر عيد، الذي يُعلن صراحة اختلاف سياسته وتوجهاته العائلية، فيلفت هذا المتابع إلى أنّ أيّاً كان لا يُمكنه “الخروج عن العباءة العائلية والسياسية وأنّ المرحلة السياسية المقبلة ستشهد تمويلاً كبيراً للحملات، حتّى مرشح ريفي – القوات قد يفتتح مكتباً على أطراف الجبل وبموافقة الحزب مثلاً لكنّه لن ينجح أبداً، لأنّه دخيل على النسيج الطرابلسي ويدفع للمندوب 100 دولار، مع استحالة وضع لافتات تخصه على أرضنا، فضلًا عن أسماء جديدة لا يعرفها المجتمع العلوي، لكنّ النجاح الأكبر سيكون بلا شكّ للائحة السياسية وهذا ما يدعم درويش بالدرجة الأولى”.

شارك المقال