قانون الانتخاب يُفقد “بيروت الثانية” زعامتها

هدى علاء الدين

أيام تفصل دائرة بيروت الثانية عن خوض الاستحقاق الانتخابي الذي سيُحدّد خيار أبناء العاصمة في أكثر المعارك احتداماً واشتداداً، في ظل استحالة التكهن بنتائجها بسبب غياب الثقل السني انتخابياً وعدم معرفة أو حسم توجه مناصري تيار “المستقبل” سواءً بالتصويت أم المقاطعة. الاستحقاق الدستوري الذي سيخوضه البيروتيون، غاب عنه هذا العام الإصلاح الانتخابي لناحية القانون بعد الموافقة على إجرائه وفقاً لقانون العام 2018 على الرغم من كل الشوائب والتشوهات التي أنتجها.

أسوأ القوانين

وفي هذا الإطار، اعتبرت مصادر “لبنان الكبير” أن قانون الانتخاب الحالي هو من أسوأ القوانين الانتخابية التي عمل بها في لبنان، حتى أنها أسوأ من القانون الأكثري الذي اعتمد في الـ 2005 والـ 2009 لناحية التمثيل، على الرغم من أنه يُعتبر توزيعاً للتمثيل ولكن ليس للتمثيل الصحيح. كما أنه وفي حال أخذت المكونات اللبنانية مع الأقضية ودوائرها، يُلاحظ أن هناك تفاوتاً كبيراً بين عدد المقاعد وعدد الناخبين بين دائرة وأخرى، فضلاً عن اختلاف التوزيع الطائفي على الدوائر بشكل متفاوت، وبالتالي فإن هذا القانون الذي يُلزم الناخب بلائحة انتخابية معينة مع صوت تفضيلي واحد يُشتت أصوات الطوائف التي لها العدد الأقل من الناخبين في الدوائر أو يجعلها غير قادرة على إيصال صوتها. كما أنه لا يراعي صحة التمثيل من حيث العدد، إذ لا يجوز أن يكون هناك 5 أو 6 نواب مقابل 60 ألف ناخب في دائرة ما و7 أو 8 نواب في دائرة تحتوي على أكثر من 200 ألف ناخب. هذا يعني أن هناك نائباً يأخذ شرعيته بـ 5 آلاف صوت وآخر بـ 15 ألف صوت، ليُنسف بذلك مبدأ التكافؤ. هذا فضلاً عن إجبار المرشح على التواجد في لائحة ما كي يؤمن الحاصل المطلوب من جهة، وإجبار الناخب على التصويت لكل أعضائها حصراً من دون ترك أي حرية له لاختيار مرشحين من أي لائحة منافسة من جهة أخرى (يلغي حرية الناخب في اختيار المرشحين وفقاً لما يريد). ومن مساوئه أيضاً والتي ظهرت في العام 2018 واستكملت هذ العام، عملية بيع المقاعد في اللوائح، بمعنى البحث دائماً عن فائدة تواجد المرشح في اللائحة، فضلاً عن المساومة على الحواصل الانتخابية من أصحاب النفوذ ذوي الحواصل المرتفعة عن طريق الأموال أو الخدمات، ليكون بذلك هدف عراب اللائحة المزيد من المال والسمسرات في حين يتجلى هدف المرشح في الحصول على جزء معين من حواصل اللائحة.

أما عن القانون الأفضل انتخابياً، فأشارت المصادر إلى اعتماد لبنان دائرة انتخابية واحدة على قاعدة 1 Man 1 Vote، ما يعني أن الناخب يحق له بصوت واحد على صعيد لبنان، انطلاقاً من أن انتخاب الـ 128 نائباً يجب أن يكون انتخاباً على صعيد وطن وليس قضاء. فالنواب هم نواب أمة وليسوا نواب أقضية، والتشريع الذي يقومون به يقتضي أن يكون قانونياً للدولة اللبنانية ككل وليس لمنطقة أو دائرة دون سواها. كذلك هناك تمييز بين النواب (نائب عن الشوف، نائب عن بيروت…)، وهذا ليس منطقياً لأن النائب يجب ألا يكون دوره خدماتياً خصوصاً وأنه ينضوي في إطار السلطة التشريعية وليس السلطة التنفيذية. وبحسب المصادر، يجب الأخذ في الاعتبار في هذا القانون مبدأ المناصفة (64 نائباً مسلماً و64 نائباً مسيحياً)، ليكون بذلك مدخلاً صريحاً للتغيير الذي أخذ في الظهور جلياً كمطلب رئيس منذ العام 2019، على عكس القانون المعتمد حالياً والذي ستكون فيه نسبة التغيير ضئيلة جداً لأنه يُشرّع بطريقة ديموقراطية هينمة الأحزاب الكبيرة ويسهل وصولها إلى المجلس النيابي. هذا إضافة إلى أن اللعبة الانتخابية تسمح لأي شخص يستوفي الشروط اللازمة بالترشح، وصحيح أن هذا يُعد ديموقراطياً وصحياً، إلا أنه كلما ازداد عدد المرشحين ازداد عدد اللوائح ما يؤدي إلى إضعاف الحواصل الانتخابية وتقسيمها لتبقى الكونتينات الكبيرة هي المستفيدة بشكل مباشر عبر حصولها بسهولة على المقاعد النيابية، وبالتالي فإن القانون الحالي لا يصلح للبنان إنما لدول لديها مبدأ الحزبين فقط لا غير.

قانون غير طبيعي

وعن قانون الانتخاب، رأى المرشح في لائحة “هيدي بيروت” مروان سلام أن لهذا القانون شوائب كثيرة وخلق تبايناً كبيراً بين العائلة الواحدة بعد أن كان يُعوّل عليه من أجل التغيير، مفضّلاً إغلاق ثغراته في المستقبل القريب في حال تم الوصول إلى الندوة البرلمانية ليكون أشمل وأوضح وطريقاً من أجل التغيير وليس للنفور والمزاحمات العائلية وخلق إشكالات شخصية تعمل على تشتيت العائلات والأصدقاء. ووصف القانون بـ “غير الطبيعي وليس على المستوى المطلوب للبنان اليوم”، معتبراً أن قانون الـ 60 أفضل منه بكثير.

وعن كثرة اللوائح المتنافسة في دائرة بيروت الثانية، قال سلام: “إنه أمر طبيعي وحق دستوري وقانوني لكل من يريد الترشح. والناخب يعي كيفية التوجه الى أي لائحة تُشبهه وتُشبه تطلعاته خصوصاً وأن هناك 4 لوائح أساسية من أصل 10 ستكون الأكثر تنافساً في ظل وجود بعض اللوائح التي لا تحمل الثقل التغييري أو تملك الخطاب السياسي من أجل المواجهة، وبالتالي فإن الناخب البيروتي يدرك كيف يفصل بين الخطأ والصواب ومتروك له تحكيم ضميره في الاتجاه الصحيح”. وتوقع ألا يكون هناك إحجام عن التصويت، “بل مشاركة كبيرة لأن المواجهة حاسمة ومصيرية ولا بد من التصدي لها”. 

قانون مسخ

من جهته، اعتبر المرشح في لائحة “بيروت تواجه” المدعومة من الرئيس فؤاد السنيورة واتحاد العائلات البيروتية، بشير عيتاني أنه “قانون مسخ ومجحف بحق المواطن وتمت صياغته على قياس البعض وهو موجه ضد تكريس مبدأ الزعامة خاصة زعامة السنة من أجل تحجيم دورهم”.

وعما إذا كان الصوت التفضيلي عادلاً، قال: “على العكس من ذلك ولا ينصف المرشح إطلاقاً، ويفضل وجود صوتين تفضيليين إفساحاً في المجال لاختيار مرشح آخر من لائحة أخرى”.

أما عن التوقعات التي تُرجح عدم فوز أي لائحة بالعدد الأكبر من المقاعد بل ستتوزع على اللوائح كافة، أشار عيتاني إلى أنه “لا يمكن اليوم توقع نتائج الانتخابات لا سيما أن الوقت لا يزال مبكراً في ظل وجود توجهات مختلفة لدى الناخبين، فمنهم من يشعر باليأس ومنهم من يسعى وراء الخدمات ومنهم من حسم أمره بالمشاركة، ومنهم من سيُحكم ضميره وسيختار من هم لمصلحة البلد”. وبحسب عيتاني، فإن الرغبة في الاقتراع تزداد يوماً بعد يوم، على أن تكون التقديرات قبيل إجراء الانتخابات بيومين أو ثلاثة هي الأكثر واقعية بنسبة لن تتخطى الـ 75 في المئة.

شارك المقال