المرشحون الكبار… المعاقل قبل الحواصل

أنطوني جعجع

الكل بدأ حملته الانتخابية متأكداً من فوز كاسح أو شبه كاسح، والكل، بدا قبل أيام من فتح صناديق الاقتراع متوجساً من مسارات وخيارات قد تظهر في اللحظة الأخيرة، وتحوّل حسابات الفوز الى نكسة وحسابات الهزيمة الى بُشرى …

وما حالات التشنج والتوتر المرفقة بسلاح الترهيب في مكان وسلاح الترغيب في آخر الا اشارة دامغة الى حال القلق التي تسود فريق الممانعة الخائف من استنساخ التجربة العراقية في لبنان وفريق المعارضة الخائف من استنساج التجربة الاسلامية الايرانية.

والواقع أن فريق الممانعة، أدرك بعد سلسلة دراسات على الأرض أن قوته الأساسية قائمة في البيئة الشيعية وحسب، وهو أمر لا يكفي للاحتفاظ بالغالبية النيابية في البرلمان المقبل، وأن فريق المعارضة أدرك أنه لا يملك قوة حصرية في بيئة معينة سواء كانت بيئة مسيحية أو سنية أو درزية أو مدنية، ولا يضمن فوزاً ثميناً يعيد التوازن المنشود الى الحياة السياسية اللبنانية.

وانطلاقاً من هذا المشهد، يمكن تفسير حالات العنف العلني والفاضح الذي يتعرض له مرشحو المعارضة وأنصارهم في مناطق “الثنائي الشيعي”، في خطوة تعيد الى الذاكرة ولو بنسب مختلفة، ما تعرض له “ثوار ١٧ تشرين” على يد هذا الثنائي نفسه قبل أن تكمل الأجهزة الأمنية مهمة دحرهم وتشتيت أركانهم ترهيباً وترغيباً.

وانطلاقاً منه أيضاً يمكن تفسير حالات الضغط “الناعم” الذي تمارسه قوى الممانعة التي تلقت جرعة دعم معنوي وربما مادي بعد عودة سفراء الخليج الى بيروت، وبعدما تحرك قسم لا بأس به من الشارع السني رافضاً الخروج من اللعبة السياسية التي كان له الفضل الأكبر في تطويرها وتعديلها من خلال اتفاق الطائف.

ويسود في أوساط الممانعة قرار حازم يمنع أي خرق من أي نوع وفي أي مكان، معتبرة أن ذلك سيفتح الطريق أمام انقلاب تدريجي قد يتحول كرة ثلج في البيئة الايرانية – السورية، الى جانب انطباع آخر يحمّلها مسؤولية أخرى تتمثل في اللجوء الى أي سلاح لتعويم حلفائها المتراجعين في عدد من المناطق وأبرزهم مرشحو “التيار الوطني الحر” ورئيسهم جبران باسيل.

ولا تبدو أوساط المعارضة في حال أفضل، فهي تخوض الانتخابات مشتتة ومنقسمة ومتناحرة الى حد الالغاء، ووسط إصرار على إثبات الجهة الأقوى لا سيما في الشارع المسيحي الذي يقوده ظاهرياً سمير جعجع وجبران باسيل الساعيين الى قطع الطريق على أي حيثية مسيحية منافسة سواء كانت حزبية أو عائلية أو مدنية.

وانطلاقاً أيضا من هذا المشهد، يتوقع المراقبون أن يلجأ الفريقان الى واحد من خيارين اذا تأكدا أن الرياح لن تجري كما تشتهي سفنهما، وهما اما السعي أو الموافقة على تأجيل الانتخابات في محاولة لالتقاط الانفاس وترتيب أمور البيت الداخلي، واما اللجوء الى تفاهمات تحت الطاولة، تمنع عن الممانعين لعنة الخروق وعن المعارضين لعنة الخيبات.

وفي كلام أوضح، لا يبدو كلام سليمان فرنجية عن “معركة تستهدف استراتيجية” سمير جعجع بريئاً في أبعاده، خصوصاً أن كلاماً كهذا يشد عصب الناخبين في منطقة بشري لمصلحة “القوات اللبنانية” ويحوّل كل مرشح منافس اما الى خائن أو عميل، وما انسحاب سمير جعجع من معركة الجنوب الثالثة ترشيحاً وانتخاباً الا خدمة ثمينة للثنائي الممانع وطعنة في ظهر لوائح المعارضة التي تراهن على كل صوت معارض لتسجيل الخرق المنشود.

وما ينطبق على جعجع وفرنجية والثنائي، ينطبق على وليد جنبلاط وتفاهماته مع حركة “أمل” في بيروت الثانية وحاصبيا، ومع السنة في البقاع الغربي، وعلى باسيل وتحالفاته مع كل الأضداد على مستوى الوطن كله.

ويقول مطلعون على خفايا الأمور ان مناورة فرنجية في الشمال كانت موجهة الى جبران باسيل في “دائرة رئاسية” بامتياز، معتبراً أن فوز جعجع لا يقوده الى بعبدا خلافاً لفوز رئيس “التيار الوطني الحر” الغارق حتى رأسه في ديون عليه لدى حسن نصر الله، وأن مناورة جعجع في الجنوب ربما تنبع من صفقة خفية تعطي “حزب الله” وحركة “أمل” ما يريحهما في الجنوب، في مقابل الحصول على ما يريح “القوات اللبنانية” في البقاع الشمالي لمصلحة أنطوان حبشي وفي منطقة بشري لمصلحة جوزيف اسحق تحديداً.

ويضيف هؤلاء أن تفاهمات جنبلاط تستهدف منافسيه على الزعامة الدرزية في عقر داره، وأن تحالفات باسيل تستهدف منافسيه المسيحيين في بيئته، أكثر مما تستهدف نصرة أي مبادئ أو خطوط سياسية صافية.

ويوضح هؤلاء المطلعون، أن أكثر ما يهم هؤلاء في الدرجة الاولى هو الاحتفاظ بمعاقلهم مقفلة وموصدة أمام أي منافس لا يدور في فلكهم أو لا يعزز قوتهم السياسية في مجلس النواب، مؤكدين أن خسارة الثنائي في الجنوب تكاد تكون أشد ايلاماً من خسارة معركة في مواجهة اسرائيل، وأن خسارة جعجع في بشري أو دير الأحمر تكاد تكون أشد ايلاماً من تسليم سلاحه والدخول الى السجن، وأن خسارة جنبلاط في المختارة تكاد تكون أشد ايلاماً من إغتيال كمال جنبلاط، وأن سقوط باسيل في البترون تكاد تكون أشد ايلاماً من هزيمة “الثالث عشر من تشرين”.

حتى الآن، هذه هي الصورة قبل ثلاثة أسابيع من الاستحقاق الكبير، وهي في اختصار انعكاس لحال القلق التي تسود “الأقوياء” وليس لحال الثقة أو الاطمئنان التي يحاولون تسويقها في أوساط الناخبين والمترددين والمشككين.

فهل تمضي الانتخابات بما تيسر، بحيث يخرج المرشحون الكبار بأقل قدر من الخسائر في وقت لا تبدو الغالبية مضمونة لأحد، أم يسعى الجميع الى ايجاد أي سبب يؤجل الانتخابات موقتاً، أم ينجرف الشارع السني نحو صناديق الاقتراع في اللحظة الأخيرة، بحيث يدرك “حزب الله” أنه ليس الحصان الوحيد على الساحة الاسلامية، ويدرك “الأقوياء المسيحيون” أن قوتهم لا تكتمل من خلال الغاء كل الآخرين، خصوصاً أن ليس بينهم من لم يسهم في صلب المسيحيين كل على طريقته؟

وثمة عاملان آخران يتوقف عليهما أو يتأثر بهما مسار الانتخابات ومصيرها، وهما النتائج التي يمكن أن تظهر في الحرب الروسية – الأوكرانية، وما يمكن أن تحصل عليه ايران أو تفقده في مفاوضات فيينا المتعثرة في بعض الملفات ومنها الملف اللبناني، اذ أن التعثر الروسي حتى الآن لا يعزز فرص الممانعة، والخيبة الايرانية لا تعزز فرص التسويات الهادئة.

شارك المقال